تفجيرات انتحارية وقذائف صاروخية تهز أمن دمشق الهش

سقوط عشرات القتلى والجرحى معظمهم من الزوار الشيعة العراقيين

سوريون يتفقدون موقع انفجارين استهدفا أحد الأحياء القديمة بدمشق أمس (أ.ف.ب)
سوريون يتفقدون موقع انفجارين استهدفا أحد الأحياء القديمة بدمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

تفجيرات انتحارية وقذائف صاروخية تهز أمن دمشق الهش

سوريون يتفقدون موقع انفجارين استهدفا أحد الأحياء القديمة بدمشق أمس (أ.ف.ب)
سوريون يتفقدون موقع انفجارين استهدفا أحد الأحياء القديمة بدمشق أمس (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السورية دمشق، أمس، واحدا من أكثر الاعتداءات دموية منذ اندلاع الأزمة في سوريا، استهدف زوارا شيعة عراقيين في أحد الأحياء القديمة، ما أدّى لمقتل وجرح العشرات.
وسبق التفجيرين اللذين استهدفا المنطقة، سقوط كثير من القذائف الصاروخية والهاون على أحياء داخل العاصمة. وظلت حصيلة قتلى التفجيرين اللذين استهدفا مقبرة الباب الصغير في حي الشاغور وسط دمشق بفارق ربع ساعة بينهما، ترتفع طوال ساعات أمس، حتى بلغت مساء 46 شخصا، بالإضافة إلى ما يزيد عن 120 جريحا.
وفيما نقلت وكالة «سانا» السورية الرسمية عن قيادة شرطة محافظة دمشق أن «إرهابيين فجروا عبوتين ناسفتين قرب مقبرة باب الصغير، ما أسفر عن ارتقاء شهداء ووقوع عشرات الإصابات وإلحاق أضرار مادية بالمقبرة والممتلكات العامة والخاصة»، أفادت قناة «المنار» التابعة لما يسمى «حزب الله» بأن انتحاريين فجرا حزاميهما الناسفين بالقرب من مقبرة الباب الصغير وسط دمشق، بفارق ربع ساعة، ما أسفر عن وقوع هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى، لافتة إلى إطلاق قذائف صاروخية وهاون على أحياء سكنية بدمشق ما تسبب بوقوع إصابات وأضرار مادية. وفي وقت لاحق، أشار التلفزيون السوري إلى أن «الجهات المختصة تمكنت من تعطيل كمية من المتفجرات موضوعة على دراجة نارية بالقرب من الباب الصغير بدمشق».
أما وزير داخلية النظام السوري محمد الشعار، فأشار من مكان وقوع التفجيرين إلى أن «العمل الإرهابي استهدف حافلة حجاج من عدد من الجنسيات العربية»، مشيرا إلى مقتل 40 شخصا من «المارة والحجيج الذي يدخلون إلى هذا المقام الجليل» فضلا عن إصابة 120 آخرين بجروح.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية العراقية أن التفجيرين في دمشق أسفرا عن مقتل وإصابة عشرات العراقيين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد جمال، في بيان، إن «الإحصاءات الأولية تشير إلى سقوط نحو 40 شهيداً عراقياً و120 جريحاً بعد استهداف حافلاتهم بعبوات ناسفة»، لافتا إلى أن الوزارة شكلت «خلية أزمة» بالتعاون مع السلطات السورية لإحصاء أسماء «الشهداء» والجرحى والعمل السريع لتوفير طائرة لنقل الجثامين.
وأظهرت صور بثها التلفزيون السوري الرسمي بقعا من الدماء على الأرض، وأحذية مبعثرة، ونظارات محطمة، فضلا عن حافلة احترقت أجزاء منها، وحافلات أخرى تساقط زجاج نوافذها واقتلعت أبوابها. وروى مصور وكالة الصحافة الفرنسية في المكان، أنه شاهد بركاً من الدماء في المنطقة التي فرض حولها طوق أمني. وقال أحد سكان الحي إن الانفجار الأول دوّى ثم تلاه الثاني بعدما تجمع الناس في المكان.
وتضم مقبرة باب الصغير أضرحة يعد بعضها مزارات دينية شيعية وسنية. وتشهد دمشق ومنطقة السيدة زينب جنوب العاصمة حركة سياحة دينية كثيفة، خصوصا للعراقيين والإيرانيين الشيعة، الذين يأتون رغم الحرب لزيارة المقامات الدينية. ويشار إلى أن الدفن في المقبرة المذكورة والتي تقع في الجهة الجنوبية لأحد الأبواب الأثرية السبعة لدمشق، والمسماة باسمه: «ما زال مستمرا حتى اليوم لجميع الدمشقيين، ويعد الأعلى تكلفة، إذ يزيد ثمن القبر عن 10 آلاف دولار أميركي، وغالبا ما تتوارث العائلات القبور فيها».
وفيما لم تتبن أي جهة حتى مساء أمس التفجيرين، لم تستبعد مصادر في المعارضة أن تكون «هيئة تحرير الشام» هي التي قامت بالعملية، مذكرة بأن قائدها أبو محمد الجولاني والذي تبنى في وقت سابق الاعتداءات الانتحارية التي استهدفت مقرين من أكبر المراكز الأمنية في مدينة حمص في وسط سوريا، وأدّت لمقتل العشرات بينهم رئيس فرع الأمن العسكري في المدينة العميد حسن دعبول نهاية شهر فبراير (شباط)، قد توعد بتنفيذ تفجيرات أخرى بعد حمص، معتبراً أن «هذا العمل ما هو إلا حلقة في سلسلة عمليات تأتي تباعاً».
وكان آخر هجوم انتحاري استهدف دمشق قد وقع في يناير (كانون الثاني)، تبنته جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وأسفر عن مقتل 10 أشخاص في حي كفرسوسة، الذي يضم مقرات أمنية واستخباراتية في دمشق. وفي 16 ديسمبر (كانون الأول) وقع انفجار في قسم للشرطة في وسط العاصمة، نجم عن تفجير حزام ناسف كانت ترتديه طفلة في السابعة من العمر.
ووقعت الاعتداءات الأكثر عنفا في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، التي تضم مقام السيدة زينب، وهو مقصد للسياحة الدينية في سوريا، وخصوصا من اتباع الطائفة الشيعية. وشهدت تلك المنطقة في فبراير 2016 تفجيرا ضخما، تبناه تنظيم داعش، وأوقع 134 قتيلا، بينهم على الأقل 90 مدنيا.
ووجهت وزارة خارجية النظام السوري رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مجلس الأمن، حول التفجيرين اللذين استهدفا مقبرة الباب الصغير، معتبرة أن «الاعتداء الإرهابي الجبان يأتي ردا على الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري على تنظيم داعش الإرهابي و(جبهة النصرة) والكيانات المرتبطة بهما، وتعبيرا عن رفض هذه التنظيمات للمصالحات التي شهدتها ويشهدها كثير من المناطق». من جهته، اعتبر ما يسمى «حزب الله» أن «الجريمة دليل على بُعد الإرهابيين عن الدين واتباعهم عقيدة تكفيرية لقتل المؤمنين»، مشددا على أن «المطلوب توحيد الجهود للقضاء على هذه العصابات التكفيرية التي تستغلها قوى دولية وإقليمية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.