سوق عقارات الريف الروسي تسجل تراجعاً... وموسكو تظل ضمن الأغلى عالمياً

الضغوط الاقتصادية دفعت الكثيرين للتحرك نحو الأطراف

مجمعات الأبنية الاقتصادية من طابقين فئة انتشرت في ريف موسكو بكثافة خلال السنوات الأخيرة («الشرق الأوسط»)
مجمعات الأبنية الاقتصادية من طابقين فئة انتشرت في ريف موسكو بكثافة خلال السنوات الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

سوق عقارات الريف الروسي تسجل تراجعاً... وموسكو تظل ضمن الأغلى عالمياً

مجمعات الأبنية الاقتصادية من طابقين فئة انتشرت في ريف موسكو بكثافة خلال السنوات الأخيرة («الشرق الأوسط»)
مجمعات الأبنية الاقتصادية من طابقين فئة انتشرت في ريف موسكو بكثافة خلال السنوات الأخيرة («الشرق الأوسط»)

ما زالت العاصمة الروسية موسكو تشغل مكانة مميزة على قائمة أغلى مدن في العالم في أسعار العقارات، ومن عام لآخر يتغير ترتيبها على القائمة، تبعاً لتقلبات العرض والطلب في السوق المحلية، ولزيادة أو تراجع الطلب وهبوط أو ارتفاع أسعار العقارات في مدن أخرى في العالم.
وفي عام 2015، تقدمت موسكو على لندن واحتلت المرتبة الثانية في تلك القائمة. ولا يقتصر غلاء العقارات في العاصمة الروسية على الشقق الفاخرة الكبيرة في المدينة ذاتها، بل ويشمل كذلك العقارات في ريف المدينة، لا سيما المنازل الفاخرة المشيدة على مساحات ضخمة، وتتوفر فيها جميع الخدمات والمرافق.
ويمكن القول إن سوق عقارات ريف العاصمة الروسية، ومع أهميتها، إلا أنها ما زالت في البدايات؛ مقارنة بسوق العقارات في المدينة ذاتها، ذلك أن ظاهرة الانتقال للإقامة في الريف المتاخم للمدينة حديثة العهد نسبيا، وتتحول تدريجياً إلى توجه رئيسي بميزانيات كبيرة في سوق العقارات في كل المدن الروسية.
وتعود بدايات سوق العقارات الريفية إلى مطلع التسعينات، حين أقرت السلطات الروسية حق المواطن بالملكية على المسكن والأرض، وقبل ذلك كان هذا كله ملكا للدولة، والمواطن مجرد مستخدم، وإن كان يتمتع بحق توريث العقار أو مبادلته بعقار آخر، لكن العقارات التي يستخدمها لم تكن ملكية شخصية، بل ملكية عامة.
وتزامن إقرار الملكية الخاصة مع انفتاح البلاد على «الثقافة العقارية» الغربية، إن جاز التعبير، حيث أصبح بوسع المواطن الروسي الاطلاع على طبيعة وتصاميم العقارات في دول العالم، مع اهتمام خاص بالشقق الكبيرة، ما يعني توفر شروط حياة مريحة فيها، أكثر مما هي متوفرة في الشقق السكينة الروسية بمساحاتها الصغيرة.
هذه التطورات عززت لدى الروس رغبة طبيعية موجودة لدى كل إنسان - بغض النظر عن الظرف السياسي والاقتصادي - بتحسين مستوى حياتهم عقارياً، أي الحصول على مسكن بمساحات أكبر يكون رحباً، ولا يقتصر على غرف النوم والمطبخ الصغير، بل وتكون فيه غرفة استقبال أو صالة، وإمكانية لتصميم مطبخ واسع يضم قاعة الطعام، وما إلى ذلك.
ومع اعتماد الاقتصاد الروسي سياسة السوق المفتوحة، وظهور شركات تجارية وصناعية، وتحسن الظرف المادي لفئات كبيرة من المجتمع الروسي، في العقد الأخير من القرن الماضي، انتشرت في البداية ظاهرة امتلاك أكثر من شقة سكنية على طابق واحد في الأبنية القديمة، لتوحيدها وفق تصميم جديد وجعلها عقارا سكنيا واحدا، إلا أن سرعان ما ارتطمت تلك الظاهرة بعقبات هندسية، حيث أدت التغيرات في العقار وإزالة بعض الجدران الأساسية إلى حوادث خطيرة، بما في ذلك تصدعات في البناء أدت في بعض الأحيان إلى سقوط المبنى كاملاً.
في تلك المرحلة؛ أخذت تظهر بعض الأبنية الحديثة في موسكو وفي المدن الروسية الأخرى، ضمن رؤية عصرية، حيث تزيد مساحات تلك الشقق عن 100 متر، وتصل إلى 180 مترا مربعا بالنسبة للعقارات الفاخرة.
ارتفاع أسعار العقارات السكنية في موسكو وعدم توفر موارد لدى الغالبية تكفي لشراء شقق واسعة كبيرة، دفع كثيرين إلى بيع شققهم السكنية في العاصمة، والانتقال للعيش في الريف المتاخم.
واستفاد كثيرون من منازل ريفية يمتلكونها، قدمتها لهم السلطات السوفياتية في وقت سابق، لكن كمنازل خشبية لا تصلح للإقامة الدائمة، وإنما لقضاء فصل الصيف، حيث يكون في محيط كل منزل قطعة أرض تزيد عن 150 مترا مربعا، اعتاد الروس على زرع مواد غذائية عليها مثل البطاطا والبصل وغيره، يخزنونها لفصل الشتاء.
وبعد أن أصبح ذلك كله «ملكية خاصة»، انتشرت تدريجيا ظاهرة إزالة المبنى الخشبي القديم وتشييد منزل من القرميد، وفق التصميمات الهندسية العصرية للمنازل الحديثة، التي غالبا ما تكون في داخلها من عدة طوابق، وفيها غرف واسعة، وشرفات تطل على مساحات خضراء في محيط المنزل. ويمكن القول إن تلك النزعة شكلت بدايات تكوين سوق العقارات الريفية.
وبعد عقدين من الزمن شهدت روسيا خلالهما تغيرات وتطورات اقتصادية كبيرة، ترافقت مع ظهور طبقات ثرية ومتوسطة الثراء في المجتمع الروسي، أصبحت مسألة اقتناء عقار جميل في الريف قرب العاصمة موسكو مسألة «برستيج» أو وجاهة اجتماعية، ولم تعد تقتصر على كونها حاجة، ما يعني ظهور طلب على تلك العقارات، الأمر الذي دفع شركات عقارية للتوجه نحو البناء في الريف.
وفي الفترة الحالية، تنتشر في محيط موسكو تجمعات أبنية سكنية حديثة، بعضها مخصص لتلبية طلب الفئات ميسورة الحال، التي لا يمكن في الوقت ذاته تصنيفها «أثرياء»، وتكون تلك الأبنية على شكل «فيلا» من طابقين مستقلين. أما الأثرياء، فقد خصصت الشركات العقارية لهم أبنية فاخرة، عبارة عن منازل مستقلة، يتم تشييدها على مساحات واسعة تزيد عن 500 متر مربع، بينما تكون مساحة العقار ذاته ما بين 350 إلى 450 مترا مربعا.
وتصنف المنازل الريفية المخصصة للطبقات متوسطة الدخل ضمن فئة «عقارات ريفية اقتصادية»، أي أن سعرها منخفض مقارنة بالفئة الثانية المخصصة للأثرياء والتي يطلق عليها العاملون في سوق العقارات الروسية «فئة العقارات بميزانية كبيرة». وحاليا تتراوح أسعار العقارات من الفئة الأولى في ريف موسكو ما بين 2.5 إلى 9 ملايين روبل روسي، (من 40 إلى 120 ألف دولار تقريبا)، أما فئة العقارات الريفية الفاخرة فالأسعار تتراوح عند مؤشرات عالية، ما بين 25 مليونا وحتى أكثر من 200 مليون روبل، حسب المساحة والموقع وتصميم المنزل.
غير أن الأزمة الاقتصادية في روسيا أثرت بشكل واضح على سوق العقارات الفاخرة، وتراجعت الميزانية التي يرصدها الراغبون لشراء تلك المنازل بنسبة 50 في المائة تقريباً، إذ تشير معطيات وكالات عقارية روسية إلى أن متوسط الميزانية المطروحة عند الطلب على منازل فاخرة في أطراف ومحيط موسكو للعام الماضي لم تتجاوز 90 مليون روبل للمنزل وسطياً، بينما كانت تزيد في سنوات ما قبل الأزمة عن 180 مليون روبل. وبالمقابل سجلت أسعار العروض تراجعاً نحو 10 في المائة، وتتراوح الآن وسطياً عند 104 ملايين روبل، ما يعني أن سعر العرض يبقى أعلى من ميزانية الطلب بقدر 14 في المائة.



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».