المعارضة ترد على فشل وقف النار بـ«هجوم» على أحياء دمشق

الفصائل تعتبر أن المعارك ستنعكس إيجاباً لصالحها في مفاوضات جنيف الأسبوع المقبل

سحابة دخان تلت القصف الجوي على حي جوبر قرب دمشق في أعقاب هجوم عنيف بالقذائف من قبل فصائل إسلامية ومقاتلة على الأحياء الشرقية للعاصمة السورية أمس  (أ.ف.ب)
سحابة دخان تلت القصف الجوي على حي جوبر قرب دمشق في أعقاب هجوم عنيف بالقذائف من قبل فصائل إسلامية ومقاتلة على الأحياء الشرقية للعاصمة السورية أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة ترد على فشل وقف النار بـ«هجوم» على أحياء دمشق

سحابة دخان تلت القصف الجوي على حي جوبر قرب دمشق في أعقاب هجوم عنيف بالقذائف من قبل فصائل إسلامية ومقاتلة على الأحياء الشرقية للعاصمة السورية أمس  (أ.ف.ب)
سحابة دخان تلت القصف الجوي على حي جوبر قرب دمشق في أعقاب هجوم عنيف بالقذائف من قبل فصائل إسلامية ومقاتلة على الأحياء الشرقية للعاصمة السورية أمس (أ.ف.ب)

انتقلت الفصائل المعارضة إلى «موقع الهجوم» في معركة دمشق، محققة تقدما لافتا في حيي القابون وجوبر الذي يبعد كيلومترين تقريبا إلى الشمال الشرقي من أسوار المدينة القديمة بدمشق. وفيما سجلت معارك عنيفة بين الطرفين نتج منها سقوط عدد من القتلى والأسرى في صفوف النظام والمجموعات الموالية له، بحسب ما أعلنت المعارضة، عاشت العاصمة يوم أمس حالة من الخوف والذعر والحذر في التنقل؛ خوفا من القذائف والرصاص الطائش.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الفصائل المقاتلة في دمشق انتقلت الأحد إلى موقع «هجومي» مع محاولاتها المتكررة التقدم إلى وسط العاصمة.
وقال القيادي في «الجيش الحر» أسامة أبو زيد: «المعارك الحالية التي يخوضها ثوار الغوطة هي في قلب دمشق، وليس على تخومها كما تذكر بعض وسائل الإعلام»، في حين أشارت مواقع معارضة إلى أن الفصائل نجحت في ربط حيي جوبر والقابون بعدما سيطرت على المباني الفاصلة بينهما، وهو الأمر الذي نفاه عبد الرحمن قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الاشتباكات العنيفة مستمرة، وقد تمكن بعض المقاتلين من التسلّل، إنما ذلك لا يعني السيطرة».
وذكر «المرصد» إن طائرات حربية قصفت حي جوبر، بينما قصفت المعارضة أحياء مجاورة في دمشق، منها باب توما وركن الدين ومنطقة العباسيين. وقال أحد قادة المعارضة إن «الهجوم على آخر خط دفاع للجيش في المناطق السكنية بدمشق يهدف إلى تخفيف الضغط على مقاتلي المعارضة الذين فقدوا السيطرة على مناطق في القابون وبرزة شمالي جوبر». وأضاف أن «الهجوم الذي نفذه تحالف لمقاتلي المعارضة اشتمل على تفجيرين انتحاريين نفذتهما فصائل إسلامية».
وذكر التلفزيون السوري، أن الجيش يقاتل لصد هجوم للمسلحين في جوبر ويقصفهم بالمدفعية. وترددت أصوات انفجارات عنيفة في خلفية بث مباشر للتلفزيون السوري من ساحة العباسيين التي كانت يوما تعج بالناس، لكنها بدت مهجورة وخالية من المارة والمرور.
من جهته، قال المتحدث باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان لـ«الشرق الأوسط»: «أعلن الانتهاء من المرحلة الأولى والانتقال إلى المرحلة الثانية بعدما باتت كراجات العباسيين وشارع فارس خوري تحت السيطرة ناريا، وسيطرت بشكل كامل على منطقة النسيج وشركة الكهرباء شمال حي جوبر». ورأى أن هدف المعركة هو خلق توازن بالقوى واستنزاف النظام على أرضه، وهو الأمر الذي سينعكس ضغطا عسكريا وانهيار خطوط الدفاع لقواته.
واعتبر علوان، أن التقدم الذي حققته الفصائل اليوم في دمشق بعد فشل «آستانة»، وفشل روسيا في ضمان تثبيت وقف إطلاق النار، سينعكس إيجابا لصالح المعارضة في مفاوضات جنيف الأسبوع المقبل. من جهته، قال العقيد في «الجيش الحر» فاتح حسون، لـ«الشرق الأوسط»: «الإنجازات التي حققها الثوار في دمشق لا بد أن تنعكس إيجابا على المفاوضات السياسية في جنيف بعدما أمعن النظام في خرق وقف اتفاق النار»، آملا أن «يترجم هذا الأمر بنجاحات سياسية».
وأكد القيادي في «الجيش السوري الحر» محمد الشامي، أن عملية دمشق التي أطلقتها فصائل معارضة قد نجحت في «كسر الدرع الرئيسية لقوات النظام». وأكد سقوط ما يقرب من «120 من قوات النظام والقوات التابعة لها، وأسر عشرة من لواء الفاطميين، في مقابل سقوط سبعة من القوات المقتحمة».
وأفاد «المرصد» بعد الظهر بأن مقاتلين من «الفصائل المقاتلة، وهيئة تحرير الشام (ائتلاف فصائل أبرزها جبهة فتح الشام)، تمكنوا من التسلل والوصول إلى كراجات العباسيين» وهي عبارة عن مواقف للسيارات والحافلات على أطراف الحي الواقع في وسط دمشق، ويحاذيه حي جوبر من جهة الشرق. وأوضح أن المقاتلين «تمكنوا من السيطرة على أجزاء واسعة من الكراجات، حيث تخوض قوات النظام معارك عنيفة لاسترداد ما خسرته»، وبحسب عبد الرحمن، فإنها «أول مرة منذ عامين تصل فيها الاشتباكات إلى هذه المنطقة».
وبدأت المعارك بين الطرفين صباح الأحد إثر هجوم مباغت بدأته الفصائل المعارضة وتخلله تفجير عربتين مفخختين وانتحاريين على مواقع تابعة لقوات النظام في حي جوبر، وتمكنت من السيطرة على سبع نقاط على الأقل، تقدمت منها باتجاه العباسيين، بحسب «المرصد».
وتتقاسم قوات النظام والفصائل السيطرة على حي جوبر، الذي يعد وفق مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن «خط المواجهة الأول بين الطرفين، باعتباره أقرب نقطة إلى وسط العاصمة تتواجد فيها الفصائل». واعتبر عبد الرحمن أن الفصائل انتقلت الأحد «من موقع الدفاع في جوبر إلى موقع الهجوم» واصفاً ما جرى بأنه «ليس مجرد مناوشات، بل محاولات مستمرة للتقدم» إلى وسط العاصمة.
وتخلل المعارك إطلاق الفصائل قذائف صاروخية على أحياء عدة في وسط العاصمة، أبرزها العباسيين والمهاجرين وباب توما والقصاع. وتردد دوي القصف والمعارك في أنحاء العاصمة، فيما أعلن عدد من المدارس تعليق الدروس حفاظاً على سلامة الطلاب.
ويهدف هجوم الفصائل في جوبر عدا عن تحقيق تقدم، إلى «تخفيف الضغط عن محوري برزة وتشرين بعد ساعات من تمكن قوات النظام من تحقيق تقدم مهم بسيطرتها على أجزاء واسعة من شارع رئيسي يربط الحيين الواقعين في شرق دمشق». ومن شأن استكمال قوات النظام سيطرتها على الشارع أن يسمح بفصل برزة كليا عن بقية الأحياء في شرق دمشق، وفق مدير «المرصد». وأحصى «المرصد» مقتل تسعة عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، في حين قضى 12 مقاتلاً من الفصائل في الاشتباكات بين الطرفين في الساعات الـ24 الأخيرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.