إدارة ترمب والمواجهة مع «داعش»

شهادة الخبير والسفير السابق جيمس جيفري

قوات الخدمة الأرضية تجهز مقاتلات «إف 35» لطلعات تدريبية في يوتاه بأميركا الأسبوع الماضي ضمن مشاركة قوات التحالف في الحرب على «داعش» (أ.ف.ب)
قوات الخدمة الأرضية تجهز مقاتلات «إف 35» لطلعات تدريبية في يوتاه بأميركا الأسبوع الماضي ضمن مشاركة قوات التحالف في الحرب على «داعش» (أ.ف.ب)
TT

إدارة ترمب والمواجهة مع «داعش»

قوات الخدمة الأرضية تجهز مقاتلات «إف 35» لطلعات تدريبية في يوتاه بأميركا الأسبوع الماضي ضمن مشاركة قوات التحالف في الحرب على «داعش» (أ.ف.ب)
قوات الخدمة الأرضية تجهز مقاتلات «إف 35» لطلعات تدريبية في يوتاه بأميركا الأسبوع الماضي ضمن مشاركة قوات التحالف في الحرب على «داعش» (أ.ف.ب)

أكد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب في الأول من مارس (آذار) الحالي في خطابه الأول أمام الكونغرس ما ذهب إليه كثيرون من الخبراء والمختصين في قضايا الإرهاب والشرق الأوسط؛ إذ كشف عن البدء في صياغة سياسة واستراتيجية جديدة تخص مواجهة تنظيم داعش الإرهابي المتطرف، وتكفلت وزارة الدفاع (البنتاغون) بهذه المهمة المرتبطة بالأمن القومي الأميركي. كذلك أكدت كلمة ترمب على استمرار العمل مع الحلفاء التقليديين من العالم الإسلامي، من أجل إلحاق الهزيمة بتنظيم «أبو بكر البغدادي» في الشرق الأوسط ومحوه من الوجود. وتأتي هذه المستجدات في أقل من شهر من عودة جيمس جيفري، الخبير في «معهد واشنطن» والسفير السابق لدى العراق وتركيا، لتقديم شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 7 فبراير (شباط) 2017 بخصوص مواجهة تنظيم داعش، بعنوان «خطة لهزيمة تنظيم داعش: قرارات واعتبارات رئيسية». وكان الخبير نفسه قد قدم يوم 12 فبراير من عام 2015 شهادة سابقة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي.
يبدو أن صناعة الاستراتيجية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وبالأخص في مجال مكافحة الإرهاب، من أولويات الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة. وواضح أن توجهات الكونغرس تستحضر بقوة ضرورة تغيير السياسة القديمة التي أشرف عليها الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، وهي السياسة التي أدت إلى مزيد من التوسع الإيراني في المنطقة، رغم النجاحات النسبية التي تحققت في مواجهة «داعش»، خصوصا على أرض العراق.
وفي هذا السياق، استهل جيمس جيفري، الخبير في «معهد واشنطن» والسفير الأميركي السابق لدى العراق وتركيا، ورقته المقدمة أمام النواب، بالتأكيد على أن تنظيم داعش المتطرف «تهديد مطروح على الولايات المتحدة وشركائها وحلفائها بالشرق الأوسط مواجهته، ضماناً للاستقرار». وأن النجاح في تنفيذ هذه المهمة يتطلب اليوم الانتقال إلى مرحلة جديدة، وتفعيل استراتيجية تقوم على بذل جهود فورية ومكثفة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية «لتدمير هذه الآفة الإرهابية باعتبارها الأولوية الأكثر إلحاحاً في المنطقة» حسب قوله. ولقد أشارت تقارير منشورة وتصريحات للإدارة الأميركية إلى أن إدارة الرئيس الجديد دونالد ترمب تؤيد هذا الهدف تأييداً كاملاً.
بيد أن هذه الخطورة التي يمثلها تنظيم «أبو بكر البغدادي»، لا تنسي الولايات المتحدة أن هناك خطراً يتربص بالمصالح الأميركية العليا أولا، وباستقرار الشرق الأوسط ثانياً، وبتدفق الغاز والنفط ثالثاً. ذلك أن إيران وأنشطتها الحربية التوسّعية، تجد لها شريكاً حقق بدوره عودة قوية إلى المنطقة يتمثل في روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين؛ وبالتالي، يجب النظر إلى الشراكة الإيرانية - الروسية على أنها تشكل تهديداً مباشراً للمصالح القومية للولايات المتحدة.
ومن هنا يغدو «لجم إيران» هدفاً استراتيجياً أميركياً، خصوصاً أن ثمة مؤشرات تؤكد أن النفوذ الإيراني في العراق وصل إلى درجة من الحدة يمكن القول معها إنه بات «بنيوياً» و«مؤسساتياً» بحيث يصعب تجاوزه.
وبما أن الولايات المتحدة تواجه هذه الحقيقة على الأرض؛ فإن النظرة الاستراتيجية الجديدة لا يجب أن تنحصر بإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وأشباهه فحسب، بل يجب أن تشمل أيضا وضع خطة للتعاون مع الجهات التي يمكن أن تساعد في تحقيق الهدف الأوسع والأبعد. ومن هنا يرى محللون أن على الإدارة الجمهورية الجديدة أن تتعاون مع تركيا في سعيها «لاستعادة مدينة الرقّة في سوريا»، وفي المقابل على أنقرة أن تعي أن الأهداف الأميركية الخاصة بإلحاق الهزيمة بتنظيم «البغدادي» قد تقضي بمشاركة لاعبين فاعلين لا يحضون بقبول أنقرة التام.
الحقيقة أن إلحاق هزيمة ساحقة ونهائية بالتنظيم الإرهابي المتطرف هدف طويل المدى، ولذا يرى البعض أن على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان «تفهّم» مسألة إشراك ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، خصوصا بعد التصويت على الدستور في بداية أبريل (نيسان). وفي هذه المعركة بالضبط «وإذا رغبت الولايات المتحدة في تحقيق نصر سريع ضد (داعش) سيتوجب عليها على الأرجح إشراك قوات دعم إضافية وربما تشكيلات قتالية برية محدودة». وهذا بطبيعة الحال إن تم تنفيذه، سيمثل تحوّلاً مهماً في السياسة الأميركية ضد الإرهاب التي طبقها أوباما.
وعلى ما يبدو، فالواقع الحالي يفرض التسريع في تغيير الاستراتيجية القديمة، ذلك أن التحدي لا يكمن فقط في تدمير «داعش» وخلافته المزعومة في زمن «الهيمنة» الإيرانية والتوسّع الروسي في الشرق الأوسط، بل نلحظه كذلك في الصراع الجيو - سياسي القائم حول مَن سيقود عملية التحوّل المستقبلي المهم في الشرق الأوسط المنطقة بعد ضرب «داعش» وتصفيته. ذلك أننا في مرحلة انتقالية شبيهة بتلك التي حصلت بدخول أميركا إلى العراق، وقبلها، نشوب الثورة الإيرانية، والتحولات التي أنتجتها حرب 1973.
وبناءً عليه، من الطبيعي أن الصراع مع الإرهاب وإيران صراع جيو - سياسي، يضع المصالح الكبرى لأميركا على المحك. ومن هنا ثمة ضرورة للتفكير بوضع المنطقة في مرحلة ما بعد «داعش».
بكلام آخر، على الإدارة الأميركية الجديدة اختيار استراتيجيتها السياسية - العسكرية لضرب التنظيم وتصفيته ليس من وجهة نظر عسكرية فقط، بل أيضاً من وجهة نظر سياسية تشمل هدف وضع سيناريو «اليوم التالي» الذي يُبقي الولايات المتحدة في المنطقة، ويبعد الطموحات الإيرانية، ويتعامل بصورة صحيحة مع «الوجود الروسي الذي لا مفر منه».
* ضرب «داعش»
في هذا الإطار ينبه الخبير جيمس جيفري، لطبيعة تنظيم داعش باعتباره «خلافة» مزعومة، تدّعي الاستناد إلى أسس دينية، في جغرافية لها سكان واقتصاد وجيش وحكومة. وفي الوقت نفسه، ترتبط بتنظيم «أبو بكر البغدادي» فروع عدة، تستفيد من ضعف سيطرة بعض البلدان الإسلامية على كامل ترابها الوطني. ومن هنا، وجب التوجه رأسا إلى سحق «داعش» في «عاصمتيه» (الموصل والرقّة) في العراق وسوريا، لضمان تقليص التهديدات الإرهابية وتأثيرها على الولايات المتحدة والشرق الأوسط؛ إذ إن استعادة الرقّة والموصل تعني حتما القضاء على التنظيم الإرهابي المتطرف في صورته الحالية التي ظهر بها منذ 2012.
لكن كيف يمكننا إدارة هذه المعركة الحاسمة؟
يقترح السفير الأميركي السابق لدى العراق وتركيا «خريطة» تجمع بين متناقضات عدة لكنها تشكل رؤية جديدة تراعي مصالح تركيا والولايات المتحدة، كما تدعو إدارة ترمب لإيجاد صيغة جديدة للتعايش مع الروس في المنطقة، وتحديداً في سوريا. ذلك أن المعركة ضد الإرهاب تتطلب تنسيقاً عسكرياً وسياسياً من جميع الأطراف الفاعلة على الأرض، سواء تعلق الأمر بمعركة الرقّة أو معركة الموصل وما سيتبعهما.
في العراق، يبدو أن استعادة غرب الموصل قد تستغرق بعض الوقت رغم الجهود والتنسيق القائم بين التحالف الدولي والقوات العراقية. وفي حالة نجاح الخطة العسكرية سيتمركز تنظيم «البغدادي» في الحويجة قرب مدينة كركوك. ورغم أن هذه الأخيرة هدف سهل على ما يبدو، فإن الولايات المتحدة بحاجة «للمناورات الميدانية» التي ستنفذها على وجه الخصوص ميليشيات «البيشمركة» الكردية وميليشيات «وحدات الحشد الشعبي» الشيعية إلى حد كبير. وبالتالي، ستتطلب مشاركة حذرة من قبل الولايات المتحدة لتجنب المواجهات وتعزيز مصالح واشنطن في العراق على المدى الطويل.
* المشهد السوري
على المستوى السوري، يبدو الأمر أكثر تعقيدا وتشابكا. فرغم أن تقارير عدة تفيد بأن أميركا تجري استعداداتها الأخيرة للدخول في معركة الرقّة؛ فإن «داعش» ما زال يستفيد هناك من قوته في مناطق متفرقة، ومن تناقضات عسكرية وسياسية محيطة بأرض المعركة. وفي ظل هذا الوضع، يضع جيمس جيفري الولايات المتحدة أمام خمسة خيارات عسكرية لا تخلو من بعد سياسي:
- الخيار الأول: يعتمد على ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (التي يشكل الأكراد عمودها الفقري) وتضم 27 وحدة عسكرية بقيادة ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية. وهذا الخيار رفضته إدارة ترمب الجديدة. وأيضا من الناحية العسكرية لا يملك هذا الخليط من الميليشيات أسلحة ثقيلة ولا تقنيات «حرب المدن»، الشيء الذي يعني تقديم مزيد من تسليح «وحدات حماية الشعب» من طرف واشنطن. وهذا يعرقل التعاون والتنسيق الاستعلاماتي - الاستخباراتي مع أنقرة، ويحد من حركة أي قوات أميركية في سوريا لحاجتها الأساسية لاستعمال الأراضي، القواعد العسكرية التركية. بالإضافة إلى ذلك، يشير جيفري إلى مسألة مهمة أخرى، حيث يذكر في شهادته أمام الكونغرس، أنه «وفقاً لمسودة تقرير من قبل (معهد واشنطن)، فجميع القبائل العربية الرئيسية الأربع المنتشرة حول الرقّة على خلاف تتفاوت حدته مع الأكراد، ما يثير تساؤلات حول (اليوم التالي) في الرقّة إذا تم تحرير المدينة من قبل ميليشيات الأكراد أو (العناصر العربية التابعة لسيطرتهم). وهو يطرح بقوة إمكانية تعاون (وحدات حماية الشعب) مع إيران والنظام السوري الحالي».
- الخيار الثاني: التحالف التركي، ويقوده التحالف الدولي، باستخدام «الجيش السوري الحر» وقوات من مشاة الجيش التركي. ويبدو أن تركيا عاجزة بمفردها على تنفيذ هذا الخيار. إلا أن أهميته تكمن في قدرته القوية على النفاذ داخل محيط الرقّة الطائفي - العرقي المتكوّن من خليط من القوات السنّيّة ذات الغالبية العربية، ما يساعد بفعالية على سحب البساط من تحت تنظيم «الخلافة». ولأهمية هذا الاعتبار ينبه الخبير جيفري إلى التقرير المرتقب صدوره عن «معهد واشنطن» ويشير «إلى أن قبائل الرقّة ستكون أقل عدائية تجاه أي وجود تركي، إلا أن تنامي الدور العسكري التركي يمكن أن يمثّل مشكلة لكل من ميليشيا (وحدات حماية الشعب) الكردية وتحالف الأسد وإيران وروسيا».
- الخيار الثالث: الدمج بين الخيارين السابقين، وهو أفضل خيار مطروح بالنسبة لإدارة ترمب من طرف جيمس جيفري؛ ويهدف إلى امتصاص مخاوف الأتراك الخاصة بالميليشيات الكردية الانفصالية ويجعل من «الجيش السوري الحر» مشاركاً في عملية تحرير الرقّة. إلا أن دمج الخيارين الأول والثاني، يحتاج لجهود دبلوماسية كبيرة لتحقيق نتائج في غاية الأهمية لا تنحصر في هزيمة «داعش» وخلق نوع من الثقة المتبادلة بين الأتراك و«وحدات حماية الشعب» والولايات المتحدة والجيش الحر. وهو ما سيسهل من الجهود السياسية الأميركية بشأن تصوراتها لمستقبل المنطقة من دون «داعش».
- الخيار الرابع: الدعم الروسي - الإيراني - النظامي، إلا أنه يشكل مشكلة في حد ذاته؛ فلا القوات الروسية الجوية دقيقة في عملياتها، ولا الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد يمكنها إحراز تقدم من دون مخاطر ناجمة عن رفض السكان السنة لمثل هذا التوغل في مناطقهم. ومن هنا يلزم تجنب اللجوء لمثل هذا الخيار، والاكتفاء بالتعاون الاستخباراتي؛ بالتنسيق في العمليات الجوية مع موسكو، ما يحقق مزيدا من التضييق على إيران.
- الخيار الخامس: استخدام قوات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، ومعلوم أن الولايات المتحدة تمارس تساهلاً مهماً فيما يخص حركة السلاح والعتاد والخبراء في المنطقة. ويبدو أن وزارة الدفاع (البنتاغون) تسير في منحى يقوي هذه الاستراتيجية. «أما الخطوة الأكثر حسماً»، التي يطرحها جيفري فهي إشراك قوات من النخبة الأميركية تضمّ عدة آلاف من العناصر، أو من «ناتو»، في القتال المباشر ضد «داعش».
* ما بعد «داعش»
بعد استعادة الموصل والرقّة؛ ستجد المنطقة نفسها أمام تغيير مهم، ويجب على الولايات المتحدة ضمان مصالحها الطويلة الأمد في كل من سوريا والعراق؛ إذ إن تدمير دولة «الخلافة» المزعومة الذي أسسها «داعش» يتطلب العمل على تحقيق مصالح السكان، وترتيب الوضع بشكل يمنع أي عودة للمجموعات الإرهابية. هذا الهدف يتطلب تدخلاً أميركياً لضبط الوضع، وتجاوز التحديات التي تشكلها المجموعات المسلحة، والحفاظ على وحدة العراق، والحد من نفوذ إيران في كل من العراق وسوريا، ومواجهة التوسع الروسي وفصل روسيا عن إيران وسوريا.
كذلك يجب العمل على عقد مصالحة تاريخية بين ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية مع تركيا بقيادة رجب طيب إردوغان، والإبقاء على إمكانية «تسليح الجيش السوري الحر». وبالتالي، يلزم أن يكون للولايات المتحدة وجود عسكري على الأرض داخل سوريا والعراق لتدريب ميليشيا «البيشمركة» الكردية وجنود الجيش العراقي؛ ودعم إقامة «منطقة حرة» حول الرقّة، وكذلك دعم «المنطقة التركية» في شمال سوريا.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية في جامعة محمد الخامس - الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».