إبراهيم رئيسي... المرشح الأول لخلافة خامنئي

«راعي الإعدامات» الأبرز في النظام الإيراني

إبراهيم رئيسي... المرشح الأول لخلافة خامنئي
TT

إبراهيم رئيسي... المرشح الأول لخلافة خامنئي

إبراهيم رئيسي... المرشح الأول لخلافة خامنئي

سؤالان أساسيان يشغلان الرأي العام الإيراني هذه الأيام؛ أولهما: مَن سيكون المنافس المحتمل الذي يعادل الثقل السياسي للرئيس الحالي حسن روحاني في الانتخابات بعد شهرين من الآن؟ والثاني والأهم: من هو الرجل الذي يملك الصفات المطلوبة لخلافة المرشد الثاني علي خامنئي في نظام ولاية الفقيه، وسط تكهنات ونقاشات تطغى على صراع خفي بين الطامعين في المنصب؟ ولكن لا يخفى على الملم بالمشهد السياسي الإيراني أن «الحرب الباردة» لخلافة خامنئي باتت الآن محتدمة فعلا بين أصحاب النفوذ والمصالح في السلطة. ومع الكلام الغامض الصادر منذ فترة عن مسؤولين في «مجلس خبراء القيادة» عن عملية بحث وتقييم لمرشحين مجهولين، تبدو إيران مفتوحة على كل الاحتمالات في المرحلة المقبلة بما فيها سقوط النظام في هاوية الفراغ وربما الفوضى الأمنية بوجود جهات مفتوحة الشهية لكسب مزيد من السلطة... على رأسها الحرس الثوري. وعلى وقع تلك المعطيات تحول النقاش منذ أكثر من سنة حول المرشد المحتمل إلى قضية ساخنة في المشهد السياسي وهو ما وضع الأسماء المتداولة للمنصب تحت مجهر المراقبين والناشطين السياسيين، وبين أبرز تلك الأسماء التي ترتفع أسهمها يوما إثر يوم المدعي العام الإيراني ونائب رئيس القضاء إبراهيم رئيسي.

ارتبط اسم إبراهيم رئيسي خلال العامين الأخيرين بأكثر من حدث لافت وهو جعل الأضواء تسلط عليه. ربما الأكثر إثارة للجدل التسجيل الصوتي لنائب الخميني حسين علي منتظري حول إعدامات 1988 وكان رئيسي أحد «الفرسان الأربعة» في «فرقة الموت» الذين نفذوا أوامر الخميني في أكبر موجة إعدامات استهدفت نحو 3800 سجين سياسي أكثرهم دون سن 25 سنة.
لكن الحدث الذي فتح الباب على مصراعيه أمام تداول اسم رئيسي كمرشح قوي ليكون المرشد الإيراني الثالث وقع منذ أكثر من سنتين، وتحديدا عقب وفاة أحد أبرز رجال الدين المتنفذين في إقليم خراسان - مسقط رأس خامنئي - المعروف بلقب «إمبراطور خراسان» واعظ طبسي.
لقد تكفل المرشد الإيراني بتقسيم إرثه إلى ثلاثة أقسام، فاختار المتشدد أحمد علم الهدى ليكون إمام الجمعة في مدينة مشهد (ثاني كبرى مدن إيران بعد طهران، وأهم المراكز الدينية فيها)، واختار صهره المدّعي العام الإيراني إبراهيم رئيسي لرئاسة ما يعرف بـ«العتبة الرضوية» (نسبة للإمام علي الرضا)، وكلف هيئة لإدارة المؤسسات التعليمية الدينية (الحوزات العلمية) ويرجح مراقبون أن يتبع هذا النموذج في التعامل مع إرث الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
وتعد «الهيئة الرضوية» أكبر مؤسسة دينية والأثرى بين المجموعات الاقتصادية الإيرانية. ففي آخر إحصائية منشورة عام 2014 تجاوزت إيراداتها السنوية 210 مليارات دولار أميركي وبلغت أرباحها الخالصة 160 مليار دولار ويملك النظام نحو 51 في المائة من أسهم المجموعة. وتعد صناعة الأدوية والزراعة والعقارات وصناعة السيارات والطاقة والمعادن والصناعات الغذائية أهم مجالات استثمارات المجموعة التي تستحوذ على نحو 43 في المائة من مدينة مشهد، كما أن المجموعة من أكبر المستفيدين من السياحة الدينية في إيران التي تتجاوز 30 مليون سائح سنويا وفق بعض التقديرات، وهي مؤسسة لا تدفع الضرائب.
لكن من هو الرجل الذي جلس فوق عرش الإمبراطورية بختم من خامنئي؟
بطاقة هوية
ولد إبراهيم رئيسي عام 1961 لأسرة دينية بمدينة مشهد (شمال شرقي إيران)، وفقد والده في الخامسة من العمر. وبعد انتهاء المرحلة الابتدائية التحق بالحوزة العلمية في مشهد قبل أن ينتقل في سن الـ15 إلى مدينة قُم معقل الحوزات العلمية حيث تلقى دروسه في مدرسة «حقاني» التي تخرج فيها أهم رجال الدين المتنفذين والمتشددين في النظام الحالي، على رأسهم خامنئي. وخلال تلك السنوات درس رئيسي على مرتضى مطهري ونوري همداني ومحمود هاشمي شاهرودي ومجتبى طهراني ومحمد فاضل لنكراني، والمعروف أنه تلقى دروس فقه الخارج على يد خامنئي منذ 1990.
كان رئيسي في الثامنة عشر عندما سقط نظام الشاه وأعلن نظام ولاية الفقيه. ويقال إنه تلقى دروسا مكثفة على يد محمد بهشتي (نائب الخميني) وعلي خامنئي للدخول في القضاء الجديد. وكانت انطلاقته مع تأسيس محكمة الثورة في مدينة مسجد سليمان في شمال الأحواز قبل أن يصبح مدعيا عاما بـ«محكمة الثورة» في مدينتي كرج وهمدان (بالتزامن لفترة عامين) قبل أن يبلغ العشرين من العمر. وحينذاك تزوج من بنت أحمد علم الهدى، رئيس اللجان الثورية، التي لعبت دورا كبيرا في تصفية المعارضين والنشطاء السياسيين قبل أن تندمج بالقوات الأمنية والحرس الثوري. ويعد علم الهدى أبرز من أصدروا أوامر الاغتيالات والقمع بين 1980 و1982.
منذ عام 1984 تولى رئيسي منصب مساعد المدعي العام في طهران لشؤون الجماعات المعارضة، وكان رئيسي يشغل المنصب عندما مثل القضاء في «لجنة الموت» التي تسببت في إعدامات 1988. وتشير المصادر الإيرانية إلى أن الخميني قبل وفاته بأشهر أصدر أوامر بعد صيف الإعدامات لبحث ملفات السجناء غير السياسيين في محافظات لرستان وسمنان وكرمانشاه وهو ما تسبب في تفاقم حالات الإعدام في العام نفسه..
وبعدها شغل رئيسي منصب مدعي عام طهران بين عامي 1990 و1995، قبل أن يصبح رئيس منظمة التفتيش في إيران بين عامي 1995 و2005. وبعد ذلك عينه رئيس القضاء الإيراني محمود هاشمي شاهرودي نائبا أول له، وبقي في المنصب بين عامي 2005 و2015. ثم شغل منصب المدعي العام الإيراني بين عامي 2015 و2016. وتجدر الإشارة إلى أنه المدعي العام في المحكمة الخاصة برجال الدين منذ عام 2013.
عام 2009 كان رئيسي أحد أعضاء اللجنة الثلاثية في القضاء الإيراني للتحقيق في قتل سجناء وتعرضهم لانتهاكات في سجن كهريزك عقب احتجاجات «الحركة الخضراء»، ورفض نتائج الانتخابات من قبل المرشحين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي. ورفضت الهيئة التي ترأسها رئيسي التهم الموجهة من كروبي، وفي المقابل اقترحت «ملاحقة الأشخاص الذين تسببوا في تشويش الرأي العام بنشر التهم والافتراءات والتهم» وكان رئيسي اعتبر فرض الإقامة الجبرية من الحفاظ على حياة كروبي وموسوي.
في الواقع فإن تعيين رئيسي في المنصب الجديد أصبح نقطة تحول في مسيرته، كونه خرج من ظل حلقة رجال القضاء الذين حملوا على عاتقهم تصفية المعارضين السياسيين والمنتقدين للنظام. وهو جعل المراقبين يعربون عن اعتقادهم بأنه نال مكافأة سنوات من توقيع أحكام الإعدام من دون تردد.
خلافة المرشد
لم يعرف عن الأهواء السياسية لرئيسي كثيراً خارج المهام القضائية قبل أن يدخل بورصة المنافسة على منصب المرشد. وعلى خلاف رجال الدين في السلطة الإيرانية، فهو من بين الأقل نشاطا على مستوى الخطابات السياسية والظهور في المناسب العامة، وقبل انتقاله للمنصب الجديد في مشهد. ثم بعد التوجه إلى مدينة مشهد لوحظ تقارب كبير بينه وبين قوات الحرس الثوري.
في الواقع جملة من المؤشرات تؤكد صحة ما يتردد في الفضاء السياسي الإيراني عن ترشيح رئيسي ليكون المرشد الجديد.
المؤشر الأول تحول لقبه الديني المفاجئ من «حجة الله» إلى «آية الله» الذي بدأته وسائل إعلام الحرس الثوري بعد أيام فقط من تعيينه في رئاسة «العتبة الرضوية»، وبموازاة ذلك أعلن عن بدء تدريس مادة «فقه الخارج» في الحوزة العلمية على يد رئيسي، وهي من أعلى الدروس الحوزية وهو ما يعني حيازته الشروط الدينية لتولى منصب المرشد.
ثم في لقاء رئيسي مع قادة الحرس الثوري في أبريل (نيسان) 2016 أعطى دليلا آخر على توجهه الجديد عندما عبر عن آرائه تجاه الأوضاع في المنطقة ودور إيران فيها، معتبرا دور الحرس الثوري وقادته في تطورات المنطقة «صعبا».
وفي اللقاء ذاته أشاد بمواقف حسن نصر الله في تبعية ولاية الفقيه، بينما انتقد بعض من يخذلون النظام داخل إيران. واللافت أن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري قدم تقريرا عن نشاط قواته، في حين أن قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني قدم تقريرا حول موقع إيران الاستراتيجي في تطورات المنطقة.
مؤشرات لافتة
المراقبون اعتبروا ذلك اللقاء بمثابة بيعة جنرالات الحرس الثوري لمرشح يتدرب هذه الأيام على أدبيات المرشد الأعلى في الخطابات النارية الموجهة لأعداء الثورة الإيرانية.
وفي الأيام الأخيرة دخل رئيسي قائمة المرشحين للرئاسة عن التيار المحافظ، وتعمل الأوساط التي تميل إلى ترشيحه لخلافة خامنئي على رفع رصيده السياسي هذه الأيام. من أجل ذلك أدخل اسمه إلى قائمة المرشحين عن التيار المحافظ للانتخابات الرئاسية لمنافسة حسن روحاني. وفي الواقع يهدف الترشيح أولا إلى إضافة منصب الرئاسة إلى رصيد رئيسي، وهو ما يثبت نوايا خلافة خامنئي. ولكن الترشيح بالوقت نفسه سلاح ذو حدين لأنه ينهي تطلعات رئيسي في منصب المرشد في حال هزيمته مقابل روحاني أو أي مرشح آخر.
وللإشارة فإن شغل أحد المناصب السياسية والتنفيذية الكبيرة يعدّ من شروط منصب المرشد، والدليل على ذلك أن خامنئي كان رئيسا للبلاد قبل أن يصبح المرشد الأعلى. أما أهم منصبين يشغلهما رئيسي حاليا فهما عضو هيئة الرئاسة في «مجلس خبراء القيادة»، ورئيس «العتبة الرضوية». وإذا ما وضعنا سجل رئيسي إلى تحركه خلال العام الأخير ندرك أن وضعه على قائمة مرشحي خامنئي لا يأتي من فراغ.
وقبل نحو شهرين أعلنت شخصيات من التيار المحافظ عن تشكيل «الجبهة الشعبية للقوى الثورية». وغايتها ترشيح شخصيات من أجل عودة المحافظين إلى البيت الرئاسي وإحباط تطلع روحاني في ولاية ثانية. وفي الأسبوع الماضي رشحت الجبهة 14 شخصية لتمثيل المحافظين في الانتخابات الرئاسية ومن أبرزها عمدة طهران محمد باقر قاليباف وممثل خامنئي في مجلس تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي بالإضافة إلى رئيسي.
في المقابل، لم يعلن مكتب رئيسي بعد موقفه من الترشيح، كما أن زياراته الأخيرة إلى قُم والأحواز قُرئت من قبل وسائل إعلام مقربة من روحاني على أنها جولات انتخابية وإن لم يصدر رسميا مضمون تلك الزيارات.
أخيرا، ومن المؤشرات التي ترجح كفة الرجل مؤشرات آيديولوجية بحتة... أولها هو لون عمامته السوداء التي ترمز إلى أنه من المنتسبين لآل البيت فضلا عن أنه يتحدر من مشهد عاصمة إقليم خراسان، من نفس المكان الذي ينحدر منه خامنئي. وما يجعله متناغما مع آيديولوجيا أنصار الفرقتين المهدوية والحجتية (المهدوية المتطرفة) في النظام الإيراني. ونظرا لسجل رئيسي السابق فإنه يتوقع أن يتجه بإيران نحو مزيد من التشدد. وبالتالي، ريثما يتحقق من مصداقية المعطيات فإن الرجل جالس على أهم كنوز علي خامنئي حتى إشعار آخر.



شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا
TT

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي الحر الحاكم. هذه الهزيمة جاءت إثر تبديل «استباقي» في زعامة الحزب المحافظ - المهيمن على السلطة في اليابان معظم الفترة منذ الخمسينات - في أعقاب قرار رئيس الحكومة السابق فوميو كيشيدا الاستقالة (حزبياً ومن ثم حكومياً) في أعقاب التراجع الكبير في شعبية الحزب، وتولّي غريمه الحزبي الأبرز شيغيرو إيشيبا المنصبَين. ومن ثم، دعا إيشيبا بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إجراء انتخابات عامة عاجلة ومبكّرة يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن إجراء انتخابات عاجلة، انتهت بفقدان الائتلاف الحاكم المكوّن من الديمقراطيين الأحرار وحليفه حزب «كوميتو» الغالبية البرلمانية.

ألحق الناخبون اليابانيون الأحد الماضي هزيمة مؤلمة بالحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن مع استثناءات قليلة على حكم البلاد منذ عام 1955، وكانت هزيمته الأخيرة الأولى له التي تفقده الغالبية المطلقة في مجلس النواب منذ 15 سنة. وهنا، يتفق المراقبون على أن الحزب المحافظ والكبير النفوذ إنما حصد نقمة الشارع وغضبه بسبب التضخم المتصاعد والتباطؤ الاقتصادي وضعف قيمة العملة الوطنية «الين»، ناهيك من الفضائح المالية التي تورّطت بها قيادات حزبية، وصلات بعض الأعضاء بـ«كنيسة التوحيد» (الحركة المونية). وهكذا أخفق الحزب مع حليفه الصغير في جمع ما هو أكثر من 215 مقعداً من أصل 465 في حين كانت الغالبية المطلقة تحتاج إلى 233 مقعداً.

نكسة مبكرة للزعيم الجديد

هذه الهزيمة المريرة شكّلت أيضاً نكسة كبرى ومبكرة لزعيم الحزب ورئيس الوزراء الجديد شيغيرو إيشيبا، الذي أخفق رهانه بامتصاص النقمة الشعبية وترسيخ موقعه عبر الانتخابات المبكّرة.

وحقاً، أعلن إيشيبا في أول تعليق له على النتيجة نقلته شبكة «سي إن إن» الأميركية، أن الناخبين «أصدروا حكماً قاسياً» بحق حزبه الذي عليه أن «يأخذه بجدية وامتثال». لكنه أردف أنه لا يعتزم التنحي من رئاسة الحكومة، موضحاً «بالنسبة لي، فإنني سأعود إلى نقطة البداية، وأسعى للدفع قدماً بتغييرات داخل هيكل الحزب، وتغييرات أخرى أعمق لمواجهة الوضع السياسي». وفي حين ذكر إيشيبا أنه ليس لدى الحزب أي فكرة جاهزة لتحالف جديد فإن كل سياسات الحزب ستكون مطروحة على بساط البحث.

بطاقة هوية

وُلد شيغيرو إيشيبا يوم 4 فبراير (شباط) 1957 لعائلة سياسية مرموقة، مثله في ذلك الكثير من ساسة الحزب الديمقراطي الحر. إذ إن والده جيرو إيشيبا كان محافظاً لإقليم توتوري، الريفي القليل السكان بجنوب غرب اليابان، بين عامي 1958 و1974، قبل أن تُسند إليه حقيبة وزارة الداخلية. من الناحية الدينية، رئيس الوزراء الحالي مسيحي بروتستانتي تلقى عمادته في سن الـ18 في توتوري، كما أن جد أمّه قسٌّ من روّاد المسيحية في اليابان.

تلقّى شيغيرو دراسته الجامعية وتخرّج مجازاً بالحقوق في جامعة كييو، إحدى أعرق جامعات اليابان الخاصة، ومقرها العاصمة طوكيو، وفيها التقى زوجته المستقبلية يوشيكو ناكامورا، وهما اليوم والدان لابنتين.

وبعد التخرّج توظّف في مصرف «ميتسوي»، قبل أن يسير على خُطى والده فيدخل ميدان السياسة بتشجيع من صديق والده ورئيس الوزراء الأسبق كاكوي تاناكا (1972 - 1974).

وبالفعل، انتُخب وهو في سن التاسعة والعشرين، عام 1986، نائباً عن الديمقراطيين الأحرار في البرلمان (مجلس النواب) عن دائرة توتوري الموسّعة حتى عام 1996، ثم عن دائرة توتوري الأولى منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وعُرف عنه طوال هذه الفترة اهتمامه ودرايته بملفّي الزراعة والسياسة الدفاعية. وحقاً، خدم لفترة نائباً برلمانياً لوزير الزراعة في حكومة كييتشي ميازاوا.

مسيرة سياسية مثيرة

في واقع الأمر، لم تخلُ مسيرة شيغيرو إيشيبا السياسية من الإثارة؛ إذ تخللها ليس فقط الترّقي في سلّم المناصب باتجاه القمّة، بل شهدت أيضاً مواقف اعتراضية واستقلالية وضعته غير مرة في مسار تصادمي مع حزبه وحزب والده.

في عام 1993، خرج من صفوف حزبه الديمقراطي الحر ليلتحق بحزب «تجديد اليابان» الذي أسسته قيادات منشقة عن الحزب بقيادة تسوتومو هاتا (رئيس الوزراء عام 1994) وإيتشيرو أوزاوا (وزير داخلية سابق) حتى عام 1994. ثم انتقل إلى حزب «الحدود الجديدة» الذي أُسس نتيجة اندماج «تجديد اليابان» مع قوى أخرى، وفيه مكث بين 1994 و1996، وبعدها ظل نائباً مستقلاً إلى أن عاد إلى صفوف الديمقراطيين الأحرار ويستأنف ضمن إطار الحزب الكبير ترقّيه السياسي السريع ضمن قياداته.

في أعقاب العودة عام 1997، تبوّأ إيشيبا عدداً من المسؤوليات، بدأت بمنصب المدير العام لوكالة الدفاع – أي حقيبة وزير الدفاع منذ أواخر 2007 –. ولقد شغل إيشيبا منصب وزير الدفاع بين عامي 2007 و2008 في حكومتي جونيتشيرو كويزومي وياسوو فوكودا، ثم عُيّن وزيراً للزراعة والغابات والثروة السمكية في حكومة تارو آسو بين 2008 و2009. وكذلك، تولّى أيضاً منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر بين 2012 و2014.

مع الأخذ في الاعتبار هذه الخلفية، كان طبيعياً أن يدفع طموح إيشيبا الشخصي هذا السياسي الجريء إلى التوق لخوض التنافس على زعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الحكومة.

بالمناسبة، جرّب شيغيرو إيشيبا حظه في الزعامة مرّات عدة. وكانت المرة الأولى التي يرشح نفسه فيها عام 2008 إلا أنه في تلك المنافسة احتل المرتبة الخامسة بين المتنافسين. بعدها رشح نفسه عامي 2012 و2018، وفي المرتين كان غريمه رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي... «وريث» اثنتين من السلالات السياسية اليابانية البارزة، والزعيم الذي شغل منصب رئاسة الحكومة لأطول فترة في تاريخ المنصب.

ثم في أعقاب استقالة آبي (الذي اغتيل عام 2022) لأسباب صحية عام 2020، رشّح إيشيبا نفسه، إلا أنه خسر هذه المرة وجاء ثالثاً، وذهبت الزعامة ورئاسة الحكومة ليوشيهيدي سوغا. وفي العام التالي، بعدما أحجم إيشيبا عن خوض المنافسة، فاز الزعيم ورئيس الحكومة السابق السابق فوميو كيشيدا. بيد أن الأخير قرّر في أغسطس (آب) أنه لن يسعى إلى التجديد الموعد المقرر في سبتمبر (أيلول). وهكذا، بات لا بد من الدعوة إلى إجراء انتخابات الزعامة الأخيرة التي فاز بها إيشيبا، متغلباً بفارق بسيط وفي الدورة الثانية على منافسته الوزيرة اليمينية المتشدّدة ساني تاكاييشي، التي كانت تصدرت دور التصويت الأولى. وهكذا، صار زعيماً للحزب الديمقراطي الحر ومرشحه لرئاسة الحكومة الرسمي، وعلى الأثر، اختاره مجلس النواب رئيساً للوزراء في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.

أفكاره ومواقفه

على الرغم من طول بقاء إيشيبا في قلب الحلبة السياسية، فإن طبيعته الاستقلالية، عقّدت أمام المحللين وضعه في خانة واضحة. فهو تارة يوصف بأنه وسطي ليبرالي، تارة أخرى يوصف بـ«الإصلاحي»، وفي أحيان كثيرة يُعرّف بأنه يميني محافظ، بل متشدد. ومما لا شك فيه، أن طبيعة تركيبة الحزب الديمقراطي الحرّ، القائمة على أجنحة تسمح بتعدّد الولاءات الشخصية وتوارثها داخل أروقة تلك الأجنحة، وهذا من دون أن ننسى أن بداية الحزب نفسه جاءت من اندماج حزبين محافظين هما الحزب الحر (الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني عام 1955.

على المستوى الاجتماعي، أبدى إيشيبا مواقف متحررة في عدد من القضايا بما في ذلك تأييده شخصياً زواج المثليين، كما أنه من مؤيدي ترك الخيار لكل من الزوجين بالاحتفاظ بالاسم الأصلي قبل الزواج. أما على الصعيد الاقتصادي، وتأثراً بكونه ممثلاً لمنطقة ريفية قليلة السكان، فإنه أبدى ولا يزال اهتماماً كبيراً بالتناقص السكاني وضرورة الاهتمام بالاقتصاد الريفي؛ ما يعني العمل على تقليص الفوارق بين الحواضر الغنية والأرياف الفقيرة.

لم تخلُ مسيرة إيشيبا السياسية من الإثارة... إذ اتخذ مواقف اعتراضية واستقلالية

وضعته أكثر من مرة في مسار تصادمي مع حزبه

السياسة الدولية

في ميدان العلاقات الخارجية والسياسة الدولية، تُعرف عن إيشيبا مواقفه المتشددة المتوافقة مع أفكار التيار المحافظ داخل الحزب الحاكم، وبالأخص إزاء التصدي لخطر نظام كوريا الشمالية وقضية تايوان، حيث يقف بقوة بجانب نظامها الديمقراطي في وجه التهديد الصيني.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، حليف اليابان الأكبر، رأى رئيس الوزراء الحالي قبل أشهر أن سبب إحجام واشنطن عن الدفاع هو أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف دفاع مشترك مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو). واستطراداً، في ربط الوضع الأوكراني بحالة تايوان، يعتبر إيشيبا أن تأسيس حلف أمني آسيوي خطوة ضرورية لردع أي هجوم صيني على تايوان، لا سيما في «التراجع النسبي» في القوة الأميركية.

وفي التصور الذي عبَّر عنه إيشيبا بـ«ناتو» آسيوي يواجه تهديدات روسيا والصين وكوريا الشمالية، يجب أن يضم الحلف العتيد دولاً غربية وشرقية منها فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، وكذلك الهند، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وأستراليا وكندا.

من جهة ثانية، تطرّق إيشيبا خلال الحملة الانتخابية إلى التحالف الأميركي - الياباني، الذي وصفه بأنه «غير متوازٍ» ويحتاج بالتالي إلى إعادة ضبط وتوازن. وكان في أول مكالمة هاتفية له بعد ترؤسه الحكومة اليابانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أعرب عن رغبته في «تعزيز الحلف» من دون أن يعرض أي تفاصيل محددة بهذا الشأن، ومن دون التطرق إلى حرصه على إجراء تغييرات في الاتفاقيات الثنائية كي يتحقق التوازن المأمول منها.

التداعيات المحتملة للنكسة الانتخابية الأخيرة

في أي حال، نكسة الحزب الديمقراطي الحر في الانتخابات العامة الأخيرة تفرض على شيغيرو إيشيبا «سيناريو» جديداً ومعقّداً... يبداً من ضمان تشكيلة حكومة موسّعة تخلف حكومته الحالية، التي لا تحظى عملياً بتفويض شعبي كافٍ. وهذا يعني الانخراط بمساومات ومفاوضات مع القوى البرلمانية تهدف إلى تذليل العقبات أمامه.

المهمة ليست سهلة حتماً، لكن خبرة الساسة اليابانيين التقليديين في التفاوض والمساومات أثبت فعالياتها في مناسبات عدة، بما فيها الفضائح وانهيار التحالفات، وكانت دائماً تثمر عقد صفقات طارئة حتى مع القوى المناوئة.

شينزو آبي (آ. ب.)

 

حقائق

رؤساء وزارات اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

في عام 1955، أي بعد مرور عقد من الزمن على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، التقى حزبان سياسيان يمينيان وتفاهما على الاندماج في حزب تحوّل ما يشبه الظاهرة في الأنظمة الديمقراطية في العالم.الحزبان المقصودان هما الحزب الحر (أو الحزب الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني، ولقد نتج من هذا الاندماج الحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن على مقدرات السياسة اليابانية منذ ذلك الحين باستثناء خمس سنوات، فقط خسر فيها السلطة لقوى معارضة أو منشقة عنها. وطوال الفترة التي تقرب من 70 سنة خرج من قادة الحزب الكبير زعماء نافذون رسخوا الاستقرار ورعوا الاستمرارية وأسهموا، بالتالي، في تحقيق «المعجزة الاقتصادية» اليابانية المبهرة.وفيما يلي، أسماء رؤساء الحكومات التي تولت السلطة منذ منتصف الخمسينات:- الأمير ناروهيكو هيغاشيكوني (من الأسرة المالكة) 1945- البارون كوجيرو شيديهارا (مستقل) 1945 – 1946- شيغيرو يوشيدا (الحزب الحر) 1946 – 1947- تيتسو كاتاياما (الحزب الاشتراكي) 1947 – 1948- هيتوشي آشيدا (الحزب الديمقراطي) 1948- شيغيرو يوشيدا (الحزب الديمقراطي الليبرالي / الحزب الحر) 1948 – 1954- إيتشيرو هاتاياما (الحزب الديمقراطي الياباني / الحزب الديمقراطي الحر) 1954 – 1956- تانزان إيشيباشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1956 – 1957- نوبوسوكي كيشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1957 – 1960- هاياتو إيكيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 1960 – 1964- إيساكو ساتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1964 – 1972- كاكوي تاناكا (الحزب الديمقراطي الحر) 1972 – 1974- تاكيو ميكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1974 – 1976- تاكيو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 1976 – 1978- ماسايوشي أوهيرا (الحزب الديمقراطي الحر) 1978 – 1980- زينكو سوزوكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1980 – 1982- ياسوهيرو ناكاسوني (الحزب الديمقراطي الحر) 1982 – 1987- نوبورو تاكيشيتا (الحزب الديمقراطي الحر) 1987 – 1989- سوسوكي أونو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989- توشيكي كايفو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989 – 1991- كيئيتشي ميازاوا (الحزب الديمقراطي الحر) 1991 – 1993- موريهيرو هوسوكاوا (الحزب الياباني الجديد) 1993 – 1994- تسوتومو هاتا (حزب «تجديد اليابان») 1994- توميئيتشي موراياما (الحزب الاشتراكي) 1994 – 1996- ريوتارو هاشيموتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1996 – 1998- كايزو أوبوتشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1998 – 2000- يوشيرو موري (الحزب الديمقراطي الحر) 2000 – 2001- جونيتشيرو كويزومي (الحزب الديمقراطي الحر) 2001 – 2006- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2006 – 2007- ياسوو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 2007 – 2008- تارو آسو (الحزب الديمقراطي الحر) 2008 – 2009- يوكيو هاتوياما (الحزب الديمقراطي الياباني) 2009 – 2010- ناوتو كان (الحزب الديمقراطي الياباني) 2010 – 2011- يوشيهيكو نودا (الحزب الديمقراطي الياباني) 2011 – 2012- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2012 – 2020- يوشيهيدي سوغا (الحزب الديمقراطي الحر) 2020 – 2021- فوميو كيشيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 2021 – 2024- شيغيرو إيشيبا (الحزب الديمقراطي الحر) 2024.....