نيويورك... جواً وبراً

«نيويورك... نيويورك» كلمتان من واحدة من أشهر الأغاني التي تناقلتها الأجيال، ومشاهد من مسلسلات مثل «فريندز» و«سيكس إن ذا سيتي» بقيت مترسخة في الذاكرة وحلماً للطامحين بزيارة «التفاحة الكبيرة» النابضة بالحيوية.
ليست هي زيارتي الأولى، إلا أن الجديد هذه المرة هو عنوان إقامتي في وسط نيويورك المالي (Financial District) في فندق «فور سيزونز داون تاون» الذي شهد مبناه أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) قبل أن يتحول المبنى الذي كان حينها مكاتب بنوك ومؤسسات مالية إلى فندق، ولكن المبنى بقي شامخاً وشاهداً على أسوأ ما أصاب الولايات المتحدة، واليوم تحول مكان البرجين اللذين نُسفا بالكامل نتيجة الاعتداء إلى نصبين تذكاريين لا يمكن تشبيههما بأي نصب تذكاري آخر في العالم.

* قبل الإقلاع

* بدأت الرحلة من فندق فورسيزونز الجديد الواقع في مبنى «10 ترينيتي سكوير» في شرق لندن المقابل لبرج لندن، فبعد ليلة هادئة وعشاء في «مدام دو بيك» أجدد عنوان للأكل الفرنسي المكلل بنجوم ميشلان في الفندق المذكور الذي فتح أبوابه منذ أسابيع معدودة كان قد حان وقت الانطلاق إلى المطار للإقلاع على متن رحلة تابعة للطيران الأميركي «American Airlines». واللافت أثناء عملية «التشيك إن» أن أسئلة الموظف تغيرت بعد إصدار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب قراره الغريب بمنع سفر مواطني 7 بلدان مسلمة بغالبتيها إلى الولايات المتحدة، وبهذا القرار تغيرت الأسئلة إلى: في أي شركة تعملين؟ ما اسم رئيسك في العمل؟ السؤال كان غريباً بعض الشيء، ولكني لم أمتعض أبداً من ذكر اسم رئيسي: غسان شربل، فهز الموظف رأسه وكأنه يقول لي إنه سمع بهذا الاسم... والله أعلم.
انطلقت الرحلة في الصباح الباكر وبعد نحو 7 ساعات حطت الطائرة بسلام في مطار «جي إف كي»، وكان التوتر يسود أوساط المسافرين، فالجميع كان يتساءل عما سيكون مصيرهم، فكان الصحافيون في الرحلة، بمن فيهم أنا، يحملون الجنسية البريطانية ولكن مكان ولادة البعض منا كان في تركيا ومالطة... وأنا في بيروت.
للمرة الأولى في مطارات الولايات الأميركية تجد ماكينات تقوم بتفحص جوازات السفر وتقرر ما إذا كان عليك الذهاب لرؤية مسؤول الأمن والحدود أو التوجه مباشرة إلى الخارج، وبمجرد وضع جواز السفر في الماكينة تظهر صورتك على الشاشة وبعد الرد على بعض الأسئلة، تطبع الماكينة ورقة تقرر لك مصيرك، فإذا ظهرت علامة «صح» يكون قد فرج عنك، أما إذا ظهرت علامة «إكس» بالإنجليزية فيكون مصيرك الذهاب إلى أحد المسؤولين، فكنت أنا من بين الذين حالفهم الحظ للذهاب إلى مسؤول الأمن، فكان لطيفاً جداً ولن يسأل إلا عن طبيعة الرحلة: «عمل أم إجازة؟»، فسألته عن سبب قرار الماكينة بأنه يتعين علي رؤيته، فرد بكل أدب: السبب هو أنك تحملين تأشيرة «الوايفر» الجديدة، وهذا الأمر صحيح فتأشيرتي جديدة وهي مختلفة عن التأشيرة التي كانت في زمان الرئيس أوباما.
ولكن صدقوني قد تكونون محظوظين إذا حصلتم على «إكس»، لأن طابور المسموح لهم بالمغادرة كان طويلاً جداً، فالحمد لله كنت من بين الأقلية المحظوظة، ومن بين أول الواصلين إلى ردهة تسلم الحقائب.

* الوصول إلى الفندق بالهليكوبتر

* المعروف عن نيويورك أنها من أكثر مدن أميركا كثافة سكانية وزحمة، وتستغرق المسافة بين المطار والفندق في وسط الحي المالي «داون تاون» 45 دقيقة على الأقل، فإذا أردت الوصول برفاهية وفي أقل من 10 دقائق يمكنك ذلك من خلال حجز طائرة هليكوبتر عن طريق الفندق، فيتولى موظفون من الشركة أمر شنط السفر، في حين تتوجه أنت بحافلة صغيرة إلى مدرج في المطار مخصص لطائرات الهليكوبتر لتصل بعدها إلى المهبط في وول ستريت.

* اكتشف نيويورك الجديدة

* إذا كنت قد زرت نيويورك من فترة ستفاجأ بالتغير الطارئ على حيها المالي، فتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر غيرت هيكلة الوسط المالي وحفزت المدينة على النهوض من جديد تماماً، مثل طائر الفينيق، فتم تشييد محطة قطارات تضم مركزاً تجارياً ضخماً بتصميم هندسي لافت على شكل الطائر المذكور وأطلق عليه اسم Oculus، وهو من تصميم المبدع الإسباني سانتياغو كالاترافا وكلف المشروع أكثر من 4 مليارات دولار أميركي، مما أثار حفيظة سكان المدينة، لأن التكلفة باهظة جداً وهي من المال العام.
لكن وللحقيقة فهذا المبنى الذي تم افتتاحه في الرابع من هذا الشهر (مارس 2017) هو فعلاً تحفة فنية لا يمكن أن تمر من قربها مرور الكرام، لينضم إلى أهم معالم القسم السفلي من مانهاتن.
ويضم المبنى كثيراً من المحلات التجارية الكبرى ويربط المدينة بعضها بعضاً من خلال شبكة قطارات عصرية لا تشبه غيرها.

* أين تنام في الحي المالي؟

* بما أن زيارتنا اقتصرت على الحي المالي في نيويورك، فكان لا بد من اختيار فندق «فورسيزونز داون تاون» الذي يقع في القلب المالي النابض.
تم تشييد المبنى في القرن العشرين، وهو مؤلف من 189 غرفة وجناحاً، بالإضافة إلى 157 شقة سكنية فندقية تناسب العائلات العربية التي تسافر بأعداد كبيرة، ويقع المركز الصحي وبركة السباحة في الطابق الثالث ويطل على أجمل معالم المدينة.
ويتميز البهو الرئيسي وكل الغرف والأجنحة بتصميمات عصرية رائعة مدعومة بتكنولوجيا عالية المستوى وفي الوقت نفسه سهلة الاستعمال وغير معقدة.
يتميز فورسيزونز داون تاون بموقعه وسهولة الوصول إليه عن طريق 3 محطات رئيسية، ومنه يمكنك الوصول إلى وول ستريت ومركز التجارة العالمي ومثلث «ترايبيكا» ومنطقة سوهو وغرينيتش فيلادج وويتني بارك ومتحف ويتني، ومنه أيضاً يمكن الوصول إلى الواجهة البحرية التي تقع بمحاذاتها أشهر الجسور وأجمل المعالم.
واختار الشيف العالمي وولفغانغ بوك الفندق ليكون عنوان مطعمه الأول في هذا القسم من نيويورك ويقدم فيه إبداعاته العصرية من الأطباق.

* تعرف إلى تاريخ وول ستريت

* إذا أردت التعرف على الحي المالي في القسم السفلي من مانهاتن، فأفضل طريقة هي المشي على الأقدام والاستعانة بدليل مختص، يعرف الحي قبل حادثة سبتمبر ولديه المعلومات للرؤية المستقبلية للمنطقة.
من حسن حظنا استعنا بدليلة سياحية من أصل جنوب أفريقي كانت تعمل في السابق في السلك الدبلوماسي، وهي أشبه بموسوعة متنقلة على قدمين، بدأنا الرحلة من الفندق، وما إن خرجنا من الباب الرئيسي، أشارت المرشدة السياحية إلى الكنيسة القديمة التي تقع مقابل فندق فورسيزونز مباشرة، وأشارت تحديداً إلى الصليب على مدخلها وبدا ملتوياً بشكل لافت، فشرحت أن الصليب أصبح بهذا الشكل بعد التفجيرين وأبقوا عليه على هذا النحو ليكون بمثابة تذكار لأسوأ يوم في تاريخ البلاد، وخلف الكنسية رأينا جبانة، وكان المنظر لافتاً لأنها تقع في وسط الحي المالي، وهي تابعة لكنسية القديس بولس، فشرحت لنا المرشدة أن هذه الجبانة هي الأقدم في نيويورك وتعود إلى مئات السنين، ولم تتأثر بالزحف العمراني الذي يطال السماء، وولجنا باتجاه الشمال واكتسبنا معلومة جديدة عن اللافتات الموجودة في الطرقات، فاللافتات باللون البني هي إشارة إلى الأحياء الأثرية والتراثية، وتم اختيار هذا اللون ليتناغم مع لون حجر المباني القديمة، والخضراء تدل على الأحياء الجديدة نسبياً.
وبعد اجتياز المنطقة تصل إلى الواجهة البحرية، وهناك تلتقط أجمل صور الجسور والمباني القديمة، والجميل هو التناغم بين القديم والجديد، فلا تزال الأبنية القديمة ذات السلالم الخارجية مثل تلك التي رأيناها في فيلم «Pretty Woman» وبمحاذاتها أبنية شاهقة. وبعدها بدأت الرحلة الجدية في قلب عالم الأموال والأعمال، واللافت هو أنه لكل مبنى قصته وتم فيه تصوير فيلم شهير، مثل «وولف أو وول ستريت» ولكل مبنى قصة وحكاية.
وتصاب بالقشعريرة عندما تصل إلى النصبين التذكاريين لبرجي التجارة العالمية اللذين سويا بالأرض خلال الاعتداء، التصميم رائع ومحزن بالوقت نفسه، فالنصبان هما عبارة عن فجوتين شاسعتين وعميقتين، مع شلالات مياه تتسلل على الجدران، والهدف من اختيار شلالات المياه هو حجب الأصوات المحيطة والتركيز فقط على صوت الماء، لأن كل نصب هو بمثابة جبانة للذين قضوا في الاعتداء، وتسور الفجوتين أسماء الضحايا المحفورة على الحديد الصلب الأسود، واللافت هو أن النصبين استخدم فيهما الردم من البرجين، وسألنا عن سبب وجود بعض الزهور البيضاء وكان الجواب أنه تقليد للاحتفال بعيد ميلاد كل ضحية، ففي اليوم الذي زرنا فيه النصبين كانت هناك نحو 4 زهور بيضاء مغروسة على اسم صاحب العيد.
ولأجمل فرصة لالتقاط الصور لنيويورك من فوق، أنصحك بزيارة «One World Trade Centre Oberservatory»، وهذا المبنى هو الأعلى في القسم الغربي من الكرة الأرضية، وعبر مصعد سريع جداً تصل إلى الطابق المائة ومنه تصعد إلى الطابق 101 و102، ومنه تطل على أجمل معالم نيويورك الرائعة، وتقضي ساعات في التقاط الصور، ومن خلال جهاز «آي باد» يمكنك التعرف على اسم كل مبنى تراه وكل معلم من معالم المدينة.

* نشاطات رشيقة

* الجميل في نيويورك هو المشي المتواصل لأنه يساعدك في التعرف على المعالم والمباني عن قرب، ومن النشاطات الجميلة، المشي على سكة الحديد القديمة التي تحولت إلى ممشى رائع مطل على روعة نيويورك «High Line» وزيارة «Chelsea Market» أو متحف «ويتني» للفن الأميركي (Whitney Museum of American Art) والتسوق في «Meatpacking District» والمشي في منطقة سوهو ووسط المدينة (Midtown)، حيث تنتشر المحلات التجارية في شارعي ماديسون افنيو وفيفث افنيو.

* أين أكلنا؟

مطاعم نيويورك لا تحصى ولا تعد، وفي كل مرة نزور بها المدينة نخصص وقتاً لاكتشاف ما هو جديد في عالم الأكل.
هذه المرة جربنا 3 عناوين أكثر من رائعة، إن كان من ناحية الأكل أو ناحية التقديم والجو العام فيها، وهي: «سانتينا» (Santina) و«فورجيوني» (Forgione) و«كات» (Cut) التابع لفندق الفور سيزونز.

* كيف تسافر بأناقة؟

* السفر متعب بشكل عام، ولكنه من الممكن تخفيف هذا التعب من خلال اختيار شركة الطيران المناسبة والخدمات المتوفرة ولو لم تكن من مسافري درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى.
فعند مغادرتك نيويورك عبر مطار «جي إف كي» يمكنك السفر من خلال مكاتب «تشيك إن» خاصة وسريعة، وهذه الخدمة تأتي مجانية لركاب الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال ويتمكن ركاب الدرجة السياحية من الاستفادة منها لقاء مبلغ 250 دولاراً أميركياً.
تصل إلى القاعة من المدخل الرئيسي للمطار، وخلال دقائق تجد نفسك في قاعة الأمن والتفتيش لتستقر في صالة رجال الأعمال الجديدة المطلة على المدرج، التي تعتمد في تصميمها على الخصوصية والتكنولوجيا العالية.
الخطوط الأميركية (American Airlines) استثمرت ملايين الدولارات في مطار هيثرو اللندني، وتحديداً في قاعة الوصول في الفرع الثالث من المطار المذكور.
ويقدم الطعام في هذه الصالة على طريقة البوفيه وعلى طريقة «الكارت»، فيتمكن المسافر من طلب الأطباق التي يفضلها من بين الأطباق المدرجة على اللائحة.
وجميع الطائرات مزودة بـ«الواي فاي»، وتسير الشركة 19 رحلة يومية من لندن إلى كل من نيويورك وميامي وشيكاغو ودالاس ولوس أنجليس.