تفجيران يهزان العاصمة السورية والقتلى بالعشرات

احدهما داخل مبنى قصر العدل القديم... وعلامات استفهام حول قدرة المنفذين على خرق الطوق الأمني

بقع الدم على لوح وأوراق بعد التفجير الانتحاري في قصر العدل بحي الحميدية في دمشق أمس (إ.ب.أ)
بقع الدم على لوح وأوراق بعد التفجير الانتحاري في قصر العدل بحي الحميدية في دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

تفجيران يهزان العاصمة السورية والقتلى بالعشرات

بقع الدم على لوح وأوراق بعد التفجير الانتحاري في قصر العدل بحي الحميدية في دمشق أمس (إ.ب.أ)
بقع الدم على لوح وأوراق بعد التفجير الانتحاري في قصر العدل بحي الحميدية في دمشق أمس (إ.ب.أ)

هزّ أمس الأربعاء تفجيران انتحاريان وسط العاصمة السورية دمشق ما أدّى لسقوط عشرات القتلى والجرحى، وذلك بعد 4 أيام على تفجيرين مماثلين استهدفا دمشق القديمة قُتل على إثرهما 74 شخصاً، غالبيتهم من الزوار الشيعة العراقيين، وتبنتهما «هيئة تحرير الشام».
وقتل ما يزيد على 40 شخصاً حين فجّر أمس انتحاري حزامه الناسف داخل مبنى قصر العدل القديم في منطقة الحميدية، قبل أن يفجر آخر حزامه في أحد المطاعم بمنطقة الربوة. وقالت وسائل إعلام تابعة للنظام إن قواته ألقت القبض على انتحاريين آخرين كانا ينويان تفجير نفسيهما أيضاً.
وأثارت كثافة التفجيرات الانتحارية التي استهدفت العاصمة السورية، والتي تُعتبر معقل النظام في الأيام القليلة الماضية، علامات استفهام حول قدرة الأطراف المنفذة على خرق الطوق الأمني المفروض حولها، والإجراءات الأمنية المشددة المتخذة داخلها. وفيما رجّح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون «جبهة النصرة» أو ما يُعرف بـ«هيئة تحرير الشام» تقف خلف تفجيري أمس، لافتاً إلى أنها بذلك تفرض معادلة أن الأمن في العاصمة لم يعد ممسوكا، ما سيشكل ضغطا كبيرا على النظام، فيما توقع الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج أن يكون «تنظيم داعش، أو النظام، هما من يقفان خلفهما للتغطية على الفشل المدوي في (آستانة)». وقال الحاج لـ«الشرق الأوسط»: «هذان التفجيران وما سبقهما من تفجيرات هزت دمشق غير قادرة على إسقاط العاصمة إلا إذا تكثفت وتبعتها مباشرة عمليات عسكرية برية، إلا أن المؤكد أن ما يحصل يهز الثقة بالنظام المخترق أصلا بشكل واسع داخل مناطقه وبخاصة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تسهل عملية شراء المعلومات والأشخاص، أضف إلى ذلك وجود خلايا نائمة وشبكة علاقات واسعة للمعارضة داخل معاقل النظام».
وفي تفاصيل الأحداث التي شهدتها دمشق أمس، نقلت وكالة «سانا» عن مصدر في قيادة الشرطة أن «إرهابيا انتحاريا يرتدي حزاما ناسفا فجر نفسه (ظهر أمس) في مبنى القصر العدلي بمنطقة الحميدية»، لافتاً إلى أنّه «كان يرتدي لباسا عسكريا ويحمل بندقية وقنبلة، وبعد أن استوقفه الحرس عند باب السور الخارجي لمبنى قصر العدل وقاموا بتسلم البندقية والقنبلة، ركض مسرعا باتجاه باب بهو القصر العدلي، حيث يوجد عدد كبير من المراجعين مستغلاً الازدحام، واستطاع الوصول إلى الباب الخارجي حيث قام بتفجير نفسه». بحسب الوكالة.
من جهتها، أفادت وكالة «الصحافة الفرنسية» بأن القوات الأمنية فرضت طوقاً أمنياً حول القصر العدلي القريب من سوق الحميدية، وقطعت كل الطرقات المؤدية إليه في وقت هرعت سيارات الإطفاء والإسعاف إلى المكان.
ويضم القصر العدلي المحكمة الشرعية والمحكمة الجزائية، فيما نقلت المحكمة المدنية والاستئناف والنقض إلى القصر العدلي في منطقة المزة. وقالت محامية كانت موجودة في القصر أثناء حدوث التفجير: «أصبنا بهلع شديد، كان صوت الانفجار عاليا في البهو، وهرعنا للاحتماء في المكتبة في الطابق العلوي». وأضافت: «كان المشهد داميا».
وبعد نحو ساعتين على الانفجار الذي استهدف قصر العدل، هزّ انفجار آخر أحد المطاعم في منطقة الربوة بدمشق. وقالت وكالة «سانا» إن «الإرهابي الانتحاري كان ملاحقا مع إرهابيين اثنين آخرين من قبل الجهات المختصة، بحيث تم إلقاء القبض على اثنين من الإرهابيين بينما فر الثالث ودخل إلى المطعم وقام بتفجير نفسه».
وشهدت العاصمة السورية دمشق السبت الماضي واحدا من أكثر الاعتداءات دموية منذ اندلاع الأزمة في سوريا، استهدف زوارا شيعة عراقيين في أحد الأحياء القديمة ما أدّى لمقتل 74 شخصا.
وكان أبو محمد الجولاني، قائد «هيئة تحرير الشام» الذي تبنى بوقت سابق الاعتداءات الانتحارية التي استهدفت مقرين من أكبر المراكز الأمنية في مدينة حمص وسط سوريا، وأدّت لمقتل العشرات بينهم رئيس فرع الأمن العسكري في المدينة العميد حسن دعبول نهاية شهر فبراير (شباط)، توعد قد بتنفيذ تفجيرات أخرى بعد حمص، معتبراً أن «هذا العمل ما هو إلا حلقة في سلسلة عمليات تأتي تباعاً بإذن الله».
وكان آخر هجوم انتحاري استهدف دمشق وقع في يناير (كانون الثاني) الماضي، تبنته جبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، وأسفر عن مقتل 10 أشخاص في حي كفرسوسة الذي يضم مقرات أمنية واستخباراتية في دمشق. وفي 16 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وقع انفجار في قسم للشرطة في وسط العاصمة، نجم عن تفجير حزام ناسف كانت ترتديه طفلة في السابعة من العمر. ووقعت الاعتداءات الأكثر عنفا في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق التي تضم مقام السيدة زينب، وهو مقصد للسياحة الدينية في سوريا وخصوصا من أتباع الطائفة الشيعية. وشهدت تلك المنطقة في فبراير (شباط) 2016 تفجيرا ضخما تبناه تنظيم داعش، وأوقع 134 قتيلا بينهم على الأقل 90 مدنياً.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».