مصادر فرنسية: فوضى تضرب الإدارة الأميركية... وتذبذب في الملف السوري

باريس تتساءل عما سترسو عليه المساومات بين واشنطن وموسكو وأنقرة وطهران

هدى، مديرة مؤسسة «نساء الغوطة» الخيرية أمام مكتبها، أمس، في بلدة دوما المحاصرة بريف دمشق الشرقي (إ.ب.أ)
هدى، مديرة مؤسسة «نساء الغوطة» الخيرية أمام مكتبها، أمس، في بلدة دوما المحاصرة بريف دمشق الشرقي (إ.ب.أ)
TT

مصادر فرنسية: فوضى تضرب الإدارة الأميركية... وتذبذب في الملف السوري

هدى، مديرة مؤسسة «نساء الغوطة» الخيرية أمام مكتبها، أمس، في بلدة دوما المحاصرة بريف دمشق الشرقي (إ.ب.أ)
هدى، مديرة مؤسسة «نساء الغوطة» الخيرية أمام مكتبها، أمس، في بلدة دوما المحاصرة بريف دمشق الشرقي (إ.ب.أ)

بعد مرور نحو أربعين يوما على تسلم إدارة الرئيس دونالد ترمب مقاليد الولايات المتحدة الأميركية، ما زالت كثير من العواصم وعلى رأسها باريس تتساءل عن فحوى السياسة التي تنوي واشنطن اتباعها في الشرق الأوسط، وتحديدا إزاء الملف السوري وتشعباته إقليميا ودوليا.
وتتعاقب الزيارات لكبار الموظفين في الخارجية الفرنسية إلى واشنطن وكذلك البعثات الأميركية إلى أوروبا. ووفق مصادر واسعة الاطلاع في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن الشعور الذي يستخلص من هذه اللقاءات، مفاده بأن ثمة «فوضى عارمة» تضرب سياسة واشنطن في المنطقة وتذبذبا في الملف السوري. وتعزو باريس تخبط الدبلوماسية الأميركية التي ما زالت تتلمس خطواتها، لسببين رئيسيين: الأول، أن أحدا لا يعرف حقيقة ما يفكر به الرئيس الأميركي أو حتى ما الخطوط العريضة التي يريد لإدارته أن تسير ضمنها في الشرق الأوسط، باستثناء أمرين واضحين: الأول، هو الدعم اللامحدود لإسرائيل، وإن كان لا يعني التبني المطلق لمطالبها وطروحاتها. والثاني، الرغبة في «مواجهة إيران وليس فقط في احتوائها»، أكان ذلك بخصوص الملف النووي والباليستي أو بشأن سياستها الإقليمية وتدخلها في العراق وسوريا واليمن.
تقول المصادر الدبلوماسية الفرنسية، إن المشكلة الرئيسية في البيت الأبيض تكمن في «منهج» ترمب في العمل. فهو من جهة «لا يستمع إلا إلى فئة محدودة من المستشارين». ومن جهة أخرى، فإن الخارجية التي يرأسها ريكس تيلرسون يفترض أن يكون لها الدور الأول في السياسية الخارجية. لكن الحقيقة أنها «مهمشة إلى حد بعيد» في الملفات الحساسة التي تدار مباشرة من البيت الأبيض. وتلجأ هذه المصادر إلى تشبيه يفيد بأن قرار السياسة الأميركية يتكون من ثلاث طبقات، أدناها وزارتا الخارجية والدفاع والوكالات المتخصصة، وفوقها طبقة المستشارين وعلى رأسهم الثلاثي ستيفان بانون المستشار الاستراتيجي، وغاريد كوشنر صهر ترمب وزوج ابنته إيفانكا، ورينس برايبوس مدير مكتب الرئيس. والمشكلة بالنسبة لهؤلاء، وفق المصادر الفرنسية، أنهم «يتنافسون على الانفراد بأذن ترمب»، ما يفسر التضارب وأحيانا التناقضات فيما يصدر عن البيت الأبيض. أما الطبقة الأخيرة فيتربع عليها ترمب الذي «لا يمكن التنبؤ بما قد يصدر عنه صباحا ومساء». أما السبب الآخر لـ«الضياع» الأميركي فمرده إلى أن الفريق الجديد المكلف بالإشراف على السياسة الخارجية وتحديدا في مناطق النزاع الشرق أوسطي لم يكتمل بعد. يضاف إلى ذلك أن التقرير الذي طلبه ترمب من وزارة الدفاع يركز على الشؤون العسكرية بالدرجة الأولى، وتحديدا على كيفية تكثيف الحرب على «داعش» في العراق وسوريا، ولا يتناول الجوانب السياسية والدبلوماسية التي لا يمكن فصلها عن الجوانب العسكرية.
ترى المصادر الدبلوماسية الفرنسية أنه فيما يخص السياسة الأميركية هناك «كثير من الأسئلة والقليل من الإجابات وكثير من الغموض». وقد انعكس هذا الواقع على موقف المندوب الأميركي المسؤول عن الملف مايكل راتني الذي رافق محادثات «جنيف4». ووفق ما أفاد به زميل غربي له شارك في الاجتماعات الرسمية واللقاءات الجانبية، فإن راتني كان «قليل الكلام»، وقد اكتفى بشكل عام بتكرار «العموميات الأميركية». وبالمقابل، فإن الوفد الروسي برئاسة غينادي غاتيلوف كان دائم الحركة ومتواصل مع جميع الأطراف الموجودة في جنيف بما فيها وفد الهيئة العليا للمفاوضات، لا بل إنه «أمسك بالاتصالات الدبلوماسية».
تطرح الدبلوماسية الفرنسية، إلى جانب توجهات السياسة الأميركية، مجموعة من التساؤلات التي لها انعكاساتها المباشرة على مستقبل الحرب في سوريا، وأهمها وفق المصادر الفرنسية، صورة «المعادلة الرباعية» التي سترسو عليها المساومات الأميركية - الروسية - التركية - الإيرانية والتي ترى أن تأثيرها سيكون «حاسما» على الملف السوري. وفي هذا السياق، ثمة من يعتبر في باريس أن الرغبة الأميركية المستجدة في التعاون مع روسيا «التي لم تتضح حدودها بعد» من جهة، والعزم الأميركي على تغيير التعاطي الأميركي السابق مع طهران، من شأنهما أن يدفعا إلى فك التحالف «الظرفي» بين موسكو وطهران. وتضيف هذه المصادر أن لروسيا «مصالحها الخاصة في سوريا والمنطقة، ولا يلائمها أن تكون اليد العليا فيها لإيران». وقد ظهر ذلك بوضوح في معركة حلب وفي عمليات وقف النار التي أعلنتها روسيا والتي لم تحترمها الميليشيات التابعة لإيران. وخلاصة باريس أن الضغوط الأميركية من جهة ورغبة الرئيس الروسي في تحويل المكاسب العسكرية في سوريا وترجمتها على طاولة المفاوضات «تجعل من الضروري التفاهم مع بوتين على الحل السياسي في سوريا». لكن المشكلة حتى الآن، كما تراها باريس، أن إدارة ترمب «لم تطرح أي شيء ملموس على موسكو» التي تبدو مستعجلة في فتح حوار روسي - أميركي، بينما تريد واشنطن أن «تأخذ وقتها» قبل أن تقدم أفكارا أو مشاريع تعاون في سوريا.
أما بالنسبة لإيران، فإن رغبتها في التقارب مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية لمواجهة «التضييق الأميركي»، يوفر للأوروبيين الفرصة لمطالبة طهران بأن تغير «أداءها» إزاء البؤر المتفجرة في المنطقة، وعلى رأسها الحرب في سوريا. لكن كثيرا من المراقبين في باريس يبدون غير مقتنعين بهذه المقاربة، ويعتبرون أن طهران التي وقعت الاتفاق النووي مع مجموعة «خمسة زائد واحد» منذ شهر يوليو (تموز) عام 2015 «لم تصدر عنها المؤشرات التي تدل أنها راغبة بنهج جديد في علاقاتها الإقليمية». ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك بترجيحهم أن تكون طهران «أقل ميلا اليوم للتعاون مما كانت عليه في الماضي»، لأنها تريد الاحتفاظ بالأوراق التي يمكن أن تساوم عليها مع الإدارة الأميركية الجديدة.
هكذا تبدو صورة الوضع في سوريا اليوم، قبل انعقاد «آستانة3»، ولاحقا «جنيف5» أكثر تعقيدا. ولن تنجلي الصورة إلا بعد أن تحدد واشنطن سلم أولوياتها والوسائل التي ستعبئها لتحقيق أهدافها وكيفية تعاطيها مع الأطراف الأخرى التي استفادت حتى الآن وعلى رأسها روسيا من «الانكفاء» الأميركي من المنطقة.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.