«المتطرفون الجدد» وإغراء التشدد العنيف

الصيد السهل... ثمين

عزام الأميركي أبرز معتنقي الإسلام الذين لجأوا إلى التطرف («الشرق الأوسط») - الأميركي ووكر ليند اعتقل في سجن قندهار بأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عزام الأميركي أبرز معتنقي الإسلام الذين لجأوا إلى التطرف («الشرق الأوسط») - الأميركي ووكر ليند اعتقل في سجن قندهار بأفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«المتطرفون الجدد» وإغراء التشدد العنيف

عزام الأميركي أبرز معتنقي الإسلام الذين لجأوا إلى التطرف («الشرق الأوسط») - الأميركي ووكر ليند اعتقل في سجن قندهار بأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عزام الأميركي أبرز معتنقي الإسلام الذين لجأوا إلى التطرف («الشرق الأوسط») - الأميركي ووكر ليند اعتقل في سجن قندهار بأفغانستان («الشرق الأوسط»)

لا يعني هرب أبي بكر البغدادي من الموصل، كما أعلن يوم الخميس الماضي 9 مارس (آذار)، أو إرهاصات قرب نهاية «داعش» وأزماتها في بؤر الصراع، وبخاصة في الموصل وسوريا، أن خطورة معتنقي الإسلام الجدد في صفوفها والمتبنين داعشيتها، سينتهي أيضا، خصوصا مع كون المتوقع هو نشاط الخلايا والذئاب المنفردة في تنفيذ عملياتها كلما اشتد الضغط في بؤر الصراع؛ مما يبقي هذه القضية في موضعها، مع مشكلات أخرى ترفدها كالهجرة والتمييز وكراهية الأجانب وفضاء التواصلية الذي يكرس الفردية والعزلة معا عن المجتمع والعالم الحقيقي؛ مما كرس الشعبوية ونزعات الهوية عموما، وهي لدى معتنقي الإسلام الجدد ليست إلا الهوية الدينية. تطرح هذه الظاهرة الكثير من الأسئلة من قبيل: لماذا كانت «داعش» و«القاعدة» خيارات بعض معتنقي الجدد للإسلام؟ للإجابة ولماذا؟ وكيف؟ استثمرت «القاعدة» «داعش» وأخواتها في هؤلاء القادمين من ثقافات غير إسلامية؟ وما موقف المؤسسات الدينية الرسمية ومؤسسات الأمن الفكري من مثل هذا التوظيف؟ ويبقى السؤال الأهم كيف يمكن حماية معتنقي الإسلام الجدد من خطابية جماعات العنف المثيرة والثائرة، حتى يكتسبوا الحس الاجتماعي والتاريخي والوسطية التي تنتهجها غالبية المسلمين بعيدا عن هوجاء هذه الجماعات وعلى ضد منها؟.
وهي أسئلة متعددة ومتنوعة تستدعي التعاطي الشامل والمنهج التكاملي في التفكيك والعلاج، نفسيا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وآيديولوجيا في المقام الأول، تكريسا وكشفا مبكرا لزيف دعاوى وخطابات التطرف، والتحذير من الانزلاق في بؤر الإعجاب أو الإيمان بها، أو التبني لها من قبل معتنقي الجدد، وهو ما يقع على عاتق المؤسسات الدينية الرسمية والقانونية قبل أي نمط آخر، تنظيما وترشيدا مبكرا لخطورة انزلاق التحول الديني في بؤر التطرف.
إن خطورة توظيف تنظيمات التطرف للمتحولين دينيا، واختطافهم نحو جماعاته بوصفها نموذجا طموحا لـ«دار الإسلام» و«خلافة المسلمين» وتحقيق حلمها تبدو ظاهرة تتصاعد وتتجلى مظاهرها كثير من الأمثلة والنماذج، ولا يقف خطرها عند ساحات وبؤر الصراع والتوحش، بل تمثل الرصيد المخزون المستعد، الذي ينتظر الأوامر لتنفيذ عمليات الإرهاب عبر خلاياه النائمة في دول الغرب بالخصوص.
بغض النظر عن كون التحول الديني- ذاته- حقا إنسانيا وظاهرة ممكنة تاريخا وحاضرا في كل الأديان والثقافات، وإن تميزت به الأديان الرسالية بالخصوص، شأن الإسلام والمسيحية على عكس اليهودية التي تعد دينا قوميا، لا يفرض دعوة ولا تبشيرا ولا يرى نفسه عالميا وأمميا تجب عليه دعوتهم.
هذه الخطورة في تاريخ هذه التنظيمات من وجود أسماء كثيرة من معتنقي الإسلام الجدد، برزوا في صفوف «القاعدة» قبل «داعش»، نذكر منهم مثالا لا حصرا أبرزهم، وهو عزام الأميركي أو (آدم غادان) القيادي الأبرز والأقرب لأيمن الظواهري في السنوات الأخيرة، الذي ظهر مرارا منتقدا لتنظيم «داعش»، في خطاب قاعدي يبدو أنه لا يتجاهل تأثير ظاهرة معتنقي الجدد للإسلام، وتوظيف «داعش» المتميز لها، سواء هجرة إليها وانضماما إلى صفوفها في ساحات القتال، أو تنفيذا وإنفاذا لعملياتها في الدول الغربية، كما حدث مرارا وتكرارا، فبرز وجه وصوت غادان أحد المعبرين والممثلين للمتحولين الجدد المتطرفين لينتقد «داعش» دائما وصدا لإقبال أمثاله وأشباهه في البلاد الغربية عليها.
ومن هؤلاء معتنقي الإسلام الجدد الذين برزوا في صفوف «القاعدة» الشاب الأميركي جون ووكر ليند، المواطن الأميركي المقبوض عليه في سجن قندهار بأفغانستان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، الذي حوكم مدنيا بعد ذلك، وكذلك كريستوفر وول الذي اعتقلته السلطات الأميركية في أبريل (نيسان) 2008.
واندفاعا من حماستهم، يخوض معتنقو الإسلام الجدد المعارك الخطيرة، ويقومون بتنفيذ العمليات الصعبة، وكثير منهم الأكثر توحشا في صفوف هذه التنظيمات، ونذكر أنه قد قتل من البريطانيين وحدهم نحو 23 قتيلا حتى 21 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي (2016).
وحسبنا أن نذكر أن «داعش» خلال العامين الأخيرين، عرفت كتائب خاصة ببعضهم، فسمعنا عن كتيبة الفرنسيين التي كان يرأسها أبو مقاتل التونسي، وتضم معهم المغاربة والتوانسة، وخلايا الألمانيين التي كان يديرها أبو ولاء العراقي، الذي قبض عليه في ألمانيا في 9 نوفمبر العام الماضي (2016) وأخرى للقادمين من أستراليا التي كان يرأسها أبو أسامة الغريب (اسمه محمد سامي ومن أصول مصرية)، الذي ارتبط فيما بعد بشاعرة التنظيم المعروفة بـ«هدير الكلم» وليفان مهاجري قائد المقاتلين من شرق أوروبا، وجالمورد خاليموف، رئيس القوات الخاصة في طاجيكستان، حتى أواخر مايو (أيار) 2015، الذي انتقل إلى تنظيم داعش، ويعد- في رأي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية- أخطر من انضم إلى «داعش» عسكريا ومعلوماتيا، ويدير ويشرف على القادمين من منطقة روسيا وآسيا الوسطى، ومن أبرزهم كذلك- كما تواتر في مايو 2015 التحاق البروفسور حسن كونكاتا، السفير الياباني السابق- وهو متحول دينيا منذ عقود للإسلام- أثناء عمله في مصر، وبعد إعلان «داعش» خلافته أعلن انضمامه إليها في مايو سنة 2015، وظهر في الساحة السورية بعد فترة، وأصدر بيانا حينها عن هذا التحول المستغرب، وبخاصة أن أطروحته حول «النظرية السياسية عند ابن تيمية» لكنه ممن حاولوا الخلط والربط بين رؤية ابن تيمية وحاكمية المودودي وسيد طب، وهو الأمر غير الصحيح، ويتضح بقوة في موقف ابن تيمية الشديد والحجاجي الرافض تأصيل الإمامة، واعتبارها أصلا من أصول الدين والإيمان وشروطه، كما وضح في سفره الكبير «منهاج السنة» وقبوله بطاعة المالكية والحنفية وأهل الشوكة السنية، في مواجهة صحوة شيعية وإمامية كانت أقوى في زمانه، ودفاعه عنهم ضد ما رآه خطرا مغوليا ودعوته لطاعتهم وتحمل «مظالمهم» في رسالته «المظالم المشتركة» ورفضه مجابهتهم أو الخروج عليهم؛ مما يعده فتنة وخروجا لا يقبله ويحرمه، وكذلك تصنيفاته المتعددة لمفهوم الدار وعدم ثنائيتها بين إيمان وكفر، أو فسطاطين كما خلط المودودي ونقل قطب وصاح بها زعماء «القاعدة» و«داعش» فيما بعد، وهو ما وضحناه في كتابنا «متاهة الحاكمية» بتفصيل آخر(1).
فهو رغم تخصصه في التراث السياسي الإسلامي، إلا أن تأثره بأدبيات الإسلام السياسي والحاكمية مع حماسة التحول والحضور الضخم والكبير لفكرة الخلافة ودار الإسلام، ومركزية فكر الدولة كدار للإسلام، وسبيل للخلاص ونموذج للحكم، ماضيا وحاضرا، يجعل مثل هذه التحولات الجانحة لأمثال كونكاتا مفهومة بدرجة كبيرة، ولكن تبقى خطورته أنها كانت حالة تسويقية جيدة من قبل «داعش»، بسبب خلفيته الفكرية أو مكانته الوظيفية، أو رمزيته لدى عدد من معتنقي.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».