الاقتصاد الياباني ينتعش بعد السنوات العجاف

بدأ التعافي من كارثة فوكوشيما في 2011

يابانيون أمام شاشة عملاقة تبين أسعار الأسهم في بورصة طوكيو (أ.ف.ب)
يابانيون أمام شاشة عملاقة تبين أسعار الأسهم في بورصة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد الياباني ينتعش بعد السنوات العجاف

يابانيون أمام شاشة عملاقة تبين أسعار الأسهم في بورصة طوكيو (أ.ف.ب)
يابانيون أمام شاشة عملاقة تبين أسعار الأسهم في بورصة طوكيو (أ.ف.ب)

تظهر على الاقتصاد الياباني، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعض علامات الانتعاش، بعد فترة ركود وانكماش طويلة. فقد عدل البنك المركزي متوسط النمو في 2016 من 1.0 إلى 1.4 في المائة للسنة المالية التي تنتهي آخر مارس (آذار) الحالي، مقابل 1.2 في المائة في 2015، وتوقع لعام 2017 نمواً بـ1.5 في المائة، على أن يصل النمو إلى 3 في المائة بحلول 2020، بحسب خطط الحكومة.
وسجل الميزان التجاري في 2016 أول فائض منذ 2011، أي منذ السنة التي شهدت زلزالاً وتسونامي وكارثة فوكوشيما، وزاد الفائض على 35 مليار دولار، علماً بأن اليابان سجلت فوائض تجارية طيلة 31 عاماً حتى 2011، لكن بعد الكارثة التي حلت بالمفاعل النووي، عمدت البلاد إلى زيادة استيراد النفط لتوليد الطاقة، وترافق ذلك مع موجة ارتفاع في أسعار البترول، حتى وصلت قمتها في 2013 و2014، ثم انخفضت بعد ذلك.
وبلغ العجز التجاري في 2014 نحو 111 مليار دولار، ثم هبط إلى 24 ملياراً في 2015. وفي 2016، سجل فائضاً مع تراجع قيمة فاتورة الاستيراد، في ظل هبوط النفط، وفقاً لأرقام وزارة المال.
كما تشير الوزارة إلى أن «الإنتاج الصناعي سجل في فبراير (شباط) الماضي أقوى أداء نمو منذ 3 سنوات، متأثراً بتحسن الطلب الخارجي، وتتجه الصادرات إلى تسجيل نمو نسبته 2.6 في المائة، في الفصل الأول من 2017.
ويؤكد مؤشر «ماركيت / نيكي» لمديري المشتريات ارتفاع مستوى الثقة الشهر الماضي إلى 53.5 نقطة، مقابل 52.7 نقطة في يناير (كانون الثاني)، وهذا المؤشر استمر فوق معدل 50 للشهر السادس على التوالي، أي فوق الحد الفاصل بين النمو والانكماش. وصعود فبراير هو الأعلى منذ مارس 2014.
وتقول الجهة العاملة على جمع بيانات ثقة مديري المشتريات والمبيعات إن هناك «زيادة في الإنتاج وعقوداً جديدة. أما الطلبيات من الخارج، فهي الأعلى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013».
إلى ذلك، سجل مؤشر ثقة الصناعيين في يناير الماضي تحسناً للشهر الخامس على التوالي، ليبلغ مستوى هو الأعلى منذ 30 شهراً، كما سجل مؤشر ثقة قطاع الخدمات مستوى هو الأعلى منذ 2015.
يُذكر أن حكومة رئيس الوزراء شيزو آبي قد عملت منذ 2013 على خطة للخروج من الانكماش، قوامها توسع في الإنفاق الحكومي، ومرونة في السياسة النقدية يقودها البنك المركزي بإجراءات تيسير كمي وشراء أصول، مع برامج إعادة هيكلة في عدة قطاعات. وللمثال، عملت الحكومة في 2016 على عدة جبهات، بخطط لإنفاق 256 مليار دولار باستثمارات حكومية على البنى التحتية، وقطاعات الزراعة والسياحة، فضلاً عن برامج مساعدة للشركات التي قد تتضرر من الـ«بريكست» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ومساعدة قطاعات أخرى، لا سيما التي تضررت من كارثة فوكوشيما. وذلك إلى جانب برامج اجتماعية لزيادة النمو الديموغرافي، ورعاية الأطفال، ومساعدات مالية أخرى، مثل دعم فوائد قروض عدد من القطاعات الإنتاجية، وإطلاق خطط إنشاء قطار متقدم جداً (كهروميغناطيسي)، بين طوكيو وأوزاكا، مروراً بناغويا، يضاف ذلك إلى مشاريع خاصة باستقبال الألعاب الأولمبية في 2020، خصوصاً على صعيد البنى التحتية الرياضية والفندقية والخدمية ذات الصلة. وتتوقع السلطات اليابانية إيرادات من استثمارات استقبال تلك الألعاب بنحو 283 مليار دولار بين 2013 و2030.
وتؤكد وزارة المالية أن هناك «خطة جديدة في 2017، تظهر في الربيع أو الخريف»، لكن محللين يرون أن «كل ذلك لم يحفز الاستهلاك الداخلي كما يجب». ويشير أستاذ التمويل المتخصص بالشؤون اليابانية في جامعة جنيف، ميشيل جيراردان، إلى أن «البطالة عند أدنى مستوياتها، 3 في المائة مقابل 5.6 في المائة في 2009»، وهناك وظائف كثيرة، حيث يقابل كل 100 قادم إلى سوق العمل 140 فرصة عمل جديدة، أي بمعدلات هي الأفضل منذ ربع قرن، ومع ذلك لا يتحرك الاستهلاك الذي يشكل 60 في المائة من الناتج، بل يتراجع منذ سنة وهو راكد منذ سنوات.
ويؤكد الاقتصادي في شركة ميزوهو للأوراق المالية تورو سوهييرو أن «الطلب الداخلي لا يرتفع منذ 4 سنوات. وهذا ما يحذر منه صندوق النقد الدولي الذي يتناول خطط الحكومة بتحليل سنوي يثني عليها، لكنه يحذر من عدم استجابة الطلب المحلي، بسبب نظرة اليابانيين غير المتفائلة للمستقبل».
لذلك، تعمل الحكومة على تحريك الاستهلاك الداخلي بعدة إجراءات، كان آخرها ما قررته في 24 فبراير الماضي، باتفاقات مع شركات القطاع الخاص تسمح للموظف والعامل كل جمعة في أواخر الشهر بترك العمل مبكراً، بحيث يجد وقتاً للتسوق وارتياد المطاعم والترفيه والسفر.
ويقول المحلل كوهي ايواهارا، من بنك ناتكسيس اليابان، إن «ضعف الين يجعل السلع المستوردة غالية، كما أن أسعار النفط عادت لترتفع نسبياً، وذلك يضغط على القدرة الشرائية. أما الصادرات، فقد صعدت بفعل الين الضعيف، لكن بعض الخوف أصاب المصدرين من تداعيات انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، لا سيما إذا نفذ وعوده الحمائية برفع الرسوم الجمركية على الواردات، مما دفع رئيس الوزراء الياباني إلى زيارة الولايات المتحدة الشهر الماضي للقاء ترمب، التي كانت نتيجتها تهدئة تلك المخاوف».
على صعيد آخر، يحذر صندوق النقد من التوسع في الإنفاق اعتماداً على الاستدانة، فالدين العام يتعاظم لتصل نسبته إلى 250 في المائة من الناتج، وهي أعلى نسبة على الإطلاق في العالم، ويرجح أن يصل حجم هذا الدين هذه السنة إلى 9.9 مليار دولار.
لكن السلطات والمصارف اليابانية غير قلقة من ذلك بتاتاً، ففي تقاريرها الدورية تكرر أن «ذلك الدين يعد ملاذاً آمناً لأنه ملك اليابانيين».
وبحسب وزارة المال، فإنه في الفصل الأخير من 2016، يحمل البنك المركزي نحو 37 في المائة من ذلك الدين، وتحمل المؤسسات المالية اليابانية 24.7 في المائة، وشركات ومؤسسات التأمين اليابانية 21.7 في المائة، ولا تحمل الجهات الأجنبية إلا 6.7 في المائة من إصدارات الدين الحكومية. وبالتالي، فإن اليابان بمنأى عن أي مخاوف من عدم السداد، بل يستمر إقبال اليابانيين على الاكتتاب بالسندات الحكومية، حتى لو كانت عوائدها ضئيلة، وتصل إلى الصفرية، كما في سندات الآجال حتى 10 سنوات.
وهنا تجدر الإشارة إلى مرونة تسمح بها السلطات الرقابية، بحيث تسجل البنوك ذلك الدين خارج ميزانياتها، وتستطيع بيع السندات أو استخدامها كضمانات، إذا أرادت جمع تمويلات. وتؤكد ميريل لينش اليابان أن «الحكومة مقبلة على الاقتراض أكثر، على أمل العودة إلى التوازن المالي النسبي في 0202، لأنها تراهن على تحسن الاقتصاد أكثر، ليعود إلى نمو نسبته 3 في المائة، وزيادة الإيرادات، لا سيما برفع ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 10 في المائة».
ويُجمع المحللون على أن «الحكومة مصرة على الخروج سريعاً من أوضاع اقتصادية ومالية متراكمة منذ انفجار الفقاعة العقارية والمالية في 1990، مروراً بالأزمة العالمية في 2008، وصولاً إلى كارثة زلزال 2011». وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يخرج من برامج التيسير الكمي، فإن بنك اليابان يواصل ذلك.
كما تعمل الحكومة على خفض نفقات أخرى، مثل كلفة الضمان الاجتماعي التي تستهلك 32 في المائة من الإيرادات، بتخفيف معدلات البدلات للمتقاعدين، وتحديداً الميسورين منهم، وتقليل كلفة أسعار العلاجات الباهظة، إلى جانب برامج إصلاحية أخرى حتى تتوازن الإيرادات مع المصروفات بحلول 2020، دون احتساب كلفة الدين العام.



الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)

قالت الأمم المتحدة، في وقت متأخر، يوم الخميس، إن الاقتصاد العالمي قاوم الضربات التي تعرَّض لها بسبب الصراعات والتضخم، العام الماضي، وإنه من المتوقع أن ينمو بنسبة ضعيفة تبلغ 2.8 في المائة في 2025.

وفي تقرير «الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)»، كتب خبراء اقتصاد الأمم المتحدة أن توقعاتهم الإيجابية كانت مدفوعة بتوقعات النمو القوية، وإن كانت بطيئة للصين والولايات المتحدة، والأداء القوي المتوقع للهند وإندونيسيا. ومن المتوقَّع أن يشهد الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة انتعاشاً متواضعاً، كما يقول التقرير.

وقال شانتانو موخيرجي، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة: «نحن في فترة من النمو المستقر والضعيف. قد يبدو هذا أشبه بما كنا نقوله، العام الماضي، ولكن إذا دققنا النظر في الأمور، فستجد أن الأمور تسير على ما يرام».

ويقول التقرير إن الاقتصاد الأميركي تفوق على التوقعات، العام الماضي، بفضل إنفاق المستهلكين والقطاع العام، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ النمو من 2.8 في المائة إلى 1.9 في المائة هذا العام.

ويشير التقرير إلى أن الصين تتوقع تباطؤ نموها القوي قليلاً من 4.9 في المائة في عام 2024 إلى 4.8 في المائة في عام 2025، وذلك بسبب انخفاض الاستهلاك وضعف قطاع العقارات الذي فشل في تعويض الاستثمار العام وقوة الصادرات. وهذا يجبر الحكومة على سن سياسات لدعم أسواق العقارات ومكافحة ديون الحكومات المحلية وتعزيز الطلب. ويشير التقرير إلى أن «تقلص عدد سكان الصين وارتفاع التوترات التجارية والتكنولوجية، إذا لم تتم معالجته، قد يقوض آفاق النمو في الأمد المتوسط».

وتوقعت الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.4 في المائة في عام 2024. وقالت، يوم الخميس، إن المعدل كان من المقدَّر أن يصبح أعلى، عند 2.8 في المائة، ويظل كلا الرقمين أقل من معدل 3 في المائة الذي شهده العالم قبل بدء جائحة «كوفيد - 19»، في عام 2020.

ومن المرتقب أن ينتعش النمو الأوروبي هذا العام تدريجياً، بعد أداء أضعف من المتوقع في عام 2024. ومن المتوقَّع أن تنتعش اليابان من فترات الركود والركود شبه الكامل. ومن المتوقَّع أن تقود الهند توقعات قوية لجنوب آسيا، مع توقع نمو إقليمي بنسبة 5.7 في المائة في عام 2025، و6 في المائة في عام 2026. ويشير التقرير إلى أن توقعات النمو في الهند بنسبة 6.6 في المائة لعام 2025، مدعومة بنمو قوي في الاستهلاك الخاص والاستثمار.

ويقول التقرير: «كان الحدّ من الفقر العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية مدفوعاً بالأداء الاقتصادي القوي. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في آسيا؛ حيث سمح النمو الاقتصادي السريع والتحول الهيكلي لدول، مثل الصين والهند وإندونيسيا، بتحقيق تخفيف للفقر غير مسبوق من حيث الحجم والنطاق».

وقال لي جون هوا، مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: «لقد تجنَّب الاقتصاد العالمي إلى حد كبير الانكماش واسع النطاق، على الرغم من الصدمات غير المسبوقة في السنوات القليلة الماضية، وأطول فترة من التشديد النقدي في التاريخ». ومع ذلك، حذر من أن «التعافي لا يزال مدفوعاً في المقام الأول بعدد قليل من الاقتصادات الكبيرة».