موسكو ترفض اتهامات بدعمها حركة طالبان عسكرياً ومالياً

اتهامات تصدر عن ممثلي القوات الأجنبية في أفغانستان

ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية («الشرق الأوسط»)
ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية («الشرق الأوسط»)
TT

موسكو ترفض اتهامات بدعمها حركة طالبان عسكرياً ومالياً

ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية («الشرق الأوسط»)
ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية («الشرق الأوسط»)

دافعت وزارة الخارجية الروسية عن الاتصالات بين موسكو وحركة طالبان في أفغانستان، رافضة الاتهامات بدعم روسي وتمويل للحركة. وقالت الوزارة في بيان رسمي، أمس، إن الاتصالات الروسية مع حركة طالبان ترمي إلى دفع الحركة للانضمام إلى عملية التسوية السياسية، فضلا عن ضمان سلامة وأمن المواطنين الروس في أفغانستان، وأشارت بهذا الخصوص إلى «اتهامات تصدر في الآونة الأخيرة عن ممثلي القوات الأجنبية في جمهورية أفغانستان، وكذلك عن بعض الشخصيات الرسمية من السلطة الأفغانية، يزعمون فيها أن روسيا تقدم الدعم لحركة طالبان، ويتهمون روسيا بتزويد الحركة بالسلاح، وتمويل نشاط هذه المنظمة المتطرفة، وتقديم المساعدة في إقامة معسكرات تدريب لمقاتلي الحركة على الأراضي الأفغانية»، مؤكدة أن «كل تلك الاتهامات غير مدعومة بأي أدلة».
وترى وزارة الخارجية الروسية في تلك الاتهامات حملة تستهدف روسيا، وتقول إن «الترويج لمثل تلك الأفكار والافتراءات السخيفة حملة منظمة لتشويه سمعة بلدنا، يجري خلالها الترويج لأفكار حول تقويض روسيا للجهود الدولية في التصدي للإرهاب في أفغانستان».
وفي إشارة واضحة إلى قوى التحالف الغربي ضد الإرهاب في أفغانستان، حملت الخارجية الروسية المسؤولية عن تلك «الحملة المنظمة» لقوى «خارج وداخل أفغانستان، غير مهتمة باستقرار الوضع هناك» تقوم بالترويج لتلك الأفكار «بغية أخذ الأنظار بعيداً عن المسؤولية (التي يحملونها) على أخطاء كثيرة ارتكبوها، على مدار ما يزيد على 16 عاماً من التواجد العسكري الأجنبي في أفغانستان».
اتهام روسيا بالتعاون مع حركة طالبان ليس بالأمر الجديد، وهو أمر يتحدث عنه كثيرون طيلة السنوات الماضية، وتجددت الاتهامات عقب اجتماع ثلاثي روسي - صيني - باكستاني استضافته موسكو نهاية العام الماضي لبحث الوضع في أفغانستان، لم يشارك فيه ممثلون عن كابل.
وفي تصريحات لها عقب ذلك الاجتماع، أكدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أن «الجانب الروسي مستعد لاعتماد أسلوب مرن في مسألة التخفيف المحتمل للعقوبات ضد طالبان»، وأضافت أن «الدول المشاركة في الاجتماع أعربت عن قلقها على خلفية تنامي نشاط المجموعات المتطرفة، بما في ذلك (داعش) في أفغانستان».
وقبل ذلك كان زامير كابولوف، المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الأزمة الأفغانية، قد قال في حوار صحافي إن «حركة طالبان تشعر أن (داعش) تحاول مثلما فعلت (القاعدة) استغلالهم»، وأكد أن «الحركة توجه ضربات جدية حالياً ضد تنظيم داعش»، وأضاف: «مصالح طالبان ودون أي تحفيز تتقاطع موضوعياً مع مصالحنا».
ورأى كثيرون في تلك التصريحات دلالة واضحة على الدعم الروسي لحركة طالبان، إذ اعتبر توماس جوسلين كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن روسيا توطد علاقاتها مع حركة طالبان أفغانستان، وتحض الدول على التعاون معها «في مخطط يهدف إلى إضعاف» حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأشار في تقرير موسع إلى أن الحجة التي يدفع بها الروس تقوم على أساس أن تنظيم داعش يمثل قوة «عالمية»، بينما طالبان ليست سوى حالة «محلية مزعجة»، ليستنتج بعد ذلك أن روسيا تعمل على تمكين دبلوماسية طالبان، انطلاقاً من فكرة أن «داعش» يشكل تهديدا أكثر خطورة وإثارة للقلق.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟