المالكي خاض صراعا على البقاء.. ومسؤولون أميركيون لا يتمنون فوزه

تقييمات استخباراتية في واشنطن تحذر من أن نجاحه سيعمق الطائفية ويعزز احتمالات الحرب الأهلية

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يدلي بصوته في مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء في بغداد أمس (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يدلي بصوته في مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء في بغداد أمس (رويترز)
TT

المالكي خاض صراعا على البقاء.. ومسؤولون أميركيون لا يتمنون فوزه

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يدلي بصوته في مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء في بغداد أمس (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يدلي بصوته في مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء في بغداد أمس (رويترز)

عندما قتل صحافي معروف في نقطة تفتيش هنا (في بغداد) الشهر الماضي، سارع رئيس الوزراء المالكي إلى موقع الحادث، وتحدث أمام كاميرا التلفزيون متوعدا «بالدم مقابل الدم».
بيد أنه في مدينة يلقى فيها المئات حتفهم كل شهر نتيجة التفجيرات أو إطلاق الرصاص، كان غريبا أن يركز رئيس الوزراء على حادث قتل فردي. لكن هذا المشهد، الذي يأتي مطابقا لآخر مماثل وقع قبل الانتخابات السابقة، كان دليلا واضحا على ما قال عنه الدبلوماسيون والمحللون إنه أفضل وآخر آمال المالكي للفوز برئاسة الوزراء لفترة ثالثة.
حاول المالكي لعب دور الرجل القوي، وهو الأمر الذي اعتاد العراقيون، أيا كانت الأوضاع، أن يروا عليه قادتهم. ويقول صلاح الربيعي، 46 عاما أستاذ جامعي في بغداد، الذي وصف المالكي بالرجل الحكيم والقوي والقائد العظيم: «المالكي رجل قوي».
وقد تمنح استراتيجية إظهار القوة المالكي أصوات الناخبين الشيعة، لكن الشكوك تحوم حول قدرته على الفوز بفارق يمكنه من الحصول على ولاية أخرى.
هزيمة المالكي ستلقى ترحيبا كبيرا من المسؤولين الأميركيين؛ إذ وجدت تقييمات الاستخبارات الأميركية أن إعادة انتخاب المالكي ستزيد من حدة التوترات الطائفية وترفع في الوقت ذاته من مخاطر وقوع حرب أهلية، مستدلين على ذلك بتركيزه السلطة في يده وفشله في المصالحة مع الفصائل العراقية - سنة أو أكرادا - وإخفاقه العسكري ضد المتشددين المسلحين. وخلال عمله، اتهم الجيش، الذي تلقى تدريبه على يد القوات الأميركية، من قبل مجموعات حقوق الإنسان باتهامات جدية خلال عملياتها ضد المسلحين ومعارضي حكومة المالكي، التي كان من بينها التعذيب وعمليات الاعتقال العشوائي للسنة، وطلب الرشى لإطلاق سراح المعتقلين.
وتصمم قائمة طويلة من المنافسين السياسيين على الإطاحة به. وإذا حكمنا من خلال المطالبات الرقيقة من أجل «التغيير»، فقد يفقد دعم السلطات الدينية الشيعية في النجف الذين يتمتعون بسلطة روحية كبيرة على الأغلبية الشيعية في العراق. ورغم اعتراف كثير من العراقيين، برغبتهم في قيادة قوية، فإنهم قالوا أيضا إنهم سئموا من العنف والجمود السياسي في ظل حكم المالكي.
لكن آمال المالكي تحسنت قبل ستة أشهر، عندما حقق عددا محدودا من الإنجازات الملموسة التي يمكنه الاتكاء عليها. فقد مكنه القتال العنيف ضد المسلحين في محافظة الأنبار ومناطق أخرى من البلاد من لعب دور قائد الحرب وتقديم نفسه إلى الأغلبية الشيعية قائدا لمعركة وجودية التي وصفها بعبارات طائفية صارخة.
ويقول عزت الشابندر، سياسي شيعي كان متحالفا في السابق مع المالكي لكنه خاض الانتخابات مستقلا: «كل العوامل تعمل لصالحه».
وفي إشارة إلى الأزمة في الأنبار، التي فشلت فيها حملة المالكي العسكرية، قال دبلوماسيون غربيون: «من الواضح أنها سترفع حظوظه الانتخابية».
وسيواجه المالكي معارضة قوية خلال صراعه للبقاء في السلطة. ويتوقع خبراء سياسيون أن يحصل على غالبية المقاعد، لكنه لن يتمكن من الحصول على الأغلبية التي تضمن له الحصول على فترة ثالثة. وستبدأ بعد الانتخابات مفاوضات الغرف المغلقة، التي ستكون بالأساس بين المالكي ومنافسيه الشيعة، وستشهد مشاركة من قادة السنة والأكراد أيضا. ويتوقع أن تكون فترة ما بعد الانتخابات طويلة وحافلة بالكثير من الفوضى وطويلة، وغير نمطية في العراق، ويتوقع الخبراء هذه المرة أن تكون أطول من سابقتها، وربما تمتد لعام.
وتشير تقارير الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران، التي كانت أقوى داعم للمالكي في تعزيز سلطته في السنوات الأخيرة، ربما تدعم إعادة انتخابه بملايين الدولارات. لكن إيران دفعت أيضا أموالا لبعض منافسيه الشيعة في إظهار لهدف إيران الأكبر بالحفاظ على الهيمنة الشيعية وليس بالضرورة حكم المالكي.
وقد ميز المالكي، الذي نادرا ما يبتسم ويفتقر إلى أي ملامح ظاهرية للكاريزما، نفسه عن السياسيين العراقيين بالعمل لساعات طويلة، وفي كثير من الأحيان يترك مكتبه في الساعة الواحدة صباحا. كما أنه نادرا ما يغادر العراق حيث تقيم عائلته في الوقت الذي نقل فيه كثير من الساسة العراقيين عائلاتهم إلى الخارج.
ويقول السفير الأميركي السابق في بغداد، زلماي خليل زاد في مقابلة معه: «إنه لا يكترث لمسائل البروتوكول، وليست لديه مشكلة في الحضور إلى مقر إقامتي أو مكتبي». ويضيف خليل زاد إن المالكي على الرغم من ذلك، فإنه قلق بشأن احتمال قيام مسؤولي حزب البعث السابق بانقلاب.
وكان خليل زاد هو من شجع المالكي على الترشح لمنصب رئيس الوزراء في عام 2006، بعد التأكد من أن سلفه إبراهيم الجعفري، لا يتمتع بالكفاءة وطائفي بشكل مفرط. وفي عام 2010، فاز المالكي بولاية ثانية بدعم من المسؤولين الأميركيين، الذين اعتقدوا أنه سيفوز على أي حال، وبدا واضحا أنه المرشح الأكثر قبولا لدى الأغلبية الشيعية المنقسمة.
وفي محاولة لرأب الانقسام السياسي والطائفي في العراق وحمايته من استبداد المالكي المتزايد، سعت إدارة أوباما إلى إقناع المالكي بتقاسم السلطة مع منافسه اللدود إياد علاوي، الذي كان زعيم كتلة مدعومة من قطاع واسع من السنة. لكن المحاولة فشلت، ولم يتمكن المالكي مطلقا من تشكيل الحكومة الشاملة التي كان يأمل فيها البيت الأبيض.
وتحدد شخصية المالكي، التي تشكلت عبر عقود من العمل السياسي السري لإطاحة نظام صدام حسين، إلى حد كبير أسلوبه في الحكم. فقد تولى المالكي في المنفى، في إيران وسوريا، المسؤولية عن العمليات العسكرية لحزب الدعوة الإسلامي الشيعي داخل العراق، تلك التجربة التي غرست في نفسه الشعور الدائم بجنون العظمة الذي تعمق بسبب التهديد المستمر باغتياله.
وتقول ماريا فانتابي، محللة شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية: «أعتقد أن لب مشكلته هو خوفه، فهو يرى أعداء في كل مكان، فربما يكونون الأكراد أو السنة أو حتى مستشاريه».
بدوره، يرى رمزي مارديني، خبير شؤون العراق في «المجلس الأطلسي» أن «المالكي ليس ديمقراطيا، وليس قوميا ولا آيديولوجيا طائفيا.. فعقيدته ترتكز على البقاء، وهو يتشابه مع كثير من القادة العرب في الشعور بالعظمة والتآمر».
وفي قرية الجناجح، مسقط رأس المالكي جنوب العراق، تتناثر القمامة عبر قناة الري التي تجري بالقرب من المنزل المتداعي الذي كان موطنا لطفولته. وتبدو القرية مثل أي قرية أخرى في العراق من حيث الفقر والبطالة، ومن دون وجود مؤشر واضح على استخدام الثروة النفطية الهائلة في البلاد.
ويقول شكور جبور، أحد أبناء أعمام المالكي: «لم يقدموا أي شيء.. انظر إلى القمامة». ويشير جبور إلى أن حالة القرية تظهر أن المالكي لديه مخاوف أضخم. وأضاف: «أقول لك، صراحة، عندما تنظر إلى هذا الحي، فأنت تنظر إلى أي مكان آخر في العراق».
ورغم انزعاج كثيرين مما وصفوه بمحاولة المالكي بناء سلالة العائلة، التي تذكر العراقيين لا محالة بتركة صدام حسين، فإنه أعطى ابنه، أحمد، صلاحيات واسعة، ومبهمة على الأمن داخل مكتب رئيس الوزراء وداخل المنطقة الخضراء. ويعمل زوجا ابنتيه في مكتبه، وهما مرشحان في الانتخابات.
ورغم كل هذا، فإن لطيف رشيد، مستشار بارز في مكتب الرئيس العراقي جلال طالباني، يقول إن كثيرين داخل العملية السياسية في العراق يعتقدون أن المالكي سيجد وسيلة للبقاء في السلطة لفترة أخرى. وقال رشيد إن المؤشرات - القولية، في أحسن الأحوال، ونظرا لعدم وجود بيانات موثوقة لعملية الاقتراع في العراق - تشير إلى أن المالكي يحظى بتأييد قوي بين العراقيين، وذلك جزئيا بسبب التردد في تغيير القادة في وقت تواجه فيه البلاد تمردا متصاعدا.
وبدا واضحا أن المالكي يتمتع بموقف قوي، على الرغم من أن وضع البلاد واحتشاد المنافسين ضده محير، بحسب رشيد. وقال: «هناك كثير من الأشياء التي لا أفهمها. هل تدركون السبب في تفجير هؤلاء الأشخاص أنفسهم؟ هل تدركون السبب في تفجير هؤلاء الأشخاص سيارة مفخخة في مدرسة؟».
* خدمة: «نيويورك تايمز»



مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

هيمن كل من الحرب في غزة، وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين، بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر، إذ شاعت نبرة غير متفائلة حيال مستقبل هذين الملفين سواء في عهدة الجمهوري دونالد ترمب، أو منافسته الديمقراطية كامالا هاريس اللذين يصعب توقع الفائز منهما.

وبدا تحفظ رسمي مصري بشأن شخص الرئيس الأميركي المفضل لدى الدولة المصرية، فيما قال مصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «الرهان على رجل أو سيدة البيت الأبيض المقبل كان من بين أسئلة وجهها برلمانيون مصريون إلى مسؤول في وزارة الخارجية المصرية، داخل مجلس النواب قبل أيام، إلا أنه لم يرد بشكل حاسم».

ويختار الأميركيون رئيسهم الـ47 بين الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترمب، في نهاية حملة ترافقت مع توتر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، يراه محللون عاملاً مهماً في الترتيبات المستقبلية لحسابات مصر.

ولا يرى دبلوماسيون مصريون، ومن بينهم محمد العرابي رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق «خياراً مفضلاً للمصالح المصرية» بين أي من هاريس أو ترمب.

ويرى العرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «جوانب إيجابية وسلبية لدى كلا المرشحين، بشأن معادلة العلاقات مع مصر وحرب غزة».

فيما لا يكترث المفكر السياسي والدبلوماسي المصري السابق مصطفى الفقي، بالفروق الضئيلة بين حظوظ ترمب وهاريس، ويرى أنهما «وجهان لعملة واحدة في السياسة الأميركية، وهو الدعم المطلق لإسرائيل»، وفق وصفه لـ«الشرق الأوسط».

وإلى جانب الاقتناع بالدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، فإن هناك تبايناً آخر في ترجيحات البعض، إذ يعتقد رئيس حزب «الوفد» (ليبرالي) عبد السند يمامة أن «نجاح هاريس بسياساتها المعتدلة يصب في صالح السياسة الخارجية المصرية في ملف غزة».

في المقابل، يرجح رئيس حزب «التجمع» المصري (يسار) سيد عبد العال «اهتمام ترمب الأكبر بسرعة إنهاء الحرب في غزة»، موضحاً أن «مصالح مصر هي ما يحدد العلاقة مع الرئيس الأميركي المقبل».

وبالنسبة لوكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، فإن هناك انعكاسات خطيرة لفوز ترمب على «مصالح مصر فيما يخص ملف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء».

ويعيد رشاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، التذكير «بمشروع المرشح الجمهوري القديم لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهذا ضد مصر»، علماً بأن صهر ترمب وكبير مستشاريه السابق اقترح في مارس (آذار) إجلاء النازحين الفلسطينيين في غزة إلى صحراء النقب جنوب إسرائيل أو إلى مصر.

في المقابل، تبدو نبرة الثقة من برلمانيين مصريين في قدرة الدبلوماسية المصرية على التعامل مع أي مرشح فائز، خصوصاً في ملف حرب غزة.

ويقول وكيل لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري أيمن محسب، لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة ستتعاطى بإيجابية مع أي فائز ينجح في وقف الحرب في غزة والتصعيد في المنطقة».

بينما يلفت عضو مجلس الشيوخ إيهاب الهرميل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «التواصل الدوري من مصر الرسمية مع أطراف في المعسكرين الحاكمين بأميركا، بشأن غزة وجهود الوساطة المصرية - القطرية».

وخلال الشهر الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اجتماعين منفصلين وفدين من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، ضما أعضاء من المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، حيث تمت مناقشة جهود تجنب توسيع دائرة الصراع في المنطقة.

وبشأن نزاع «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا، يراهن متابعون على مساندة ترمب لمصر حال فوزه، بعدما أبدى اهتماماً لافتاً بالقضية في ولايته الأولى، واستضاف مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، كما سبق أن حذّر الإثيوبيين عام 2020 من «تفجير مصر للسد، بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد حل سياسي للمشكلة».

لكنّ رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، يقول: «مصر لا تُعوّل على أحد، تتحرك من منطلق أنها دولة أفريقية مهمة في قارتها، وتحرص على مصالحها»، فيما يُذكّر وكيل الاستخبارات السابق بأن «ترمب لم يُحدث خرقاً في الملف» رغم اهتمامه به.

ومن بين رسائل دبلوماسية متعددة حملها آخر اتصال بين مصر وإدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، أعاد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأحد الماضي، التأكيد لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على أن «مصر لن تسمح لأي طرف بتهديد أمنها المائي».

سؤال وجّهه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري للمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي

شعبياً، بدا أن المصريين لا يلقون اهتماماً كبيراً بالسباق الأميركي، وهو ما كشفته محدودية الردود على سؤال بشأن توقعات المرشح الأميركي الفائز، ضمن استطلاع أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع للحكومة المصرية.

وبدت تباينات الآراء في الاستطلاع الذي نشر عبر «السوشيال ميديا»، إذ رأى أحد المعلقين أن هاريس الأقرب، في مقابل آخر رجح فوز ترمب. لكن المثير للاهتمام هو توقع أحد المستطلعين «فوز نتنياهو»، أو على حد قول أحد المصريين باللهجة العامية المصرية: «شالوا بايدن وجابوا ترمب أو هاريس... كده كده اتفقوا على حماية إسرائيل».