المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين

الآيديولوجيات المختلفة بين فتح وحماس تثير الشكوك حول وحدة حقيقية

المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين
TT

المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين

المصالحة الفلسطينية.. وعقدة الدولتين

لا يعني التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس أنها تحققت فعلا، ففي مرات كثيرة سابقة وقع الطرفان أكثر من اتفاق، وزفا البشرى واحتفلا، لكنهما سرعان ما عادا واختلفا مرة ثانية. ولا يعني هذا أيضا أن الاتفاق لن يرى النور.
لكن التطبيق العملي على الأرض هو المحك الحقيقي لاختبار نوايا الطرفين وجديتهما في إنهاء 7 سنوات من الخلافات الطاحنة التي قسمت الفلسطينيين في الضفة وغزة وفي كل مكان.
أمام الفلسطينيين الآن 4 أسابيع فقط من أجل اختبار النوايا، بعدما مضى أسبوع على توقيع المصالحة التي تنص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية، خلال خمسة أسابيع، تكون مهمتها التحضير لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية بعد 6 شهور على الأقل، وتعالج كل القضايا الخلافية الأخرى المتعلقة بملفات الحريات العامة والأمن والتوظيف الاعتقال السياسي والإعلام. ولعل عقدة العقد الآن التي تواجه الطرفين هي وجود دولتين صغيرتين محاصرتين ومختلفتين آيديولوجيا في الضفة وغزة، تعمل كل واحدة في اتجاه.. وإذا كان واقع هاتين الدولتين يجبرهما على التوحد، أو كما يقول مراقبون «غريق يستنجد بغريق»، فكيف سيكون الحال إذا تغير الحال وتبدلت المعادلات السياسية.. فهل سيبقى حلم الوحدة قائما بينهما؟.. هذا السؤال يحاول السياسيون الإجابة عنه.
عمليا بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي يتوقع أن يرأس الحكومة الجديدة المؤقتة، مشاوراته من أجل تشكيل الحكومة، مؤكدا أنه لن يتراجع عن المصالحة على الرغم من كل الضغوطات. وقبل أيام قليلة أبلغ عباس أعضاء في المجلس المركزي لمنظمة التحرير بأنه ماض في طريق المصالحة على الرغم من أنه يتوقع شهورا صعبة سياسيا وماليا.
وينطلق عباس في موقفه هذا من الانتصار الذي حققه الاتفاق للسلطة الفلسطينية في رام الله التي تمر بأزمة سياسية كبيرة، إذ من شأنه أن يعيد للرئيس الفلسطيني السيطرة على كل المناطق الفلسطينية.
ومن دون شك فإن الاتفاق كذلك شكل لحماس المحاصرة في قطاع غزة انتصارا آخر بإخراجها من عزلتها المتزايدة. لكن إسرائيل الطرف الأقوى، ما زالت تتربص بهذه الانتصارات. وخلال الأيام القليلة الماضية، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس عباس بأنه إما السلام مع إسرائيل وإما الحركة الإسلامية المعادية لإسرائيل. كما هاجم وزراء إسرائيليون آخرون اتفاق المصالحة الفلسطينية، وعدوه إنهاء للمفاوضات. بل ذهبت إسرائيل إلى حد فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، ومن بينها وقف المفاوضات وفرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى انهيارها، وإطلاق حملة دولية ضد أبو مازن بصفته ليس شريكا للسلام.
ومن بين العقوبات التي طبقتها إسرائيل استقطاع الديون المستحقة لشركات إسرائيلية من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، ووقف مخططات البناء الفلسطيني في مناطق «سي» في الضفة الغربية. أما العقوبات المتوقعة فتتمثل في سحب بطاقات الشخصيات المهمة من رجال السلطة وتعطيل الاتفاقات الاقتصادية ووقف مشاريع تطوير الاتصالات والبنى التحتية واستخراج الغاز من باطن الأرض.
وشرعت إسرائيل في معاقبة السلطة فعلا، مع انتهاء المهلة المحددة للمفاوضات الحالية في 29 من هذا الشهر (أمس الثلاثاء)، والتي مرت دون أي اتفاق. وتبادل الطرفان مع انتهاء يوم الثلاثاء الاتهامات بشأن إفشال العملية السلمية. واتهم نتنياهو الفلسطينيين بالهروب من اتفاق السلام المنتظر إلى مصالحة مع حماس، وقال نتنياهو إن «من يختار الإرهاب الحمساوي لا يريد السلام».
وكان نتنياهو تحدث لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في مباحثات أجريت عبر الهاتف، وقال له «يدور الحديث عن نمط سلوك فلسطيني معروف.. في كل مرة يطلب منهم اتخاذ قرارات يهربون». أما الفلسطينيون فحملوا إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات.
وفي هذا الوقت، تنتظر إسرائيل فشل اتفاق المصالحة مع حماس من أجل استئناف العملية التفاوضية، فيما ينتظر الفلسطينيون ردا إسرائيليا على شروط استئناف المفاوضات التي تتمثل في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ووقف الاستيطان وقفا تماما، والبدء بمناقشة مسألة ترسيم الحدود لمدة 3 أشهر، تتلوها مناقشة الملفات الأخرى.
وأمام هذا الوضع، تبدو عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات دون تدخل أميركي فاعل مسألة شبه مستحيلة في وقت قريب.
القطب الليكودي، عضو الكنيست تساحي هنغبي، قال إن «إسرائيل تعيش الآن حالة من الترقب. نحن نتريث على أمل ألا تشارك حركة حماس في القيادة الفلسطينية». لكن الفلسطينيين يرفضون ربط المصالحة بالمفاوضات.
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن «المصالحة الفلسطينية شأن داخلي ومصلحة فلسطينية عليا، ولا يمكن الحديث عن تحقيق السلام أو تكريس مبدأ الدولتين أو المضي قدما في الاتصالات حولها دون تحقيق المصالحة». وأضاف «المصالحة الفلسطينية يجب أن تتم وتستمر».
وكان عباس رفض الربط بين اتفاق المصالحة مع حماس والمفاوضات مع إسرائيل. ويرى عباس أنه «لا يوجد تناقض بتاتا بين المصالحة والمفاوضات، خاصة أننا ملتزمون بإقامة سلام عادل قائم على أساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية». وأكد عباس أن الحكومة المرتقبة ستعترف بإسرائيل وستنبذ العنف. وردت حماس بقولها إن الحكومة ليست لها علاقة بالسياسة ولا المتطلبات الدولية. صحيح أن رد حماس لم يكن هجوميا، لكنه يحمل في طياته بذور الخلاف.
والخلاف حول دور الحكومة القادمة قد يكون واحدا من أسباب كثيرة ما زالت تثير الشكوك عن الفلسطينيين. ويعتقد الفلسطينيون أن تمسك حماس بدولة غزة وتمسك فتح بدولة الضفة الغربية قد يعوقان اتفاق المصالحة. وثمة نكتة في الشارع الفلسطيني تقول إن كلا منهما يسعى إلى التوسع عبر ضم دولة الآخر إلى دولته، وليس إلى المصالحة.
> فماذا عن دولة الضفة الغربية؟
تتحكم فيها حركة فتح بالطول والعرض. وهذا الأسبوع فقط شكل المجلس المركزي لمنظمة التحرير لجنة لبحث إعلان الدولة على الضفة وغزة، عبر تغيير مسمى السلطة إلى دولة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية للدولة وليس للسلطة. أي التحول إلى دولة حقيقية. لكن هذا يبدو بعيد المنال دون أن توافق دولة غزة.
> وماذا عن دولة غزة؟
يتضح من تصريحات مسؤولين كثر في حماس أن عين الحركة الإسلامية الآن ينصب على كل الدولة وليس فقط غزة. وقال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحماس، أمس، إن حركته قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة وتدرس المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وفي كل الأحوال حتى تتأكد حماس من ذلك فلن تغادر دولتها.
وعلى الرغم من إعلان الحركة الحاكمة في قطاع غزة، أكثر من مرة، أنها لم تسع إلى إقامة دولتها الخاصة هناك، فإن الواقع على الأرض يكشف عكس ذلك، فلم تترك الحركة الإسلامية شأنا من شؤون الدولة إلا أقامته (حكومة كبيرة، شرطة بكل تخصصاتها وأقسامها، نيابة مدنية وأخرى عسكرية، مجلس قضاء ومحاكم، سجون فوق وتحت الأرض، وجيش كامل يتمثل في كتائب القسام الجناح العسكري للحركة). صحيح أن هذه الدولة هي دولة «افتراضية»، صغيرة ومحاصرة من كل حدب وصوب، لكن قد يكون عزاء حماس الوحيد أن نظيرتها اللدودة، حركة فتح، تقيم هي الأخرى دولة في رام الله، دولة صغيرة أخرى تحت الاحتلال مقطعة ومنعزلة. وبعيدا عن الاختلاف السياسي الطاحن بين الدولتين، والذي تسبب في إراقة دماء كثيرة في أوقات سابقة، يوجد اختلاف آيديولوجي عميق يجعل التوحد كذلك بمعناه الحقيقي صعبا بعض الشيء، ويثير أسئلة حول هوية الدولة في ظل هذا الاختلاف الكبير.
وعلى الأقل فإن حماس متهمة من «الجميع» تقريبا، بمحاولة فرض آيديولوجيتها الدينية على سكان غزة بالقوة، فيما لا تتدخل فتح إلى حد ما في حياة الناس الخاصة في الضفة. وفي الضفة الغربية مثلا، أينما ذهبت في شوارع رام الله أو بيت لحم أو نابلس، تجد دعوات إلى حضور مهرجانات راقصة، وعروض مسرحية جديدة أجنبية وعربية، وأفلام ما زالت تعرض في سينمات عريقة، ووصلات راب، ومطاعم وخيم ومتنزهات فاخرة وغربية، يقضي فيها شبان وشابات وعائلات أوقاتا طويلة في شرب النرجيلة، وملاه ليلية، وملاعب بولينغ، وبطولات لكرة القدم وأخرى للكرة النسوية، ورالي سيارات تشارك فيه نساء. وحتى الفضائيات التي تبث من رام الله تركز أكثر على المواضيع الترفيهية. ويمكن القول إنه توجد حرية معقولة، ولا أحد يتدخل في حياة أحد.
لكن في غزة توجد حياة أخرى. تمنع حماس النساء والشبان الصغار من تدخين «الشيشة» (النرجيلة) في الأماكن العامة، وتعتقل لساعات أصحاب قصات الشعر الغربية، وأصحاب «السراويل الساحلة»، وتوقف كل شخصين مشتبه بهما وتسأل عن هوياتهما للتأكد من طبيعة العلاقة بينهما، ويجري كل ذلك تحت مسمى حملات «الفضيلة» التي تشنها وزارة الداخلية دون أن تتبناها رسميا. أما الفضائيات التي تبث من غزة فتركز على الشؤون السياسية والدينية أكثر من أي شيء آخر إن وجد أصلا. وطالما اتخذت فصائل فلسطينية ومنظمات حقوقية من تصرفات حماس هذه دليلا على سعي الحركة لفرض دولة دينية على الناس. وعلى الرغم من نفي حماس المتكرر لذلك، فإن مشروع الحركة الأخير، المتعلق بسن قانون عقوبات خاص، عزز إلى حد كبير هذه الاتهامات ضدها.
صحيح أن القانون لم يقر بعد ولم يعرض على الملأ بشكل نهائي، لكن نسخة حصلت عليها «الشرق الأوسط» تكشف إلى أي حد جنحت حماس نحو تطبيق حكم إسلامي خالص. وتظهر جولة سريعة على القانون الذي نشرت «الشرق الأوسط» بعض بنوده في السابق إصرار حماس على التعامل مع نفسها كدولة، لها مياه وأجواء إقليمية ورئيس، إضافة إلى معاقبة الناس وفق الطريقة التي تراها الحركة صحيحة، عبر الجلد وقطع اليد. وحذرت فصائل فلسطينية وحقوقيون ومؤسسات مجتمع مدني من نوايا حماس الجديدة القديمة. وقالت حركة فتح إن القانون المذكور يعمق الانقسام الفلسطيني ويؤسس لإمارة ظلامية، وهاجمته الجبهة الشعبية قائلة بأنها ترفض فرض حماس لآيديولوجيتها الخاصة على الناس.
وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، صالح زيدان، لـ«الشرق الأوسط»: «حماس تحاول أخذ المجتمع الفلسطيني لدولة دينية تقيمها تحت قيادتها». وأضاف «يمثل هذا نقيض السلطة والدولة المدنية الديمقراطية التي يمثلها إعلان الاستقلال». وعد زيدان القوانين الجديدة التي تحاول حماس إقرارها أكبر مثال على نية حماس فرض آيديولوجيتها على الناس، قائلا إن ذلك يشكل تناقضا كبيرا مع قوانين الحياة العامة والقانون الأساسي الفلسطيني.
وكان يفترض أن يناقش المجلس التشريعي لحماس هذا الشهر أو الذي يليه مسألة تعديل قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936، لكن مع توقيع المصالحة الآن فعلى حماس الانتظار قليلا، فإما تنجح المصالحة وتسعى الحركة إلى تمرير القانون على كل الدولة، أو تفشل فتمرره في القطاع.
لكن القيادي في الجبهة الشعبية، كايد الغول، قال إن تغيير قانون العقوبات بحاجة للانسجام مع الواقع الراهن، دون فرض آيديولوجيات معينة على مجتمع متعدد الثقافات والرؤى السياسية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يحق لأحد إصدار أي قوانين كتلك التي تتم دراستها ومحاولة إقرارها في غزة منذ سنوات، وتبرير ذلك بهدف القضاء على الجريمة وردع الجناة».
وحاول قياديون في حماس التخفيف من وطأة الجدل الكبير بشأن القانون، ونفوا أنه مرتبط بمحاولات فرض أحكام الشريعة الإسلامية. وقال رئيس كتلة حماس البرلمانية، فرج الغول، إن حركته لا تسعى لإقامة دولة خاصة بها في غزة، متهما جهات لم يسمها «بمحاولة تأليب الفلسطينيين على حماس من خلال التأثير عليهم بحجة إقرار قوانين حمساوية». وفق وصفه. وأشار الغول في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى ضرورة إجراء التعديلات على قانون العقوبات المعمول به فلسطينيا، وتطويره بهدف التماشي مع الجرائم المختلفة والتي تزداد في ظل التطور التكنولوجي، لافتا إلى أن هناك جرائم يفتقد القانون الحالي المعاقبة عليها كتلك الخاصة بالعمل الإلكتروني على مختلف أوجهه.
وذكر الغول أن القانون لا يزال تحت الدراسة، وأنه لن يقر إلا بموافقة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني التي قال إنه سيتم مناقشته معها قبيل إقراره. وردا على سؤال حول محاولة فرض عقوبات الجلد وقطع اليد، قال الغول «الجلد وقطع اليد محددات عقابية وردت في القرآن الكريم الذي هو أساس التشريع في بلاد المسلمين»، مشيرا لاستخدام بعض الدول تلك المحددات في قوانينها التشريعية حتى الآن. ورفض الغول القول بأن إقرار حماس للقوانين سيعد من الخطوات المؤثرة سلبا على الانقسام، بل قال إنه يجب تطبيق هذه القوانين على كل الأراضي الفلسطينية.
وفي هذا الوقت الذي يثار فيه الجدل عاليا بسبب القانون، حذرت منظمات حقوقية مما هو أبعد من مجرد فرض آيديولوجيا خاصة بحماس على المجتمع. وقال الناشط الحقوقي جميل سرحان إن القانون المقترح لا يتماشى مع الواقع الإنساني والوسائل العقابية الحديثة المستخدمة في دول العالم. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حماس تحاول أسلمة هذه القوانين»، مشددا على عدم قانونية إقرار حماس أي قوانين في ظل وضع الانقسام الفلسطيني.
وتابع أن «القانون الجديد يحتوي على مواد تتيح اتهام الخصوم من الساسة بالإرهاب، أو الصحافيين بإثارة القلاقل وإلحاق الضرر بمصالح البلاد»، واصفا ذلك بأنه تقييد كبير للحريات وغير مقبول. وطالب سرحان قيادة حماس بالالتزام بالوعود التي قدموها لمنظمات المجتمع المدني بمناقشة القانون الجديد وتعديله قبيل إقراره. وينص القانون المعدل البديل، بشكل صريح، على استخدام عقوبة الجلد، ويشير إلى استخدام عقوبة قطع اليد، كما يعالج قضايا «الإرهاب» تحت بند خاص. وفي باب الجنايات، يتيح القانون إعدام المتهمين، وسجنهم بالمؤبد والمؤقت بما لا يقل عن 3 سنوات ولا يزيد على 15 سنة. إضافة إلى استخدام عقوبة الجلد بما يتجاوز 40 جلدة. وفي باب الجنح، يتيح القانون سجن المتهمين كأقصى حد 3 سنوات وأقله أسبوع، على أن تكون الغرامة في حدود 50 دينارا أردنيا، واستخدام عقوبة الجلد بما يزيد على 40 جلدة.
ولم تقتصر الخلافات حول القانون الجديد على رفض الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني له، بل وصلت الخلافات إلى داخل الحركة نفسها. وفاجأ القيادي موسى أبو مرزوق متابعيه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بإعلانه رفض أي تشريعات جديدة يشرعها البرلمان الحالي في غزة. وقال أبو مرزوق «أعضاء المجلس التشريعي في غزة هم جزء من المجلس التشريعي الذي يمثل الضفة والقطاع. ويمثلون فصيلا فلسطينيا واحدا، وهناك الآن انقسام فلسطيني يجب العمل على إزالته.. التشريع هو إحدى مهام أعضاء المجلس، لكن يجب ألا يشرع لكل مكونات الوطن فصيل بمفرده مهما كان حجمه».
ودعا أبو مرزوق تشريعي حماس إلى معالجة قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل الانقسام وكسر الحصار وتعزيز المقاومة وحل مشكلات الناس وتوفير كهرباء ومياه لهم، ومعالجة مشكلاتهم الاجتماعية والبحث عن تعزيز العلاقة مع مصر، بدل العمل على تشريع قوانين جديدة. وحذر أبو مرزوق حركته من قوة الإعلام الرافض للقانون الجديد، قائلا «يجب ألا نستهين بالإعلام، فقد يحسم المعركة قبل بدئها». ويبدو أن أبو مرزوق ليس الوحيد في حماس الذي يعارض القانون بشكله الحالي. وقال ممثلون عن منظمات المجتمع المدني إن مسؤولين في الحركة في غزة أكدوا لهم أنه لا يوجد إقرار لهذا القانون بالقراءة الأولى أو الثانية، وأن أي قرارات يجب أن تجرى بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني. لكن مسؤولين آخرين في حماس بحسب مصادر «الشرق الأوسط» تعهدوا بتمرير القانون، خلال إحدى جلسات المجلس التشريعي، قائلين إنه «يمثل أفضل تطبيق للتشريعات السماوية، وأن أي أحد لا يمكنه الاعتراض عليه». وهذه ليست أول مواجهة بين حماس ومؤسسات وقوى الفلسطينيين في غزة حول هوية الحكم.
وسبق أن وقعت الحركة الإسلامية تحت انتقادات واسعة بعد اتخاذها قرارات بمنع المتاجر من عرض مجسمات ملابس نسائية، والملابس الداخلية للنساء على واجهات ومداخل المحلات، وإلزام الطالبات والمحاميات بالتقيد بالزي الشرعي (الجلباب والحجاب). وفي كل مرة كانت حماس تضطر إلى التراجع عن قراراتها خشية الاتهامات بأسلمة القطاع، لكنها تعود وتجرب الكرة مرة ثانية.
وطالما اتهم معارضو حماس الحركة الإسلامية بأنها جزء من أجندة جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي. وهذه التهم بتبعية أجندة الإخوان لم تتوقف لحظة، حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان يصف دوما دولة حماس بالإمارة الظلامية، وهو الأمر الذي كانت ترد عليه حماس متهمة عباس بإقامة دولته في الضفة تحت رحمة الإسرائيليين والأميركيين. أما الآن فإنهم يطلبون دعما عربيا وعالميا للمصالحة.
فهل تنجح المصالحة؟
وحتى الآن تبدو خطوات الطرفين أكثر جدية من قبل، لكن وجود دولتين صغيرتين محاصرتين ومختلفتين في الضفة وغزة سيظل الخيار الأمثل للطرف الأقوى، إسرائيل. وقبل اتفاق المصالحة، ذهب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق «غيورا ايلند» إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بحكومة حماس كسلطة حاكمة ومسيطرة على قطاع غزة. وقال «ايلند» في مقالة نشرها في «يديعوت أحرونوت» الأسبوع الماضي «حتى نتمكن من تحقيق مصالحنا في غزة فإنه من المهم جدا وجود حكم مستقر يتحمل المسؤولية السياسية، وسبق لقائد المنطقة الجنوبية أن تحدث بهذا المعنى وهو محق في ما ذهب إليه، إذ إن الجهة الوحيدة التي يمكنها إقامة حكم مستقر هي حماس».
وأَضاف «تنظر إسرائيل لقطاع غزة كدولة بكل معنى الكلمة، وذلك لتوافر الشروط الأربعة التي تجعل منها ذلك، وهي: الحدود المعترف بها، وجود حكم مركزي، سياسة خارجية مستقلة، ووجود قوة عسكرية خاصة بها. وبقدر ما نتعاطى مع غزة على أنها دولة تكون لهذه الدولة روافع وآليات تجبرها على الحفاظ على الهدوء الذي يمثل مصلحتنا الأساسية». وتابع «حماس هي الحركة الحاكمة في دولة غزة بل إنها أتت إلى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، ونحن لسنا ملزمين بأن نعترف سياسيا بحماس تماما كما هي لا تعترف بنا، ولكن من المنطق السليم أن نعترف بالواقع ونستغلها لتحقيق مصالحنا وتبني سياسة تستند إلى المصالح وليس سياسة الرد بالمثل، وهنا فإن المصلحة تستوجب خلق علاقات جيرة حسنة».
ويبقى السؤال: هل تكبر دولة حماس الصغيرة، أو تنضم إلى دولة أكبر تسمى فلسطين؟ ربما نجد الإجابة في غرف المفاوضات وفي مستقبل سوريا ومصر، وبحسب بوصلة الولايات المتحدة وقطر وإيران ودول أخرى.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.