العنف الأسري على المسرح بأقبح وجوهه

«في بيت النساء» في أول عروضها بألمانيا

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

العنف الأسري على المسرح بأقبح وجوهه

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

حبس أزيز الرصاصة، التي انطلقت من مسدس صوت خلف الكواليس، أنفاس الجمهور لأكثر من دقيقة. ثم حل صمت ثقيل على القاعة أعقب عودة ماريا إلى المسرح وانهيارها مضرجة بالدماء بين يدي فائزة على الأرض.
انتهت مسرحية «في بيت النساء»، التي شاهدنا العرض الأول لها في مدينة مانهايم، ألمانيا بذروتها المأساوية، واضطر المخرج للتصفيق من وراء الكواليس كي يوقظ الجمهور المفجوع من المفاجأة، ويحرك أكفهم على بعضها. دام عرض مسرحية «في بيت النساء» ساعة، لكن بعض المتفرجين قالوا إنهم لم يحسوا بالوقت، وكانوا مستعدين لمتابعة العمل لساعة أخرى.
اجتذبت المسرحية، وهي من تأليف الكاتب المسرحي الزميل ماجد الخطيب وإخراج رياض القزويني، جمهورا كبيرا جلّه من النساء، فهي تتحدث عن النساء المضطهدات في «بيوت النساء» في ألمانيا، وعرضت قبل أيام قليلة من يوم المرأة العالمي، وبعد أيام قليلة من صدور دراسة جديدة عن العنف الأسري ومعاناة النساء منه.
وتستعرض المسرحية ليلة من حياة امرأتين في «بيت النساء»، والبيوت المذكورة عبارة عن بيوت «سرية» لحماية النساء المضطهدات من عنف أزواجهن، ومساعدتهن في مواصلة الحياة مجدداً. هربت المرأتان من عشيهما الزوجيين بسبب عنف الزوجين، باحثتين عن بداية جديدة وأمل جديد عبر إقامة مؤقتة في بيت من هذه البيوت. امرأتان، مع طفليهما، تعانيان العزلة وتتشاركان المعاناة ووحدة المصير.
تجتمع المرأتان في غرفة فائزة (العربية) مساء، بعد أن ينام الطفلان، للحديث عن معاناتهما وللاحتفال بعلاقة جديدة لفائزة مع رجل وسيم. تعبر ماريا (الأوروبية الشرقية) في البداية عن خوفها، لأنها شاهدت زوجها يحوم حول البيت يحمل مسدساً. ولا تعرف كيف حصل زوجها المتوحش على عنوان البيت الذي يفترض أن يكون سرياً.
ينتقل بنا المخرج رياض القزويني من لحظات البكاء واستعراض الندوب التي تركها الضرب المتوحش بالأحزمة والمطارق على جسديهما، إلى لحظات الرواق التي تنسجم فيها المرأتان وتحتفلان بسعادة فائزة القصيرة بصديقها الجديد، وترقصان على الموسيقى. وعمق المخرج هذه الانتقالات باستخدام الإنارة الني تدرجت بين اللون الأزرق البارد والأحمر، وبقع الضوء التي تلاحق المرأتين في حركتهما على المسرح وفي مخاطباتهما المباشرة للجمهور. واستخدم القزويني هاتفي المرأتين الجوالين كمصدر للإنارة على وجهي الممثلتين في عتمة المشهد.
تسرد فائزة لصديقتها ماريا حكاية تعرفها إلى الصديق الجديد في مركز للتسوق قرب بيت النساء. لا تعرف فائزة أن الصدفة جمعتها بزوج ماريا، المتوحش برداء الجنتلمان، الذي كان يحوم في المحلات ومواقف الحافلة القريبة من البيت مترصدا زوجته. وتنكشف المفارقة بعد أن تفتح فائزة النافذة بفخر وهي تشير إلى الرجل الذي قذف نافذتها، بحسب الاتفاق بين الاثنين، بحجر صغير.
تنقلب الحفلة إلى مأساة وعراك، تندب فيه فائزة حظها العاثر، وتنفعل فيه ماريا حد الانفجار. تواجه المرأتان الجمهور بعدها وتتساءل كل منهما عن سبب انفعالها هذا، وعن الخوف المتجذر في أعماقهما من العنف والضرب. لا تريد ماريا بالتأكيد استعادة الزوج الذي دمرها جسديا ونفسياً، ولا تريد لفائزة أن تبدأ حياة كاذبة مع رجل جديد أعنف من زوجها الذي هربت منه. ولا تجد فائزة مفرا من البحث عن صديق جديد قد يعوضها عن مأساة زواجها الأول.
تستعيد بعدها ماريا رباطة جأشها، وتقرر أن تواجه الخوف مباشرة. «ما عدت خائفة... سأذهب إليه»، تقولها، بهدوء وتهرع إلى الخارج. وبعد دقيقة أو دقيقتين نسمع صوت الرصاصة الفاجع، ومن ثم عودة ماريا وهي ملطخة بالدماء.
وننتقل إلى مشهد آخر، نرى فيه مديرة بيت النساء وهي تتحدث مع الشرطة الذين يودون إرسال امرأة جديدة هاربة من العنف إلى البيت المليء بالنساء والأطفال. لكن حضور الرجل على المسرح كان دائماً، سواء من خلال الندوب الظاهرة على جسمي المرأتين، أو من خلال حديثيهما، أو متجسدا في الكابوس الذي تراه فائزة وهي تصرخ: «لا... أرجوك لا تضربني». والرجل هنا هو سبب وجود المرأتين في بيت النساء، وهو سبب انسجامهما في البداية، وسبب شجارهما في النهاية.
استخدم المخرج القزويني قطع أثاث قليلة ومعبرة في ديكور بسيط على المسرح، وهو عبارة عن كنبة ومنضدة وجهاز ستيريو صغير وباب وشباك. وبدأ البناء الدرامي كلاسيكيا في تصاعد المشاهد وإيقاعها وصولا إلى الذروة في المشهد الأخير. وهي الخاتمة الكلاسيكية التي تتكشف فيها مصائر الشخصيات عادة.
ترك العرض المسرحي أثرا ظاهرا في الجمهور الذي بقي، لساعة كاملة بعد العرض، يناقش في القاعة وفي الدهاليز ظاهرة العنف ضد النساء وأسبابها. وصفق الجمهور طويلا للممثلات اللاتي قدمن أفضل مهاراتهن التمثيلية في تجسيد الشخصيات. وكانت حصة المخرج، وتقني الإنارة، كبيرة أيضا من التصفيق الذي استمر لعدة دقائق.
عرضت «في بيت النساء» على مسرح قسم الآداب والفنون في معهد ألانوس العالي في مدينة مانهايم. وأدى الأدوار: روض الخطيب – شوتس (ماريا)، وندى صبح (فائزة)، وإيزابيلا كابيلاكس (مديرة بيت النساء) بإبداع وحرفية. وأشرف أحمد الخطيب على تنفيذ الإنارة والتقنيات والديكور بمهارة وتناسق أضافا بعدا إبداعيا للعمل المسرحي.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.