قضاة تونس يواصلون الاحتجاج ضد أوضاعهم المالية والمهنية

دخل قضاة تونس أمس في إضراب عام لمدة يومين بجميع المحاكم التونسية «احتجاجا على انسداد قنوات الحوار مع الحكومة ووزارة العدل، وتراجع الأوضاع المادية للقضاة وتردي ظروف عملهم، وتواصل أزمة المجلس الأعلى للقضاء»، وفق تصريح روضة القرافي، رئيسة جمعية القضاة التونسيين.
ويأتي هذا الإضراب، الذي دعت له جمعية القضاة، للاحتجاج على الأزمة المستفحلة منذ نحو ستة أشهر بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وبسبب عدم التوصل إلى حل لاستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، الذي انتخب بشكل مستقل لأول مرة في تاريخ القضاء التونسي.
وأكدت القرافي في تصريح لوسائل الإعلام المحلية تردي وضعية بنايات المحاكم، موضحة أن بعضها آيل للسقوط، واشتكت من ضيق مكاتب القضاة وتفاقم مشكلاتهم الإدارية اليومية، وهي مشكلات كانت مطروحة على الحكومة في غياب هيكل المجلس الأعلى للقضاء، الطرف الذي يخول له عرض مثل هذه الاقتراحات على السلطات القائمة.
وطالب القضاة خلال وقفات احتجاجية نظمت على هامش هذا الإضراب، رئيس الحكومة يوسف الشاهد بضرورة استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، وتمسكوا بضرورة تحييد القضاء عن التجاذبات السياسية والحفاظ على استقلاليته عن السلطة التنفيذية، ورفعوا شعارات منددة بتأخر تركيز المجلس الأعلى للقضاء، كما عبر القضاة عن رفضهم للمبادرة الحكومية التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان، حيث نفذوا في 27 من فبراير (شباط) الماضي إضرابا عاما حضوريا في جميع المحاكم قبل أن يعودوا للإضراب للأسباب نفسها.
وتنص المبادرة التي أعدتها الحكومة على ضرورة انتخاب رئيس ونائب رئيس مؤقتين بالمجلس الأعلى للقضاء لممارسة مهامهما، إلى حين سد الشغور وانتخاب رئيس ونائب له. كما تتم الدعوة لانعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للقضاء من قبل رئيس مجلس النواب (البرلمان) في أجل أقصاه 10 أيام من دخول هذا القانون حيز النفاذ، وهي مبادرة لم تلق موافقة القضاة والهياكل الممثلة لهم.
وتتنافس المبادرة الحكومية مع مبادرة صادرة عن ثلاثة من القضاة المعينين بالصفة في المجلس الأعلى للقضاء وقدموا عددا من الترشحات إلى رئيس الحكومة، التي رفضها، وأعلن مبادرة أخرى مغايرة عنها. ويخشى القضاة من استغلال وضعية الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين بحجة أنها تعاني من شغور في منصب الرئيس بعد إحالته إلى التقاعد، وشغور في منصب نائبه الأول، وهو الرئيس الأول لدائرة المحاسبات، وتؤكد استحالة الطعن في المبادرة التي تقدمت بها الحكومة في حال المصادقة عليها من قبل البرلمان.
وبشأن الحل القانوني لهذا الإشكال، أشارت القرافي إلى ضرورة التسريع وتحمل رئاسة الحكومة مسؤوليتها عن توقيع أوامر تسمية القضاة، الذين ستكتمل بتسميتهم تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وتتم الدعوة لانعقاده طبقا للدستور.
وخلال جلسة الاستماع لوزير العدل، غازي الجريبي، التي انعقدت داخل لجنة التشريع العام في البرلمان، والتي خصصت للنظر في المبادرة التي أعدتها الحكومة، قال المنجي الرحوي، النائب عن الجبهة الشعبية المعارضة، إن الجبهة ترفض مبادرة الحكومة ولا ترى فيها حلا مناسبا للأزمة، واعتبر مبادرة الحكومة «خطوة بمثابة التفاف على المسار الديمقراطي وتنصل السلطة التنفيذية من تحمل مسؤولياتها» على حد تعبيره.
ويشهد مسار إرساء المجلس الأعلى للقضاء تعثرا منذ تاريخ إعلان النتائج النهائية لانتخاب أعضائه، التي صدرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب مجلس قضائي، فضلا عن الأزمة التي أحدثها تقاعد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ورئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتتهم جمعية القضاة حكومة يوسف الشاهد بعرقلة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، بسبب رفضه التوقيع على مقترحات تقدم بها القضاة لسد الشغورات الحاصلة، وتدعو إلى الإسراع في تركيز المجلس الأعلى للقضاء بوصفه الجهة الوحيدة المخولة قانونا للبت في المسار المهني للقضاة.