مقتل 18 على الأقل من طالبان في عمليات أمنية بأفغانستان

الموت من السماء: ارتفاع الخسائر في صفوف المدنيين جراء الحرب الجوية

ضباط من حرس الحدود الأفغان يقسمون على القرآن الكريم في دور تخرجهم في الأكاديمية العسكرية في ولاية هلمند أول من أمس (إ.ب.أ)
ضباط من حرس الحدود الأفغان يقسمون على القرآن الكريم في دور تخرجهم في الأكاديمية العسكرية في ولاية هلمند أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

مقتل 18 على الأقل من طالبان في عمليات أمنية بأفغانستان

ضباط من حرس الحدود الأفغان يقسمون على القرآن الكريم في دور تخرجهم في الأكاديمية العسكرية في ولاية هلمند أول من أمس (إ.ب.أ)
ضباط من حرس الحدود الأفغان يقسمون على القرآن الكريم في دور تخرجهم في الأكاديمية العسكرية في ولاية هلمند أول من أمس (إ.ب.أ)

قتل 18 مسلحا على الأقل من طالبان، من بينهم 9 من قياديي الحركة، خلال عمليات لمكافحة الإرهاب، وقعت بإقليم «لاجمان» شرق أفغانستان، طبقا لما ذكرته وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء أمس. وذكر مسؤولو الحكومة المحلية أن المسلحين قتلوا خلال سلسلة من العمليات الجوية والبرية، التي وقعت في منطقة «إليشينج» الليلة الماضية. وأكد سارهادي زواك، المتحدث باسم حاكم الإقليم، أن 18 من عناصر الحركة، من بينهم 9 من قيادييها، قتلوا. وأضاف زواك أن 10 على الأقل من عناصر الحركة تعرضوا أيضا لإصابات خلال العمليات. ولم تعلق الجماعات المتشددة المسلحة المناهضة للحكومة، ومن بينها طالبان، على التقرير حتى الآن. وإقليم لاجمان من بين الأقاليم الهادئة نسبيا شرق أفغانستان، لكن الجماعات المتشددة المسلحة المناهضة للحكومة زادت مؤخرا من أنشطتها المسلحة في هذا الإقليم. وشنت عناصر طالبان هجوما منسقا للسيطرة على مجمع الحكومة الإقليمية الأسبوع الماضي، لكن المسؤولين المحليين ذكروا أن قوات الأمن الأفغانية تصدت للهجمات، مشيرين إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المسلحين. إلى ذلك، فتحت وزارة الدفاع الأفغانية أمس تحقيقا بشأن مقتل 8 مدنيين، بينهم 4 أطفال، فيما يرجح أنها غارة جوية غرب البلاد، وفقا لما أفاد به متحدث باسمها. وتضاربت المعلومات بشأن ملابسات مقتل الضحايا الثمانية الذين كانوا يحاولون الفرار من القتال الدائر في ولاية فرح غرب البلاد. وأكد المتحدث باسم المحافظ، ناصر مهري، لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن عربتهم اصطدمت بقنبلة أثناء محاولتهم الهرب من القتال، مضيفا أن 27 آخرين أصيبوا بجروح. إلا أن أحد سكان منطقة بلا بولوك، وكيل أحمد، قال إن غارة للجيش الأفغاني على مواقع لحركة طالبان أخطأت هدفها.
من ناحيته، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع دولت وزيري، إلى أنه «تم فتح تحقيق في الاتهامات» الموجهة إلى الجيش. ويدفع المدنيون الأفغان ثمنا فادحا للنزاع الذي تشهده البلاد، وخلف نحو 11500 قتيل وجريح في 2016، بينهم أكثر من 3500 طفل وفقا للأمم المتحدة، التي تؤكد أن الضحايا هم نتيجة القصف الأفغاني والأميركي. وتقول بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان، إن القوات الأفغانية مسؤولة عن «43 في المائة من الضحايا». في غضون ذلك أصاب صاروخ طائرة من دون طيار برجا في قرية جنداخيل في الثامنة صباحا، بينما كان 5 رجال يرتقونه لمراقبة مقاتلي تنظيم داعش، الذين يتحرشون بقريتهم منذ عدة أشهر. وبعد أن تم اعتبارهم بالخطأ أنهم عدو، صاروا بعضا من أحدث ضحايا الغارات الجوية الأميركية في أفغانستان. قتلوا جميعا، وانسحقت أجسادهم تحت الأنقاض. ويقول بابور خان، شقيق أحد القتلى، وهو يروي فاجعة أسرته في أحد فنادق جلال آباد، عاصمة إقليم ننجرهار، بعد أسابيع على الحادث إن «الهجوم كان خطأ فادحا». قيل له في وقت لاحق إن ضباط التحكم الأميركيين في الطائرة من دون طيار تم منحهم إحداثيات خاطئة لموقع الضربة. والآن لا يمكن لأي شيء أن يعيد له شقيقه. ورغم أن الخسائر في صفوف المدنيين كانت واحدة من أبرز القضايا الخلافية في الصراع المستمر منذ أكثر من 15 عاما، فإن الناس يزعمون أن «الأضرار الجانبية» (مصطلح يعبر عن القتلى أو الجرحى الذين وقعوا بهدف غير مقصود)، أيضا يجري التكتم عليها على نحو متزايد، لكن كثيرين في أفغانستان يريدون أيضا استمرار الغارات الجوية في الحرب ضد طالبان و«داعش». وتتمسك الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية بموقفهما الثابت حول ضرورة ذلك. ويقول مصدر عسكري رفيع المستوى في كابول، إن «الضربات الجوية ببساطة لا غنى عنها. إنها في كثير من الأحيان تكون الوسيلة الأخيرة لإيقاف طالبان». ووفقا لإحصاءات وزارة الدفاع الأميركية الصادرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فقد ارتفعت كمية الأسلحة التي أطلقت خلال الضربات الجوية بنسبة 40 في المائة خلال عام 2016، لكن عدد الضحايا المدنيين جراء هذه المهمات ارتفع بشكل أسرع بكثير، بنسبة 99 في المائة، إلى 250 قتيلا و340 جريحا، حسب ما ذكرته الأمم المتحدة في تقريرها السنوي الذي نشر في فبراير (شباط) 2017.
وفي وقت سابق من فبراير، قتل 19 مدنيا على الأقل في غارات جوية على 3 قرى في منطقة سانجين بإقليم هلمند، حيث تم الاشتباك مع عناصر طالبان. وعلى مر السنين، أدى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في هجمات مفردة إلى توتر العلاقات بين الحكومة الأفغانية وحلفائها الغربيين. وفي عام 2009، سقط 39 في المائة من مجموع الضحايا المدنيين على أيدي القوات الدولية، ما دفع الرئيس الأفغاني آنذاك، حميد كرزاي، إلى التهديد بقطع العلاقات تماما. وحقق غضب كرزاي، لا سيما بسبب سقوط ضحايا خلال المداهمات الليلية والغارات الجوية، بعض النجاح في ذلك العام، ووضع قادة القوات الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي، والقوات الأميركية ذات القيادة المنفصلة عن الناتو، قواعد للحد من نطاق تدابير مكافحة المتمردين إذا كانت تعرض المدنيين للخطر.
فضلا عن الاعتبارات الإنسانية، فإن عمليات القتل ببساطة كانت تؤلب السكان ضد المجهود الحربي الدولي. وفي تقرير صدر عام 2016 عن منظمة «أوبن سوسايتي فاونديشنز» (مؤسسات المجتمع المفتوح) كتب كريستوفر كولندا، المستشار الرفيع السابق بالجيش الأميركي في أفغانستان، قائلا إن قضية الضحايا المدنيين «كانت عاملا رئيسيا في نمو واستمرارية حركة طالبان، وأضرت بشدة بالعلاقات الأميركية الأفغانية، إذ قوضت الشرعية لكلا الطرفين، وأدت لتنفير الشعب الأفغاني». وفيما أثارت وفيات وإصابات المدنيين في كثير من الأحيان احتجاجات عامة حاشدة، تبقى الحكومة الأفغانية الحالية اليوم هادئة بشكل واضح حيال هذه
القضية. وغالبا تتم عرقلة أولئك الذين يسعون لمعلومات على الأرض أو الكذب عليهم بشكل صارخ.
وبعد وقوع الوفيات في سانجين، أصر مسؤولون إقليميون على أن الهجمات استهدفت مناطق لا توجد بها مبان سكنية، في حين نشرت الأمم المتحدة نتائج تحقيقاتها الخاصة بأن معظم القتلى من النساء والأطفال. كما يعكس الصمت الرسمي والتستر على مقتل مدنيين أيضا الحقائق القاسية للقتال ضد طالبان، التي تعد مرة أخرى قوة لا يستهان بها في البلاد، حيث قتلت 6785 جنديا وضابط شرطة في عام 2016 وحده. القوات المسلحة الحكومية مثقلة بالأعباء، وتسيطر كابل حاليا على 57 في المائة فقط من البلاد.
ولكن مع وجود أقل من 10 آلاف جندي له فقط على الأرض، يتعين على الجيش الأميركي أن يعتمد بشكل متزايد على القوات الأفغانية من أجل المعلومات الاستخباراتية عن مواقع العدو. كما أن طياري القوات الجوية الأفغانية الوليدة ضعيفي الخبرة هم أيضا جزء كبير من المشكلة، إذ تفيد الإحصاءات بأنهم أكثر قابلية لإطلاق النار بثلاث مرات عن نظرائهم الأميركيين. وإضافة إلى ذلك، فإن عدد الضحايا ربما يكون أعلى مما هو مذكور، حيث يتوجب على الأمم المتحدة التأكد من 3 مصادر مستقلة للتحقق من كل حالة وفاة، إذ إن قدرة موظفي الأمم المتحدة على الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون تقل باستمرار، وهم يعترفون باحتمال نقص الإبلاغ عن سقوط ضحايا من المدنيين بشكل عام.
يقول عبد الواحد، وهو من سكان منطقة شيرزاد في ننجرهار، إن نحو 30 مدنيا قتلوا هناك في غارات جوية العام الماضي، إلا أن المجتمعات تخشى التقدم بشكوى رسمية لئلا تعاقبهم حركة طالبان بدعوى التواطؤ مع الأجانب.
وأردف عبد الواحد: «طالبان لا تريد منا أن نتحدث إلى السلطات أو نذهب إلى الأميركيين. يخشون من أن نقدم لهم معلومات عنهم». الشيء ذاته يقوله بابور خان، الذي قتل أخوه في قصف البرج بقرية جنداخيل، إن الناس يخشون طالبان ويلتزمون الصمت. ويتابع قائلا إن كل شخص يغادر أو يدخل المنطقة يمكن أن توقفه دوريات المتمردين وتستجوبه، مسلطا الضوء على ملمح رعب صارخ آخر لهذا الصراع: «أي شخص يشتبه في كونه متعاونا مع السلطات، يمكن أن يتم إعدامه على الفور».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟