الأدب الروسي... من قيود الرقابة إلى قوانين السوق

التغيرات السياسية تهيمن على النتاج الأدبي

ميخائيل بولغاكوف - غلاف «باتالوغيا» لـ {بريليبين}  - بوريس باسترناك
ميخائيل بولغاكوف - غلاف «باتالوغيا» لـ {بريليبين} - بوريس باسترناك
TT

الأدب الروسي... من قيود الرقابة إلى قوانين السوق

ميخائيل بولغاكوف - غلاف «باتالوغيا» لـ {بريليبين}  - بوريس باسترناك
ميخائيل بولغاكوف - غلاف «باتالوغيا» لـ {بريليبين} - بوريس باسترناك

كان الأدب في روسيا المجال الأول الذي تأثر بصورة واضحة وسريعة جدا بالتغيرات السياسية في البلاد مطلع التسعينات من القرن الماضي، حين أتاحت السلطات حرية التعبير، وحدّت بصورة كبيرة جداً من دور ومهام مؤسسات الرقابة الحكومية والحزبية. وجاء هذه كله في مرحلة بلغ فيها «الظمأ الأدبي» في المجتمع الروسي مستويات تشبه إلى حد بعيد وقوف إنسان على حافة الموت «ظمأً»، حيث كان هناك تعطش كبير جداً لقراءة مؤلفات محظورة لكتاب سوفيات، بعضهم يقيم في المهجر، وينشر كتبه في الغرب، بينما يصنف في وطنه «عدوا للأمة»، فضلا عن تعطش لقراءة الأدب والمنشورات الغربية، ذلك أن الغرب كان بمثابة لغز بالنسبة للمواطن السوفياتي، المحروم حتى من السفر خارج البلاد، إلا في حالات خاصة، بينما لم تكن تسمح بروباغاندا السلطات الشيوعية بنشر أي مؤلفات لكتاب غربيين، مهما كان نوعها.
ومنذ عام 1986 طرأت تحولات سريعة على الأدب في روسيا، وبرزت فيه مكونات رئيسية هي؛ أولاً: الأدب السوفياتي، حيث واصل عدد من كتاب الحقبة السوفياتية إصدار بعض المؤلفات، محاولين تكييف أفكار مؤلفاتهم ونصوصها الأدبية مع التحولات الجذرية الجارية في المجتمع. وثانياً: الأدب المعاصر، أي مؤلفات جيل تلك المرحلة من الكتاب. وثالثاً: الأدب المحظور، أي مؤلفات كتاب ما قبل الثورة الاشتراكية، ومؤلفات كتاب سوفيات، كانت محظورة في الحقبة السوفياتية، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى. رابعا: الأدب المترجم، حيث برز في البدايات اهتمام كبير بترجمة الروايات الاجتماعية وقصص الحب، والروايات البوليسية، ومع الوقت، استمر الاهتمام بذلك النوع من المؤلفات، لكن بمستويات أقل، مقابل دخول المؤلفات السياسية والتاريخية والعلمية البحثية إلى «سوق الأدب» في روسيا.
ولأول مرة بعد طول غياب، ظهرت في المكتبات الروسية مؤلفات كتاب وشعراء «الحقبة الفضية»، وهي الحقبة الممتدة من العقد الأخير في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، كما عادت إلى المكتبات الروسية مؤلفات كتاب مثل ألكسندر سولجينيتسين، الذي أصبحت عبارة «نعيش ليس بالكذب»، وهي عنوان أحد مؤلفاته، عنواناً عريضاً وشعاراً للنشاط الأدبي في تلك المرحلة. عندها، في عام 1990 نُشرت لأول مرة في الاتحاد السوفياتي روايته «أرخبيل غولاغ» كاملة، وهي رواية تتناول القمع في الاتحاد السوفياتي منذ الثورة البلشفية وحتى تولي نيكيتا خروشوف السلطة. وكانت مجلة «نوفي مير» (العالم الجديد) قد نشرت قبل ذلك، وتحديداً عام 1986، فصولا مختارة من تلك الرواية، التي كانت أحد أهم أعمال سولجينتسين، وسبب غضب السلطات السوفياتية عليه. وفي الوقت ذاته، صدرت لأول مرة رواية «دكتور زيفاغو» للكاتب السوفياتي الشهير بوريس باسترناك، الذي لم تكن علاقته دوما على ما يرام مع السلطات السوفياتية، واتهمته بأنه يتهجم في تلك الرواية على الثورة البلشفية. وزاد غضب الحزب الشيوعي السوفياتي على باسترناك حين فاز بجازة نوبل للآداب عن تلك الرواية، وقام الإعلام الرسمي بشن حملة واسعة ضده. ولم تقتصر قائمة الكتاب الذين عادت مؤلفاتهم إلى رفوف المكتبات الروسية في حقبة البريسترويكا على سولجينتسين وباسترناك، بل شمل الأمر عدداً كبيراً من الكتاب والمؤلفات التي كانت محظورة، مثل مؤلفات ميخائيل بولغاكوف صاحب «المعلم ومارغاريتا»، وحكاية «كروكوديل» (التمساح) للأطفال التي ألفها كورنيي تشيكوفسكي، وحظرها الحزب الشيوعي، فضلا عن ديوان «من ست كتب» للشاعرة آنا أخماتوفا، وكثير غيرهم.
في ذلك الوقت تحرر الأدب في روسيا من قيود الرقابة، لكنه أصبح محكوماً إلى حد بعيد بقوانين السوق، وأصبح الكتاب يأخذون بالحسبان مزاجية الشارع، خلال وضعهم المؤلفات الجديدة، حرصاً على تحقيق أكبر قدر ممكن من المبيعات. حينها كان التنافس قاسيا، كما هي قوانين السوق، بين المؤلفين والإصدارات الروسية من جانب، والمؤلفين والإصدارات الأجنبية المترجمة من جانب آخر، وكان وضع المؤلفين الشباب صعبا للغاية، لأن القارئ الروسي كان في بداية عصر الانفتاح يعطي الأولوية للكتب الأجنبية ومؤلفات الكتاب السوفيات المحظورين، ودفعته إلى ذلك حاجته للاطلاع على كل ما هو جديد وغير مألوف، ولم يُسمح له بالاطلاع عليه على مدار سبعة عقود من الزمن. ونظراً للرواج الكبير لروايات الدراما الغربية، مثل «ذهب مع الريح» وسلسلتها الكبيرة، والإقبال الكبير في الوقت ذاته على كتابات المؤلفين السوفيات المحظورين، الذين يحكون عبر الدراما أو الشعر معاناة المواطن البسيط في الحقبة السوفياتية، فقد برزت توجهات رئيسية في الأدب الروسي حينها، حاولت مجاراة «مزاجية السوق»، وبأسلوب الروايات البوليسية والدراما الغربية، فظهرت روايات تحكي قصص رجال العصابات في روسيا في حبكات تعتمد على التشويق، وتمتزج فيها الدراما مع البوليسي. وفي الوقت نفسه ظهرت مؤلفات تروي مزيدا من خفايا الحقبة السوفياتية، بعضها على شكل مؤلفات سياسية، تتضمن مذكرات شخصيات قيادية، وبعضها على شكل روايات.
إلا أن الأدب الروسي دخل خلال السنوات الأخيرة مرحلة «استعادة العافية»، وبدأت تظهر روايات ومؤلفات مميزة، ساهمت في بلورة هوية الأدب الروسي المعاصر، الذي أخذت ترتسم توجهاته الرئيسية، كما برزت أسماء لامعة لعدد من الكتاب الروس. ويمكن القول إن الأدب السياسي بشكل عام هو المهيمن في الأعمال الأدبية المعاصرة، ويعود ذلك لجملة أسباب رئيسية، في مقدمتها أن هذا الأدب يتناول موضوعات ما زالت محط اهتمام واسع في المجتمع الروسي؛ إذ يعرض الكُتاب بأسلوب روائي نقدي جوانب من تاريخ روسيا، وجوانب أخرى من حياتها السياسية في المرحلة الراهنة، فضلا عن ذلك، فقد أثبت الأدباء المهتمين بهذا المجال مهاراتهم الأدبية المميزة في صياغة رواياتهم، بما يلبي الذوق الرفيع للقراء الروس. ومن عام لآخر، يتقاسم الصدارة على قائمة أفضل روائي روسي عدد كبير من الكتاب الروائيين، منهم زاخارو بريليبين، وهو من مواليد مدينة نيجني نوفغورود عام 1975، وتخرج عام 1999 من قسم فقه اللغة بجامعة المدينة، ونشر كثيرا من المقالات والدراسات الأدبية، وعمل في عدد كبير من الدوريات الأدبية، وله نشاط سياسي، وهو بلشفي وطني، كان مناهضا لسياسة الكرملين، وبعد ضم القرم إلى روسيا أصبح من مؤيدي تلك السياسة، ويشارك حالياً في القتال جنوب شرقي أوكرانيا، إلى جانب الميليشيات المحلية التي تدعمها موسكو.
كتب كثيرا من الأعمال الروائية التي تتناول مراحل مختلفة من تاريخ روسيا السياسي، بما في ذلك روايات تناول فيها المرحلة الراهنة، وروايات أخرى حول الحرب في الشيشان، مثل روايته «حالة مرضية» أو «باتالوغيا»، فضلا عن روايات توقف فيها عند الحقبة السوفياتية، مثل رواية «المقيم» أو «أبيتيل»، ويعرض فيها واقع معسكرات الاعتقال في الثلاثينات من القرن الماضي. ومن أشهر رواياته: «سانكا» وهو لفظ تودد من الاسم الروسي «ساشا». تحكي الرواية قصة شاب عضو في حزب يساري أسسه أحد المفكرين القوميين الروس، وعندما تشتد المواجهة مع السلطات ينتقل الحزب إلى العمل السري. وقد رأى البعض في رواية «سانكا» دعوة يوجهها الكاتب لاعتماد العنف مع السلطات الروسية، التي يتهمها القوميون الروس بأنها «ليبرالية خاضعة للغرب». وفي تعليقه على تلك الرواية، يقول الكاتب الروائي والناقد الأدبي الروسي بافل باسينسكي: «الرواية جدية جدا، جدية لدرجة أنني كنت لأنصح مؤيدي السلطات بإلحاح أن يطلعوا عليها، على الأقل ليفهموا طبيعة جيل الشباب الذي عليهم العمل معه، وليدركوا من أين تظهر الرغبة بتحطيم (ماكدونالدزيات)، (في إشارة إلى المطاعم الغربية للوجبات السريعة)، والمحال التجارية الفاخرة وواجهات المطاعم، وفي نهاية المطاف السيطرة على المباني الإدارية في المدن الكبرى».
أعماله الأدبية حققت مبيعات عالية جداً، وجعلته عام 2014 يدخل قائمة أهم مائة شخصية روسية، وفي العام ذاته شغل المرتبة الثامنة على قائمة أفضل الكتاب الواعدين. وفي عام 2015 احتلت روايته «أبيتيل» المكانة الأولى على قائمة «الروايات الأكثر رواجاً وقراءة». في عام 2016 احتل المرتبة الثالثة في استطلاع للرأي حول أهم الأدباء الروس المعاصرين. أخيراً، تُرجمت أعماله ونشرت باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والصينية والدنماركية، والنرويجية والبولندية والبلغارية والرومانية والأرمينية. وإلى جانب بريليبين، هناك العشرات من الأدباء والروائيين الروس الذين يساهمون بإنجازات أدبية وشعرية مميزة، تجعلهم يتربعون على الصدارة في «مصنع» الأدب الروسي الحديث، ومنهم الكاتب بوريس آكونين الذي تميز بكتابه سلاسل خاصة؛ منها حكايات للأطفال الذكور، وأخرى للفتيات، وروايات في السياسة والحب، فضلا عن سلسة قصص بوليسية، وأخرى في الخيال، ورومان ساودولايف، وأليكسي إيفانوف، والروائية الداغستانية الشابة أليسا غانييفا، وديمتروي نوفيكوف... وغيرهم.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).