بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات على تعذيب محققي الاستخبارات الأميركية لمواطن سعودي مشتبه في تورطه في حادثة نسف المدمرة الأميركية كول بواسطة تنظيم القاعدة في عام 2000، لا يزال السجين يعاني من الآثار النفسية المستمرة للاستجواب، بما في ذلك الكوابيس التي تذكره بتقييده بالسلاسل الحديدية، وتركه بلا ملابس لفترات طويلة، والإيهام بالغرق، على نحو ما كشفت الوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخراً.
ويواجه المعتقل، الذي يدعى عبد الرحيم النشيري، عقوبة الإعدام بشأن الاتهامات المنسوبة إليه أمام اللجنة العسكرية في سجن خليج غوانتانامو، ولأنه ساعد في التآمر لشن الهجوم على المدمرة الأميركية «كول» - الحادثة التي أسفرت عن مصرع 17 من البحارة الأميركيين - إلى جانب الهجوم على ناقلة النفط التي ترفع العلم الفرنسي في عام 2002 وأسفرت عن مصرع مواطن بلجيكي وقتها. وتأتي الوثائق المفرج عنها مؤخراً كجزء من الالتماس المرفوع في قضية ذات صلة رفعها محامو المعتقل إلى المحكمة العليا الأميركية.
وتضيف التفاصيل الجديدة المزيد من الزخم لفهم الرأي العام لما فعله المسؤولون الأميركيون، الذين كانوا يحاولون بكل جهد وجدية لانتزاع المعلومات من عبد الرحيم النشيري التي كانوا يأملون في أن تساعد في منع وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية في المستقبل. كما أظهرت تلك التفاصيل كيف أن تلك المعاملة خلفت عواقب على المدى الطويل. وعندما فوض المحامون التابعون لإدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش ما يعرف باسم أساليب الاستجواب المعززة في عام 2002، كان أحد مجالات العمل لديهم هو أن ذلك البرنامج سوف يؤدي لإلحاق الأضرار بالمعتقلين.
وكان من المعروف منذ فترة طويلة أن الاستخبارات الأميركية عرّضت عبد الرحيم النشيري لبعض من أكثر أساليب التعذيب قسوة من أي معتقل آخر محتجز لدى الوكالة بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001. واشتمل ذلك على الحرمان من النوم لفترات طويلة، وأسلوب الاختناق المعروفة باسم الإيهام بالغرق، وكلا الأسلوبين اعتبرته وزارة العدل الأميركية من أساليب الاستجواب غير المشروعة. كما اشتملت أيضاً على عملية الإعدام الوهمية من جانب المستجوب الذي يشد أجزاء المسدس كما لو كان سيطلق النار ثم يشغل المثقاب الكهربائي بالقرب من رأس المشتبه به، وهو الأمر الذي يتجاوز حدود البرنامج المعتمد من جانب إدارة بوش في ذلك الوقت.
ولكن على الرغم من أن بعضاً مما قامت به الحكومة حيال عبد الرحيم النشيري قد أصبح معروفاً في المجال العام، من خلال الرفع الجزئي للسرية عن تقرير المفتش العام لوكالة الاستخبارات الأميركية في عام 2004، والذي تم الإفراج عنه في عام 2014 عبر الموجز التنفيذي لتقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن برنامج الاستجواب، إلا أن الكثير من التفاصيل لا تزال قيد السرية.
ومن بين التفاصيل التي تم الإفراج عنها مؤخراً، أظهرت الدعوى المرفوعة أمام المحكمة أن «النشيري» كان محتجزاً داخل صندوق يشبه التابوت لعدة أيام. وفي حين أنه من المعروف أن الحبس في أماكن ضيقة هو من أساليب التعذيب التي حصلت الاستخبارات الأميركية على الموافقة لاستخدامها في الاستجواب في السجون السرية التابعة لها، فإن أنه لم يكن من المعروف فيما سبق أن عبد الرحيم النشيري كان من بين أولئك الذين تعرضوا لهذا النوع من أساليب التعذيب.
وكشفت الدعوى القضائية الأخيرة أيضاً عن وجود صور لعمليات الإيهام بالغرق التي استخدمتها الاستخبارات الأميركية مع النشيري ومع اثنين آخرين من المعتقلين على الأقل، على الرغم من أن تلك الصور لم يتم الإفراج عنها.
وتركت الرقابة الحكومية بعض التفاصيل غير المنقحة للفحص النفسي السري للنشيري والذي أجري في عام 2012 كجزء من قضية اللجنة العسكرية ضده. وأظهر الفحص أن الانهيار العقلي الذي يعاني منه يرجع إلى آثار التعذيب لفترات طويلة الذي تعرض له، بما في ذلك استمرار الكوابيس المفزعة، وغير ذلك من آثار إجهاد ما بعد الصدمات.
وذكرت الدعوى، نقلاً عن الفحص النفسي: «إنه يعاني من رهاب الماء، وعند الاستحمام يحافظ على أقل تدفق ممكن للمياه، وذلك لمدة عام كامل تقريبا بعد نقله العلني من أحد المواقع السرية التابعة للاستخبارات الأميركية إلى سجن خليج غوانتانامو في عام 2006، حيث تجنب مغادرة زنزانته تماماً».
ورفع محامو النشيري دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية يطالبون القضاة من خلالها بمنع الحكومة من مقاضاته أمام اللجنة العسكرية، بدلاً من المحاكم المدنية. وتتمحور حجتهم حول فكرة أن نسف المدمرة كول وناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ لم يحدث في سياق زمن الحرب، وأنه من الملائم استخدام محكمة جرائم الحرب للتعامل مع هذه الاتهامات.
وفي أغسطس (آب) الماضي، رفضت لجنة من ثلاثة قضاة من محكمة الاستئناف الأميركية في دائرة مقاطعة كولومبيا الدعوى القضائية المرفوعة من عبد الرحيم النشيري بمعدل صوتين مقابل صوت واحد، مع حكم الأغلبية الذي يقضي بأن تستمر الإجراءات المعلقة للجنة العسكرية في مسارها أولاً، ثم يمكن لعبد الرحيم النشيري رفع المسألة إلى الاستئناف، على افتراض أنه مدان في القضية. ويستأنف محاموه القضية أمام المحكمة العليا الأميركية، مطالبين أيضاً بإصدار الأمر بمنع محاكمته أمام اللجنة العسكرية.
ويشتمل الالتماس والملحق المرفق به كمية معتبرة من المعلومات حول ما حدث إلى عبد الرحيم النشيري، وهي معلومات مستمدة من الملخصات السرية التي وصلت إلى فريقه الدفاعي في قضية اللجنة العسكرية. وهناك قدر كبير من هذه المعلومات لا يزال غير منقح حتى الآن.
وأظهرت الأجزاء التي تم الكشف عنها أن الفريق الدفاعي لعبد الرحيم النشيري استمد الكثير من المعلومات من كتاب بعنوان «الاستجواب المعزز: داخل عقول ودوافع الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون تدمير الولايات المتحدة»، من تأليف جيمس ميتشل، وهو أحد علماء النفس الذين عينتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتصميم برنامج الاستجواب.
ويدافع كتاب السيد ميتشل عن برنامج الاستجواب؛ حيث أشرف هو وعالم النفس بروس جيسون على تصميمه، ويصور الاستخبارات الأميركية بممارسة قدر طفيف من الانحراف في بعض الأحيان عن البرنامج المثير للجدل - وعن الحدود التي وضعتها وزارة العدل الأميركية - لإلحاق الإيذاء الجسدي الأكثر قسوة وعنفاً على المعتقلين، الأمر الذي لم يؤيده علماء النفس في البرنامج.
* خدمة «نيويورك تايمز»
تعذيب «سي آي إيه» يترك آثاراً نفسية على معتقلي غوانتانامو تمتد لسنوات
النشيري مفجر «كول» يعاني من آثار وكوابيس تذكره بتقييده بالسلاسل الحديدية
تعذيب «سي آي إيه» يترك آثاراً نفسية على معتقلي غوانتانامو تمتد لسنوات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة