تغييرات {حماس}... تكتيكية أم استراتيجية؟

الحركة نحو عهد سياسي مختلف في محاولة للخروج من عنق الزجاجة

تغييرات {حماس}... تكتيكية أم استراتيجية؟
TT

تغييرات {حماس}... تكتيكية أم استراتيجية؟

تغييرات {حماس}... تكتيكية أم استراتيجية؟

تقترب حركة حماس الإسلامية الفلسطينية من إنهاء انتخابات طويلة نسبية يفترض أن تأتي في بداية أبريل (نيسان) المقبل بقيادة جديدة للحركة، إيذاناً ببداية مرحلة جديدة. والمرتقب أن تضع الحركة خلال هذه المرحلة أيضاً وثيقة سياسية جديدة وتحاول فتح آفاق جديدة مع الداخل الفلسطيني والمحيط العربي والإقليمي والعالم كذلك. وبعد 29 سنة على انطلاق الحركة التي بدأت صغيرة للغاية وباتت الآن تحكم قطاع غزة، تجد حماس نفسها أمام سلسلة أزمات فرضت عليها تغييرا شاملا، يبدأ في مواقع القيادة ولا ينتهي بوضع وثيقة جديدة قد تعد بديلا لميثاق الحركة القديم.
تريد حركة حماس الفلسطينية أن تبدأ عهدا سياسيا جديدا لتجاوز التحديات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، التي بدأت تمس بالحركة منذ خروج قيادتها من العاصمة السورية دمشق عام 2011، وما تلاه من وقف إيران دعمها المادي للحركة، ثم الضربة القوية التي تلقتها بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، وما تلاه من ثمن كان على الحركة أن تدفعه.
ليس سراً أن حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو (حزيران) 2007، دخلت خلال السنوات القليلة الماضية في متاهات سياسية واقتصادية وميدانية حتى باتت في عنق زجاجة، فهي محاصرة دولياً وعربياً، ومفتقدة حلفاءها السابقين من دون مصالحة داخلية، ومتحملة عبء القطاع المحاصر المدمر المليء بالكوارث والأزمات والاحتياجات. كل هذه الحقائق دفعتها لإطلاق مراجعات عميقة على أعتاب تحولات سياسية مهمة.

وثيقة جديدة
لعل أحد أهم التغيرات المقبلة عليها حماس، إلى جانب تغيير رئيس مكتبها السياسي، إصدار وثيقة سياسية ستحمل أفكارا جديدة للحركة وستكون تعديلاً لميثاق الحركة الأساسي الذي كانت قد أصدرته إبان انطلاقتها عام 1987. ولقد انتهت حماس مؤخراً من مشاورات داخلية مكثفة أجرتها لعدة أشهر بحضور أبرز قياداتها في العاصمة القطرية الدوحة وكتبت الوثيقة بنسخة شبه نهائية.
وتقول مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة «مقبلة على تغيير كبير في سياساتها العامة، وخاصة علاقاتها مع بعض الأطراف في المنطقة والإقليم، وعلى الانفتاح أكثر في العلاقة مع دول أوروبية بعد إعلان وثيقتها السياسية الجديدة التي سترسل منها نسخاً لجهات عربية ودولية؛ وذلك في محاولة منها لتوضيح مواقفها من القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الحاصلة خلال السنوات الأخيرة، والكلام عن وجود مبادرات لاستئناف عملية المفاوضات والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكيفية تعاملها مع كل ذلك».
وبحسب المصادر، فإن حماس ستبدي موافقة على إنشاء دولة فلسطينية بحدود 1967 من دون الاعتراف بإسرائيل ولكن مع تأكيد حق عودة اللاجئين. وهذا تغيّر وتحوّل جذري في موقف الحركة التي كانت ترفض مثل هذا الاقتراح وتؤكد تمسكها بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على كل الأراضي المحتلة من الناقورة (بجنوب لبنان) وحتى رفح (على حدود مصر)، كما ينص على ذلك ميثاقها السياسي.
أيضاً، تقول المصادر إن الوثيقة ستشمل عدة قضايا مرتبطة بعلاقات حماس مع دول المنطقة والإقليم، و«موقفها الثابت في رفض الزجّ بها في المتغيرات بالمنطقة، والتأكيد أنها ليست جزءًا من معركة أي تحالفات». وكان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، قد أعلن في منتصف فبراير (شباط) من الشهر الماضي، أن حركته تعكف على إعلان وثيقة تحمل فكر حماس وموروثها السياسي، وفق وصفه.
القيادي في الحركة إسماعيل رضوان كان قد نفى خلال تصريحات سابقة أن تكون هذه «الوثيقة» بديلاً عن ميثاق الحركة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنها «ستحمل الفكر السياسي للحركة بما يتماشي مع متطلبات الوضع الجديد في المنطقة». وأكد رضوان أن حماس «لن تتخلى في أي وثيقة عن ثوابتها الوطنية المتمثلة في أن فلسطين كل فلسطين هي للشعب الفلسطيني، إضافة إلى رفض اعترافها بإسرائيل، وبقاء القدس عاصمة للشعب الفلسطيني».
في هذه الأثناء، يرى المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل «أن ما ستعلن حماس عنه في وثيقتها المنتظرة مهم جداً، خاصة، في ظل تحول نظرتها السياسية بالقبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 من دون الاعتراف بإسرائيل. وهذا نهج يناقض نهج منظمة التحرير التي اعترفت بإسرائيل كيانا موجودا، ورغم ذلك لم تصل إلى نتائج واضحة بعد عشرات السنوات من المفاوضات». ويلفت عوكل إلى أن موقف حماس من الدولة الفلسطينية «لم يكن جديداً ولكنه سيصبح رسمياً، كموقف بعض الفصائل، من خلال وثيقة رسمية على عكس ما كان يدلي به بعض قيادات الحركة ومنهم الشيخ أحمد ياسين قبيل اغتياله بقبول حماس في إقامة دولة على حدود 67 دون الاعتراف بإسرائيل؛ وهو ما يزيل أي شك أو ضبابية حول موقف الحركة إزاء هذه القضية في ظل محاولات بعض الأطراف الدولية التشكيك في هذا الموقف الذي ينتظر أن يصبح ضمن موقف ووثيقة واضحة لحماس، التي ستتقرب بذا أكثر من البرنامج الوطني العام الذي تجمع عليه الأغلبية».
ويوضح عوكل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس ستخرج بهذه الوثيقة على المجتمع الإقليمي والدولي ببرنامج جديد جوهره القوة والسياسة بعد فشل المفاوضات في تحقيق شيء. وسيكون ذلك مقبولاً من قبل مصر والمجموعة العربية. وعلى الرغم من تخوف بعض تلك الدول من أن حماس ما زالت تعتبر جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين، فإن مثل هذا البرنامج سيقربها أكثر من الدول العربية».

مصر أحد الأهداف المهمة
ولقد اجتهدت حماس في الآونة الأخيرة لتحسين علاقاتها مع النظام المصري، الذي طالما اتهمته الحركة بتشديد الخناق على قطاع غزة بوصفه جزءا من الحصار الذي تفرضه إسرائيل؛ إذ إن حراكاً سياسياً شهدته القاهرة مؤخراً كشف عن تطور في العلاقات بين الجانبين، وإن كان بشكل محدود، وفي مقام أمني أكثر منه سياسي. وراهناً، تسعى حماس بكل قوة لعلاقات كاملة مع مصر، التي كانت الحركة قد عادت نظامها الجديد كرما لعيون النظام السابق الإخواني، وبات عليها الآن التنصل من الإخوان إرضاء للحكم المصري الجديد، إضافة إلى «دفع الثمن».
وحسب المعلومات، توصل وفد أمني من حماس، ترأسه نائب قائد كتائب القسام في قطاع غزة مروان عيسى - الذي تمكن من الظفر مجددا بعضوية المكتب السياسي ممثلا عن الجناح العسكري للحركة - إلى تفاهمات أمنية طويلة مع الجانب المصري. وتشكل هذه التفاهمات محاربة الراديكاليين الذين يناصرون «داعش»، وضبط الحدود لمنع تسلل أي مسلحين، وغيرها من التفاهمات الآتية في إطار تطلع مصر للانفتاح مجددا على حماس والفصائل في قطاع غزة، وخاصة بعد تدهور العلاقات مع السلطة الفلسطينية. وكان موسى أبو مرزوق، القيادي البارز في حماس، قد ذكر في تصريحات متلفزة من القاهرة في أعقاب زيارته الأخيرة لمصر منذ نحو شهرين أن العلاقات الثنائية «باتت على ما يرام وأفضل من السابق». معتبرا أن هذه العلاقة «ضرورة وطنية» وأن حركته حريصة على أمن مصر.
وعلى هذا يعلق عوكل قائلا إن «حماس بكل مؤسساتها وتوجهاتها - بما فيها المستوى العسكري - معنية بتطوير العلاقة مع مصر». ويشير إلى أن وجود إسماعيل هنية في قيادة حماس - كما هو مرجح بشكل كبير - سيكون له نتائج واضحة في حدوث تغيرات بطيئة في العلاقات مع الدول العربية، وبخاصة، أنه من الشخصيات المعروف عنها بأنها «معتدلة» وحريصة على مثل هذه العلاقات.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطاالله مع زميله عوكل، فيقول: إن هنية سيساهم بشكل أكبر في إحداث تقارب جديد مع مصر «باعتبار أن الرجل أكثر مرونة من غيره في التعاطي مع ملف العلاقات مع الأطراف المختلفة». ويشير عطاالله في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أن مصر «تفضل أن يكون رئيس المكتب السياسي لحماس من غزة»، مبينا أن وجود مثل هذه الشخصية «سيساهم في فتح آفاق جديدة للحركة بعلاقاتها مع أطراف المنطقة، لا سيما، وأن كثيرين يفضلون الشخصية المعتدلة القادرة على فهم متطلبات المرحلة الجديدة على مستوى الإقليم». هذا، وترجح مصادر من حركة حماس أن يتوّج إسماعيل هنية بزعامة المكتب السياسي للحركة قريباً، بدعم من قيادات في الداخل والخارج، حتى من المستوى العسكري الذي سيطر على الانتخابات في قطاع غزة وحقق ممثلوه وجودا كبيرا في مقدمتهم الأسير المحرر يحيى السنوار المثير للجدل في شخصيته العميقة. وكان السنوار قد أمضى عشرات السنوات في السجون الإسرائيلية قبل أن يحرّر في «صفقة شاليط» عام 2011، ويغدو من ثم أحد رموز حماس المشاركين بقوة في القرارات الحاسمة داخل الحركة. وترى المصادر أن هنية بات صاحب الحظ الأوفر لخلافة مشعل في قيادة الحركة. وتعتبر أن الرجل يعد لمغادرة قطاع غزة مجدداً باتجاه العاصمة القطرية الدوحة، التي قد يستقر فيها في حال تم انتخابه رئيساً للمكتب السياسي لحماس.

العلاقة مع إيران في ظل العسكر
لكن ليس مصر وحدها على طاولة حماس. إذ يذهب بعض المراقبين إلى الحديث عن أن الحركة ستحاول من خلال مكتبها السياسي الجديد تجديد علاقاتها مع إيران، وبخاصة، بعد مشاركة وفد قيادي منها برئاسة محمد نصر، عضو المكتب السياسي الحالي لحماس، في مؤتمر استضافته العاصمة الإيرانية طهران منذ أسابيع لدعم «انتفاضة القدس». ويرى مراقبون أن وجود يحيى السنوار في قيادة المكتب السياسي على مستوى قطاع غزة سيكون له تأثير في تحسين العلاقات مع طهران. وحسب هؤلاء فإن «الحضور الكبير للجناح العسكري قد يدفع تجاه مثل هذه العلاقة بعد قطيعة طويلة لسنوات، وفي ظل حاجة كتائب القسام للدعم المادي الذي كانت إيران تشكل الجهة الأكثر قدرة على توفيره بكثرة للجناح العسكري».
ولكن هنا يتحفظ قادة حماس عند الحديث عن أي تطورات في هذه القضية، باستثناء القيادي محمود الزهار، الذي قال منذ أسابيع عبر فضائية الأقصى إن إيران تعتبر «داعماً مهماً» للمقاومة الفلسطينية، وقدمت لها كثيرا خلال سنوات طويلة. وتابع الزهار أن «لا خلاف بين حماس وطهران بل إن العلاقة بينهما جيدة». ومعلومٌ أن الزهار يمثل تيارا متشددا في حماس ويعد مقرّباً من «كتائب القسام» التي باتت تسيطر على حماس في القطاع.
وهنا يقول عطاالله، إن مثل هذا التغيير في قيادة حماس «سيدفع باتجاه تحسين العلاقة بين الحركة وطهران». ويلفت إلى أن «إيران غاضبة جداً من خالد مشعل، وكانت تضع تغييبه عن قيادة الحركة شرطاً لتحسين العلاقات» مع الحركة، وفق قوله. ويوضح عطاالله أن «الجناح العسكري لحماس كان دائما له حضوره وتمثيله في المكتب السياسي، وخصوصاً، لامتلاكه كثير من المقومات لذلك، من حصد للإنجازات والقوة والرجال والسلاح والمال».
أما طلال عوكل فيرى أن تأثير يحيى السنوار «باقٍ سواءً كان على رأس المكتب السياسي في غزة أو لم يكن»، مذكّراً بحضور شخصية الرجل سابقا حتى قبيل تحريره من الأسر. ويضيف: «إنه يعكس وزن القسام وبرنامج المقاومة في حركة حماس وفي سياسات الحركة». ويضيف أن «حماس بقيادتها الجديدة وقراءتها للمتغيرات في المنطقة ستعمل على تطوير علاقاتها مع إيران و(حزب الله)، وستكون هذه القضية أولوية بالنسبة لها حتى قبل أن توجد صياغة لترتيب علاقاتها مع مصر».

مع السلطة ومع إسرائيل
في المقابل، منذ سيطرت حماس على غزة عام 2007 فشلت كل محاولات المصالحة مع السلطة، واصطدمت مع إسرائيل في 4 حروب. فماذا يمكن أن يتغير مع صعود العسكر إلى سدة الحكم؟
عوكل لا يرى أن سيطرة الجناح العسكري على الانتخابات ستزيد من تعقيدات المشهد بشأن التقدم في المصالحة الفلسطينية. ويتابع عوكل شارحاً: «السلطة ملتزمة باتفاقات أوسلو، والمقاومة متمسكة ببرنامجها وبسلاحها وبأنفاقها وإمكاناتها. وهو ما يتعارض مع التزامات السلطة. هذه هي العقبة الأساسية باتجاه تحقيق المصالحة رغم أن العملية السلمية مع إسرائيل متجهة بالفلسطينيين إلى أبواب مغلقة، والسلطة لن تكون مستقبلا قادرة على الاستمرار في حمل التزامات أوسلو كما تحملها اليوم». ومن ثم، يعرب عن اعتقاده أن حالة الصراع مع إسرائيل «ستبقى كما هي، مع الحفاظ على الهدوء قدر المستطاع لتثبيت أركان المقاومة وقوتها في مواجهة أي معركة جديدة قد تفرضها إسرائيل على قطاع غزة كما فعلت في السنوات الماضية».
وفي هذا السياق، يقول القيادي في حماس، صلاح البردويل، إن «الحركة تبحث إيجاد صيغة إدارية تتلاءم مع الواقع في قطاع غزة لتكون المرجعية القانونية لعمل وكلاء الوزراء في القطاع، بغرض تحسين وضبط إدارة الواقع الحكومي في غزة». ويضيف: «إن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار تنكر حكومة الوفاق الفلسطينية لمسؤولياتها في قطاع غزة وتهميش وزاراته». ويردف أن القضية ما زالت قيد البحث والدراسة.
من جهتها، تتهم فتح البردويل بالترويج للانقسام والمساعدة عليه. وهنا يقول عطاالله إن «ما تبحثه حماس ليس بجديد ولم يتعلق بأي تغيير داخل مؤسسات الحركة». ويضيف: «إن المصالحة مجمدة منذ فترة طويلة وقبل حدوث الانتخابات الداخلية الأخيرة وبروز الجناح العسكري فيها»، مشيرا إلى أن للحركة «مفاهيمها وثوابتها التي لن تتغير بانتخاب أي قيادة جديدة في علاقاتها مع السلطة أو حتى مع الفصائل المختلفة والعلاقات الوطنية معها».
وبشأن الصراع مع إسرائيل، الذي يرجح بعض المراقبين أن يغدو أكثر عنفاً، يميل عطاالله للاعتقاد أنه «لن يحدث أي تغيير، وستعمل حماس على مواصلة المسير في هذه المعادلة التي تتحكم بها ظروف الميدان من فترة إلى أخرى». ويستطرد: «الحركة تحاول باستمرار ضبط هذه المعادلة وفق استراتيجيات تتعلق بترتيبها العسكرية وتجهيزاتها لصد أي عدوان إسرائيلي جديد، في ظل التلميحات الصادرة باستمرار عن القيادات الإسرائيلية بإمكانية شن حرب جديدة على غزة منعا لإطلاق الصواريخ التي تجدد إطلاقها مؤخراً». وللعلم، تخوفت إسرائيل علناً من أن يكون لبروز التيار العسكري في حماس على قائمة الانتخابات في غزة تبعات كبيرة، ويحفز الجناح العسكري للحركة بالدخول في مواجهة عسكرية قريبة. إلا أن قيادات من الحركة - من بينهم إسماعيل هنية - أكدوا في عدة تصريحات أن يحيى السنوار «جزء من مؤسسة شورية»، في إشارة إلى أنه لا يتفرد بقراري الحرب والسلم.

قرار مؤسسة لا فرد
ولكن مع ارتفاع منسوب القلق من فوز السنوار بقيادة الحركة، اضطرت حماس لخفض مستوى التوقعات بتغييرات كبيرة يمكن أن يفعلها القيادي الجديد. ولأول مرة في مؤشر على مأزق ما تخشاه الحركة بعد فوز السنوار، خرج البردويل إلى الإعلام قائلا إن «السنوار رجل مصالحات، وعربي ويحب مصر، وإنه أيضا صاحب فكاهة»، قبل أن يضيف أن قرار الحركة «شوري ولا يأخذه شخص واحد فقط». وهنا يجمع المحللان السياسيان على أن حماس تتخذ بالفعل قراراتها في نطاق المؤسسة الواحدة ولا تعتمد على صعود أي قيادات لتغيير سياساتها الاستراتيجية. ويؤكد عوكل أن «المكتب السياسي هو الذي سيقرر السياسة العامة للحركة»، مشيراً إلى أن هذا المكتب يضم قيادات من غزة والضفة والسجون والخارج. ويضيف: «رغم ذلك، فإن الحركات السياسية ليست حرة دائما في اختيار ما يمكن أن تمارسه من سياسات، خاصة، في ظل المتغيرات والضغوط التي قد تتعرض لها».
ويوافق عطاالله قائلا إن «تغيير القيادات والأفراد لا يحدث تغييرا في نهج حركة حماس، وهي تتحرك وفق قرار مؤسساتي من مجلس شورى ومكتب سياسي وليس وفقا لتغيير القيادة». لافتا إلى أن الحركة قد تلجأ إلى تغيير يتعلق بالوضع الجديد في المنطقة، لكن من الصعب أن تغير في استراتيجياتها الكبرى.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.