تلقي خطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بظلالها الكثيفة على اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، التي تستضيفها مدينة بادن بادن الألمانية نهاية الأسبوع الحالي. ورغم ذلك فإن جدول أعمال الاجتماعات يضم 4 قضايا أساسية، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.
* اضطراب سوق الصرف ومبدأ «أميركا أولاً»
النزعة الوطنية الاقتصادية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحت شعار «أميركا أولاً» تدفع الجدل الدائر حول سياسات الحمائية التجارية في مواجهة العولمة، إلى الواجهة.
وقد هاجم ترمب الصين بدعوى أنها تتلاعب بأسعار الصرف من أجل تخفيض قيمة اليوان الصيني أمام الدولار، بما يعطي المنتجات الصينية ميزة تنافسية سعرية في الأسواق العالمية. في الوقت نفسه فإن أحد كبار المسؤولين التجاريين في إدارة ترمب اتهم ألمانيا بزيادة العجز التجاري للولايات المتحدة من خلال إضعاف قيمة اليورو أمام العملة الأميركية.
وارتفاع قيمة الدولار يجعل المنتجات الأميركية المصدرة إلى الصين أعلى سعرا، في حين يجعل سعر المنتجات الصينية أقل سعرا. في الوقت نفسه فإن ضعف قيمة اليورو يعزز الصادرات الألمانية، مما دفع بالفائض التجاري لألمانيا مع الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي.
ورغم تهديداتها المتكررة بالتصدي للصين، فإن إدارة ترمب لم تثر الموضوع مع بكين، ربما خوفا من التحذيرات من أن أي تحرك أميركي في هذا الاتجاه يمكن أن يشعل حربا تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
* العملة الأميركية تنتصر على الجميع
ربما تقدم اجتماعات مجموعة العشرين اختبارا للطريقة التي يعتزم العالم أن يتعامل بها مع العواقب العالمية لقوة الدولار. وقد ارتفعت قيمة العملة الخضراء على خلفية اعتزام ترمب خفض الضرائب وتحفيز الاقتصاد وتخفيف القواعد والنظم المنظمة لنشاط الشركات والأعمال في البلاد. إضافة إلى ذلك، فإن ازدياد المؤشرات على قرب زيادة سعر الفائدة الأميركية خلال اجتماع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي المقبل، يعزز قيمة العملة الخضراء.
وقوة الدولار تعني انخفاض تكلفة السلع المستوردة بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وهو ما يهدد تعهد ترمب بتعزيز قطاع التصنيع من خلال تقليص القدرة التنافسية للمصدرين الأميركيين. كما أن صعود الصين وغيرها من الاقتصادات الصاعدة الرئيسية خلق نوعا من التوافق على أن وضع تصور بالنسبة لحالة الدولار في السوق العالمية أمر بالغ الصعوبة.
* المخاوف بشأن النمو العالمي
تحاصر حالة من الغموض آفاق الاقتصاد العالمي، مع استعداد بريطانيا لبدء مفاوضات خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتراجع وتيرة نمو الاقتصاد الصيني، والتصريحات الحادة الصادرة من البيت الأبيض بشأن التجارة العالمية، وسلسلة الانتخابات التي يصعب التنبؤ بنتائجها في أوروبا، في ظل ازدياد شعبية القوى والأحزاب اليمينية الشعوبية في دول القارة.
* تحديات أفريقيا
يحتل موضوع تحسين مناخ الاستثمار على المدى الطويل في أفريقيا، مكانة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات مجموعة العشرين في ألمانيا، حيث سيتم التركيز على تشجيع مشروعات تطوير البنية التحتية والتعليم في القارة.
يذكر أن وزراء مالية 5 دول أفريقية، هي كوت ديفوار، والمغرب، ورواندا، والسنغال، وتونس، يشاركون في اجتماعات بادن بادن.
أنشئت مجموعة العشرين عام 1999 بناء على مبادرة من مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة، كالصين والبرازيل والمكسيك، لمناقشة الموضوعات الرئيسية التي تهم الاقتصاد العالمي. وتضم من قارة آسيا دول الصين والهند وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية، ومن أفريقيا جنوب أفريقيا، ومن أميركا الجنوبية الأرجنتين والبرازيل، ومن أوروبا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا وتركيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ومن أميركا الشمالية أميركا وكندا والمكسيك إلى جانب أستراليا. وتحتضن مدينة بادن بادن الألمانية، فعاليات المؤتمر الوزاري يومي السبت والأحد المقبلين، في الوقت الذي يواجه وزير مالية ألمانيا فوفجانج شويبله، ثاني أقوى شخصية سياسية في بلاده، اختبارا صعبا لنفوذه السياسي عندما يترأس اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة الدول العشرين، في ظل ازدياد التوترات الاقتصادية العالمية.
ولعب السياسي الألماني الذي يبلغ من العمر 74 عاماً ويمتلك إرادة حديدية، دورا مهما في إعادة توحيد شطري ألمانيا مطلع تسعينات القرن العشرين، ونجا من محاولة اغتيال، وهاجم الخداع اليوناني في أزمة الديون، واستبعد تقديم تنازلات في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأخيرا رفض التراجع في مواقفه أمام فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة.
ولكن شويبله سيواجه مهمة جديدة صعبة عندما يحاول قيادة وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة الدول العشرين في متاهة التوترات الاقتصادية العالمية الراهنة. وباعتباره ثاني أقوى شخصية في ألمانيا، بعد المستشارة أنجيلا ميركل، سيكون على شويبله، محاولة صياغة توافق جديد على مجموعة من القضايا الخلافية، بما في ذلك التجارة العالمية وسعر صرف الدولار الأميركي.
بالطبع، فإن شويبله قد يحتاج إلى استغلال قدراته، لتفادي الصدام بين حكومته وكل من الصين والولايات المتحدة، خلال اجتماع بادن بادن، وذلك في أعقاب الاتهامات الكثيرة من واشنطن لألمانيا وغيرها من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، بالتلاعب في أسعار الصرف، والنزعة الاقتصادية القومية الجديدة للبيت الأبيض.
وقال شويبله خلال الأسبوع الماضي: «يمكننا فقط حل المشكلات العالمية من خلال التعاون الدولي».
وينظر معظم الألمان إلى شويبله باعتباره الحارس على الانضباط المالي الذي يحمي أموال دافعي الضرائب الألمان، بعد انضمامه إلى ميركل من أجل ضبط الأوضاع المالية لألمانيا، وتمهيد الطريق أمام الوصول إلى ميزانية ألمانية خالية من العجز حتى عام 2019.
وإلى جانب دوره المحوري في التعامل مع أزمة ديون منطقة اليورو، فإن شويبله ساعد ميركل مؤخرا في مواجهة تحديات أزمة تدفق اللاجئين إلى ألمانيا، من خلال خطة مالية وفرت المأوى لمئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا ألمانيا خلال العامين الماضيين. كما نجح شويبله الذي تولى وزارة المالية منذ 2009 في تحقيق فائض ميزانية للعام الثالث على التوالي، وهو ما يثير حسد كثير من دول منطقة اليورو التي تعاني صعوبات مالية طاحنة.
4 قضايا أساسية على طاولة اجتماعات وزراء مالية مجموعة العشرين
تستضيفها مدينة بادن بادن الألمانية يومي السبت والأحد
4 قضايا أساسية على طاولة اجتماعات وزراء مالية مجموعة العشرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة