معرض الرياض يكشف عن أول كتاب ورقي صوتي في العالم العربي

الجناح الماليزي يثير حماس الزوار بعرض تقنية استخدام ورق مضاد للماء

الجناح الماليزي استقطب العديد من زوار المعرض
الجناح الماليزي استقطب العديد من زوار المعرض
TT

معرض الرياض يكشف عن أول كتاب ورقي صوتي في العالم العربي

الجناح الماليزي استقطب العديد من زوار المعرض
الجناح الماليزي استقطب العديد من زوار المعرض

أكد الدكتور عبد الرحمن العاصم، المشرف على وكالة الوزارة للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام، والمشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب 2017، أن المعرض شهد حتى اليوم الخامس منه، إقبالاً كبيراً من الزوار بمختلف فئاتهم العمرية، حيث بلغ عددهم حتى نهاية يوم الأحد الماضي 155 ألف زائر.
وأضاف: «بلغ عدد عمليات البحث اليومي عن دور النشر 18.200 عملية بحث، فيما سجلت عمليات بحث الكتب 145 ألف عملية يومياً».
وبخصوص عدد الزيارات التي يشهدها الموقع الإلكتروني للمعرض، بيّن العاصم أن عدد زيارات الموقع بلغت 150 ألف زيارة، فيما وصلت عمليات خدمة نظام «الباركود» التي طبقت للمرة الأولى هذا العام إلى 120 ألف عملية يومية، موضحاً أن عمليات الشراء الإلكتروني للكتب بلغت 800 عملية شراء يومياً.
واعتبر العاصم الإحصائيات التي تعكف عليها لجنة الإعلام والمعلومات عنصراً مهماً في استشراف الرؤية المستقبلية للمعرض، وبخاصة فيما يتعلق بنوعية البرامج والفعاليات وأهمية توجيهها لفئة الشباب.
وعن إحصائية الكتب التي يضمها المعرض، أشار العاصم إلى أن مجموع عناوين الكتب التي يضمها معرض الكتاب 260 ألف عنوان ورقي و900 ألف عنوان إلكتروني، كما بلغ عدد الكتب التي تمت طباعتها إلكترونياً حتى الآن 14 كتاباً (قرابة ألف نسخة).
ولفت إلى أن حافلات النقل الترددي التي سخرتها إدارة المعرض بهدف نقل الزوار من عدة مناطق، نقلت 45 ألف زائر، كما قام البريد السعودي بإرسال 26 ألف كتاب حتى الآن إلى مختلف المناطق.
واختتم العاصم حديثه قائلاً: «من المتوقع أن يشهد المعرض خلال الأيام المتبقية كثافة في أعداد الزوار، خصوصاً في إجازة نهاية الأسبوع».
إلى ذلك، شهد الجناح الماليزي إقبالا من الجمهور السعودي، الذي تعرف على جوانب من التراث والفلكلور الماليزي، وتقنية جديدة تم تقديمها لزوار المعرض، وهي استخدام ورق مضاد للماء، مصنوع من الحجر يشبه البلاستيك، ويمكن الاستفادة منه لسنوات كثيرة، وهي تقنية جديدة تستخدم في ماليزيا والصين حالياً، وتكلفتها أغلى 30 في المائة من الورق العادي، ولكنها مميزة بالحفاظ على البيئة.
وأوضح عبد الرازق عبد العزيز مدير شركة (imagineers)، وهي شركة إبداعية تبحث عن الأفكار الإبداعية في مجال الكتب وطاولات القهوة، أن «الشركة تبحث عن طرق لدمج المنشورات والطباعة في الصناعات الأخرى عبر منتجات مستدامة، وفكرة اختراع كتاب تحت الماء خرجت حينما كنّا نبحث عن مادة تساعدنا في إيقاف قطع الأشجار الجائر، ووجدنا ورقاً مصنوعاً من حجر، إذ نجمع الأحجار من المقالع، ونستخرج بودرة من حجر الكلس (الجير)، وهي جسيمات صغيرة تُجمع مع الزبيب الطبيعي لتصنع لنا ورقة».
وأضاف أن هذه الطريقة صديقة للبيئة، وقال إن «حجر الكلس (الجير) يوجد في جميع أنحاء العالم، فماذا لو فكر الجميع باستخدام هذه الطريقة لتحويل حجر الكلس (الجير) من مادة إلى ورق؟».
وأضاف: «فوضنا للعمل بهذه التقنية من قبل IBM على قصة بطل خارق اسمه (هانتو)، كتبت قبل سنوات عدة بالعربية، وهذا الكتاب ترجمة لتلك القصة، وهو أسطورة ترجمت قصته إلى 7 لغات، ولا يوجد منه سوى 3 نسخ، واحدة بمعرض الكتاب، واثنتين بالقصر الملكي بماليزيا، والغلاف مصنوع من جلد الماعز، وصنعنا هذا الكتاب برسومات يدوية».
وتابع: «نبحث عن طرق مختلفة في استخدام الأصباغ الطبيعية»، مبيناً أن هذه التقنية غالية، لكنه استدرك: «كلما زاد استخدام هذه الطريقة قل السعر، وسننشر الشهر المقبل في معرض كوالالمبور الدولي للكتاب 3 كتب صنعت باستخدام هذه الطريقة المضادة للماء، وإضافة إلى ذلك سورة (يـس)».
ومن التجارب الجديدة، كشف الكاتب عماد اليماني عن كتابه «عيون جديدة» خلال معرض الرياض الدولي للكتاب 2017، الذي يعد أول كتاب ورقي صوتي في العالم العربي، حيث يتيح للقارئ سماع النص عن طريق مسح رمز Q.R «الباركود» بجهازه الجوال.
والكتاب عبارة عن مجموعة نصوص نثرية متنوعة، يقول مؤلفها إنه كتبها «في مزاجات مختلفة وحالات معينة، باختلاف مشاعري، كان القلم صديقي الذي أبوح به دون تردد»، مضيفاً: «لملمت حروفي ودونتها في مولودي الأول، لعل حروفي تلامس حياة أحدهم».
وأشار اليماني إلى أن كتابه باقة من المقالات الاجتماعية البسيطة، تتميز بالأسلوب السهل المباشر القريب من القلب، تُذكرنا ببعض الأمور التي نتجاهلها ولا نلق لها بالاً في بعض الأحيان، وذلك من خلال زرع مفاهيم جديدة تهدف إلى الإصلاح والتغيير الإيجابي.
من ناحية أخرى، ومنذ 30 عاماً، يحط عبد الجليل ناظم من دار «توبقال» للنشر، المغربية، رحاله في معارض الكتاب التي تقام في الرياض، محباً لنقل ثقافة المغرب لدول المشرق.
ويؤكد ناظم أنه يحرص شخصياً على المعارض القوية ذات الدلالة في العالم العربي، وعلى رأسها معرض الرياض، الذي أصبح علامة فارقة على خريطة المعارض، ويحتل أهمية بارزة، مضيفا: «عندما أتأمل معارض الكتاب في العالم العربي، أراها ضرورية للثقافة، بخلاف المنظور الأوروبي الذي لا يرى في المعارض إلا الجانب المهني».
وحول عدد العناوين وسياسة النشر لدى دار «توبقال»، يقول ناظم: «لدينا 550 عنواناً في جميع الحقول المعرفية، وبسياسة نشر واضحة قائمة على 3 أركان، هي: المعرفة والإبداع والانفتاح، إلا أننا ننتقي ونختار ما يهم القارئ السعودي، فضلاً عن مراعاة جوانب نقل الكتب للمعرض».



مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي
TT

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

مجتمع الشعراء في مهرجان الشارقة للشعر العربي

لا نكاد نجد على طول الخريطة العربية اليوم مهرجاناً للشعر العربي الفصيح يجمع هذا العدد الهائل سنوياً من الشعراء إلا في الشارقة. إنه مهرجان يتجاوز بالتأكيد صفة الحدث الثقافي التقليدي الذي يستضيف شعراء بارزين من العالم العربي ويقيم لهم أمسيات أنيقة مؤثثةً بجمهور تفاعلي يضمن التواصل الضروري بين المبدع والمتلقي. وهكذا، نجد في هذا المهرجان سمات عديدة تميزه عن طابع الموسمية الذي يهيمن عادةً على الفعل الثقافي في كثير من فعالياتنا العربية، ونخص بالذكر تلك التي تُعنى بالثقافة والفن، لا سيما الشعر. جملة ما يمكن أن يخلص إليه من تابع أو حضر فعاليات هذا المهرجان هو أنه سعى ونجح إلى حد كبير في صنع مجتمع شعري متكامل الأركان يتعايش فيه المبدعون - وإن بصفة مؤقتة - لفترات غير قصيرة يتصل فيها النهار بالليل، فمن ندوات صباحية إلى أمسيات باذخة للشعر إلى سمر ليلي موسيقي في نُزل الشعراء يستمر حتى ساعات متأخرة من الليل على أنغام الطرب العربي الأصيل من أقطار ومدارس غنائية شتى. ثم يتواصل اللقاء بعدها في بهو الفندق في جلسات متفرقة هنا وهناك حتى ليُخيل للمتابع أن المكان تحول إلى حي سكني يقطنه شعب من الشعراء لا يتحدثون سوى في الشعر وعنه. وبالتوازي مع ذلك، يتناوب الشعراء الضيوف طيلة أيام المهرجان على مكاتب القنوات الفضائية والصحف والإذاعات لتسجيل عدد من اللقاءات الإعلامية التي تصب كلها في أنهار الجدل الشعري والحوار الإبداعي الذي يناقش القصيدة، والقصيدة فقط.

لا أعرف مهرجانات عربية كثيرة للشعر يرفع منظموها في مدنهم لافتات إعلانية كبيرة تروج للحدث الشعري وتعلق صوره في الشوارع والممرات. هناك في الشارقة نجد في كل الشوارع المحاذية لقصر الثقافة الذي يتوسط بفخامته المدينة صوراً للمهرجان تروج لأماسيه الرئيسية. وعند كل مساء نرقب توافد عائلات بأكملها على القصر باحثين عن موائد الشعر ومنصتين لما يقوله الشعراء، مصطحبين مسنّيهم وأطفالهم في مشهد عائلي يحتضن الثقافة كما لم نعتد أن نراه اليوم وسط عالم تسوده آلة النيو ليبرالية الاقتصادية التي همّشت الفنون الجميلة لمصلحة قيم الاستهلاك. وبالانسجام مع النشاط المسائي في قصر الثقافة، وفي الشارقة نفسها خلال أيام المهرجان الشعري، ما إن تمر على ساحل «شاطئ المجاز» الساحر، والذي يعبر اسمه عن توجه المدينة الثقافي، حتى ترى بالعين المجردة شعراء يمشون على الأقدام محتفين بنسائم الشتاء العليل في الشارقة، ومنهمكين في خوض حواراتهم الثقافية حول هذا الكائن الفني الهلامي الذي لا يمنحك بعضه حتى تمنحه كلك وأكثر.

إن مجتمعاً عربياً من الشعراء يمكن القول إنه قد تحقق بالفعل على أرض الشارقة، ولو لأسبوع واحد. جغرافياً حضوره كانت الشارقة وبالضبط بين النُّزل الفندقي والمسرح والمقاهي، حيث يتجمع الشعراء من مختلف الأقطار العربية، ويتحدثون ويتسامرون وقد يتشاجرون أيضاً حول هذا الموقف الشعري أو ذاك. يتحدثون بصوت مرتفع ويصرخ بعضهم، وبعضهم الآخر يكتفي بالصمت متابعاً ما يقوله الأكثر سناً وتجربة. إنهم يسائلون الحداثة الشعرية عن منجزها، فهناك منهم من ينتصر لضرورة الموقف الحداثي أيّاً كان شكل النص، وهناك من لا يزال راديكالياً في موقفه من حيث ضرورة التركيز على قدسية الشكل الذي يُعبر من وجه نظره عن صلابة عمود الشعر وأصالة بنيته. أحاديث تطول وتتوسع إلى تقييم حالة المشهد الثقافي العربي من حيث مساحة حضور الشعر ومصداقية الجوائز والتواصل المفقود أو الموجود على مضض بين الأجيال الشعرية في عالم عربي أثمن ما يغيب عنه هو التواصل. ولعل هذا التواصل يعد من سمات مهرجان الشارقة أيضاً وفضائله، فإذا كان اليوم الأول الافتتاحي للمهرجان يعمد دائماً إلى تكريم تجربة شعرية فردية أو أكثر تنتمي غالباً إلى جيل رائد، فإن الافتتاح أيضاً يتضمن التنويه بعدد من المواهب الشابة التي توَّجَتها قصائدها المنشورة في «مجلة القوافي». هذه الأخيرة تقدم نفسها مجلةً خالصةً للشعر العربي الفصيح، فهي لا تنشر غيره ولا تكتب عن شيء آخر سواه، تتواتر أعدادها شهرياً حتى تتوج ختامها السنوي باختيار بضعة قصائد منشورة على طول السنة كي يُحتفى بها في المهرجان الرئيسي في مستهل السنة الموالية. تتطور حالة التواصل داخل مجتمع الشعراء حتى تصبح أمتن من الصلة العائلية، فتجدهم يتفقدون بعضهم في البهو والغرف مع كل موعد انطلاق للمسرح، يتفقدون بعضهم في مقاعد الباصات ثم يبدأون بالغناء طول مسافة السير، ويشربون قهوة الوصول أمام المسرح منتظرين بدء الأمسية. هكذا إذن تتواصل الحساسيات والحركات والأجيال الشعرية المختلفة بيُسر وسلاسة دون قطائع نظرية أو أخرى نفسية واجتماعية، وهكذا يتوحد الشعر بقرائه ومبدعيه.

إن ما يميز هذا المهرجان ليس صنعه مجتمعاً شعرياً مفترضاً فقط، بل هو أنه بات يحفز كل الشعراء الذين باعدتهم المسافات الجغرافية وفرقتهم سبل العيش على تقديم أنفسهم مع أوراق اعتمادهم الشعري لهذ المهرجان من بوابة القصيدة، والقصيدة فقط، دون وسطاء ودون محسوبيات. ذلك أن من حق أي شاعر أن يحضر مشاركاً في هذا المهرجان، ما دام قادراً على تقديم قصيدته للنشر، وهي وحدها من ستؤهله للمشاركة ضيفاً مُقدّراً، ومن ثم الانضمام إلى أسرة الشعر التي تتعاظم بأفرادها وبأجوائها لتكون مجتمعاً فسيحاً يمد أطرافه من الخليج إلى المحيط.

مجتمع الشعراء الذي تحدثنا عنه ملياً في هذه المقالة يشكل جزءاً من مشروع بدأ بالفعل منذ سنوات ويتعلق بمبادرة «بيوت الشعر» التي أصبحت تتنامى أعدادها في أكثر من قُطر عربي غير الشارقة. حدث ذلك لأول مرة منذ حوالي عشر سنوات حين أطلق حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي مبادرة تهدف إلى إحداث ألف بيت للشعر في العالم العربي يكون نشيطاً طول السنة ويرعى المواهب الشعرية على غرار تجربة «بيت الشعر» في الشارقة. تطور الأمر وتم افتتاح عدد كبير من بيوت الشعر في الأردن ومصر والسودان والمغرب وموريتانيا وتونس. هذا المشروع أسس حالة جديدة في المشهد الثقافي يمكن أن نسميها «اللجوء الشعري» للشعراء داخل بلدانهم إلى مؤسسة «بيت الشعر» التي تعزل نفسها عن ضجيج الحياة الاعتيادية، وتقيم وطناً شعرياً موازياً يحتفي فيه الشعراء بقصائدهم، ويعانقون بعضهم بعد الإنصات والإنشاد والكتابة. إنه وطن الشعراء الذي يتشكل ومجتمع يضم كل أفراد عائلاته الشعرية التي تكبر كل يوم. وفي الحقيقة، لقد أسهم نشاط هذه البيوت داخل كل بلد في خلق حالة الانتماء لوطن القصيدة التي لا يعترف بالحدود الفاصلة ولا ينغلق فيه الفرد الشاعر على انتمائه القطري أو الثقافي أو حتى العرقي والطائفي. كيف يمكن لأي منا أن يتجاوز فرحته بجمالية هذا الإنجاز الذي جعل الشعر مفتاحاً للوحدة العربية في أبهى تجلياتها الفنية والإنسانية!

إن زبدة ما نود قوله عن مهرجان الشارقة للشعر العربي، هو أننا اليوم وفي بلدان عربية كثيرة باتت محجاً للمبدعين بحاجة لدعم فكرة المجتمع الشعري والإبداعي، وليس فقط لفعاليات ثقافية تنشط وتخمد بصفة روتينية بين موسم وآخر. وإذا كانت بشائر هذا التصور الجديد للقاء الشعري قد أصبحت تنضج بوضوح في مراكز ثقافية عربية كبرى كالسعودية والإمارات، فإن الحاجة اليوم باتت ملحة لتعميم وتكريس النموذج على امتداد الخريطة العربية كلها. فمجتمع الشعراء كما هو معلوم يخدم مسيرة السلام وينحاز بالضرورة لقيم الحضارة في مفهومها الكوني، إنه مجتمع مسالم ينتصر للجمال ويناهض الكراهية والتطرف والانغلاق. وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتجسد حضوره عربياً، كما تجسد بالفعل في مهرجان الشارقة.

* شاعر من المغرب