فرض قيود على أساتذة جامعة دمشق بعد ندوة عن تلاشي الطبقة الوسطى

الحل «العسكري ـ الأمني» نجح في تشويه بنية المجتمع السوري

مشهد يعبر عن حياة الناس في مدينة الباب، التي حررتها قوات «درع الفرات» من تنظيم داعش الإرهابي (رويترز)
مشهد يعبر عن حياة الناس في مدينة الباب، التي حررتها قوات «درع الفرات» من تنظيم داعش الإرهابي (رويترز)
TT

فرض قيود على أساتذة جامعة دمشق بعد ندوة عن تلاشي الطبقة الوسطى

مشهد يعبر عن حياة الناس في مدينة الباب، التي حررتها قوات «درع الفرات» من تنظيم داعش الإرهابي (رويترز)
مشهد يعبر عن حياة الناس في مدينة الباب، التي حررتها قوات «درع الفرات» من تنظيم داعش الإرهابي (رويترز)

أصدرت وزارة التعليم العالي في حكومة النظام السوري قراراً يقضي بمنع أساتذة جامعة دمشق من المشاركة في أي نشاط علمي من ندوات ومؤتمرات وإلقاء محاضرات ووضع أوراق عمل وغيرها، من دون موافقة «الجهات المختصة حسب الأصول، وتدقيق مضمون ورقة العمل أو المحاضرة من قبل مجلس القسم والكلية».
جاء القرار في كتاب عممته أخيراً وزارة التعليم العالي على أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق. وكان قد سبق التعميم قرار آخر مماثل الشهر الماضي يقضي بمنع أعضاء الهيئة التدريسية من الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الأعلام. وأنشئ مكتب صحافي خاص بأساتذة جامعة دمشق يحتكر التعاطي مع وسائل الإعلام، وهذا المكتب هو وحده المخول بتلقي الأسئلة من قبل الصحافيين والإعلاميين، في حال احتاج عملهم الصحافي لرأي اختصاصي أو أكاديمي. وبموجب القرار (التعميم) يمنع أي أستاذ جامعي من الإدلاء بتصريحات فردية، لأن المكتب الإعلامي بات المسؤول عن تحديد نوعية التصريح، وهو الذي يحدد الأستاذ الجامعي المخوّل بالتصريح في كل موضوع، وذلك بعد التأكد من طبيعة المعلومات التي يريدها الصحافي، وكيفية استخدامها والغرض منها، وجهة نشرها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً محدداً من «الأساتذة» في الجامعة يحتكرون الظهور على شاشات وصفحات الإعلام الرسمي التابع للنظام، وهؤلاء فقط هم المخوّلون بالتعبير عن وجهات نظر تتطابق مع وجهات نظر المؤسسات الأمنية في النظام السوري. وللعلم، يربو عدد أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق على ألفي أستاذ ومدرس، يتعرّض معظمهم لتضييق أمني يمنعهم من الإدلاء بآرائهم، وكذلك يمنعون من حرية التنقل والسفر من دون إذن إدارة الجامعة التي تمرّ غالبية قراراتها عبر قنوات المؤسسات الأمنية.
هذا، وجاءت القرارات الأخيرة بتشديد الخناق على الأكاديميين السوريين، أو على من تبقى منهم في سوريا، ضمن تداعيات ما حصل خلال ندوة دعت إليها خلال الشهر الماضي جمعية العلوم الاقتصادية، بالتعاون مع غرفة تجارة دمشق وجامعة دمشق، وكان موضوعها الطبقة الوسطى في سوريا ووضعها الراهن. ولقد قدم خلالها المشاركون وهم عدد من الباحثين في الاقتصاد والأساتذة في جامعة دمشق، أوراق عمل ومحاضرات حاولت مناقشة الوضع الراهن للمجتمع السوري في ظل الحرب بموضوعية.
هذا الأمر أثار استياء معاون وزير الكهرباء - وهو أستاذ في الجامعة - الذي رد على الدكتور زياد زنبوعة - وهو أحد المحاضرين - بشدة لم تخل من تخوين، واتهامات بالعمالة، وذلك لأن زنبوعة أشار إلى دور العسكري - الأمني في تشويه الطبقة الوسطى وتطفيش نخبة لا بأس بها من المثقفين السوريين، وتحييد الشريحة الأكبر والأهم المؤهلة للمساهمة في حل الأزمة السورية. صحيفة محلية ذكرت أنه «نشب تقاذف بألفاظ غير لائقة بين الدكتور زياد زنبوعة، من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، والدكتور حيّان سلمان، معاون وزير الكهرباء، وصلت إلى درجة الشتائم».
وقالت مصادر كانت في الندوة إن عراقيل عدة وضعت أمام إقامة الندوة، التي غيّر مكان انعقادها قبل ساعة واحدة فقط. إذ كان مقرراً عقدها في قاعة بوسط دمشق. ثم نقل المكان دون سابق إنذار إلى مقر غرفة التجارة في المدينة القديمة، ما أدى إلى تخلف كثير من المهتمين عن الحضور. وعندما عقدت الندوة سادت أجواء من التوتر بسبب الحضور الأمني داخل القاعة، إلى أن نشبت مشادة كلامية بين معاون وزير الكهرباء حيّان سلمان، المعروف بتشدّده بالولاء للمؤسسات الأمنية في النظام، والذي برز في الأوساط السورية خلال السنوات الأربع الماضية لكثافة حضوره على شاشات الإعلام الرسمي والموالي. وأشارت المصادر إلى أهمية ما طرحه الباحثون المشاركون في أوراقهم «رغم محاولتهم عدم المساس أو الاقتراب من الخطوط الحمراء، لكن الأرقام والمعطيات التي قدموها ربما كانت مزعجة».
أما الدكتور زياد زنبوعة، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، فرأى أنه مع «بداية الأزمة بدأ انهيار الطبقة الوسطى، وصاحبه أمر آخر لا يقل خطورة هو حدوث تحول نوعي في الطبقة الوسطى» وصفه بالتشوه، وذلك بملء فراغ هذه الطبقة من قبل «فئات مجتمعية أخرى غريبة عنها مثل انتهازيي الأزمات والحرب والمحتكرين ومرتزقة الحرب والمتاجرين بدماء المواطنين أو لقمة عيشهم، وصعود العسكر على حساب المدنيين». وتساءل زنبوعة: «متى كنا نرى العسكريين يجوبون شوارع دمشق بأحدث السيارات التي لا يعلم أحد مصدرها؟!».
وتابع الأكاديمي السوري أن الحل «العس - أمني» (العسكري - الأمني) المطبق في سوريا «نجح في لجم الطبقة الوسطى من الانخراط في معالجة الأزمة وتطفيش نخبة لا بأس بها من المثقفين السوريين بمختلف مشاربهم العلمية والفكرية والاجتماعية. وبالتالي، تم تحييد الشريحة الأكبر والأهم من المساهمة في الحل». ورأى أن «عملية إفقار الطبقة الوسطى تترافق مع تزايد منافع شريحة الطفيليين وأمراء الحرب المستفيدين من الأوضاع الراهنة، والذين أصبحوا يحوزون جل مقدرات وثروات الشعب السوري ويسخرونها لمصالحهم». هذا، وبحسب تقارير دولية أشار إليها الدكتور زنبوعة: «أصبحت نسبة 20 في المائة من السكان والمتسلقين الجُدد يحوزون على أكثر من 85 في المائة من الدخل القومي». ولفت إلى أن الأسرة المتوسطة (خمسة أفراد) كانت تحتاج إلى 13000 ل.س. شهرياً قبل عام 2011. أصبحت حالياً تحتاج إلى 147 ألف ليرة سوريا شهرياً لتكون عند خط الفقر العالمي، علماً بأن متوسط رواتب العاملين في سوريا كان يبلغ 16000 ل.س. والآن أصبح يبلغ نحو 28 ألف ليرة سورية فقط. وبعدما كانت هذه الأسرة أعلى من خط الفقر بـ3000 ل.س. أصبحت الآن تحت هذا الخط بـ119 ألف ليرة سورية.
من ناحية ثانية، قال الدكتور أكرم حوراني، وهو أيضاً أستاذ في كلية الاقتصاد بالجامعة نفسها إننا «لا نرى أبناء الطبقة الوسطى... لا أرقام تدل عليهم، فهم إما غادروا إلى هوة الفقر أو إلى خارج البلاد، وإما بقوا يجاهدون للحفاظ على الحد الأدنى من متطلبات الحياة». وأشار إلى أن نسبة السكان توزّعت في عام 2010 على 15 في المائة في حالة فقر مدقع، و20 في المائة من طبقة المستورين، و60 في المائة من الطبقة الوسطى و5 في المائة من ذوي الدخول العالية (أي الأثرياء). بينما في 2016 تضررت الطبقة الوسطى ووقعت في المستويين الفقر المدقع والمستورين، وتراجع الدخل القومي 60 في المائة، وارتفعت الأسعار 700 في المائة، وتغيرت حاملة التنمية وركيزة الاستقرار، وظهرت أشكال اجتماعية اقتصادية جديدة، وركبت موجة الحرب والأزمة واتخذت صورة الكسب غير المشروع جراء الاحتكار، إضافة إلى أعمال الخطف والابتزاز والسرقة والتسلط على العباد التي دفعت الكثير من التجار وأصحاب الأعمال للهبوط من الطبقة الوسطى إلى الفقر أو للسفر خارج البلاد».
أما الدكتور كريم أبو حلاوة، فقدم تصنيف الطبقة الوسطى في «ثلاثة مستويات: عليا ووسطى ودنيا»، مبيناً أن الشريحة الأخيرة هبطت إلى الفقر بشكل سريع، وهي الشريحة الأكثر تضرراً. وأوضح أن «التعريفات عاجزة عن توصيف وفهم ما يجري على صعيد خسارتها لمدخراتها ومستوياتها وافتقارها»، لافتاً إلى أن النمو في سوريا «لم يكن مستداماً ولم يصل إلى كل شرائح المجتمع ولم ينعكس إيجاباً على مستوى حياتهم». ثم شرح أن الطبقة الوسطى بدأت تعاني من الضعف والانحسار قبل الأزمة بسبب «عجز التعليم عن تحقيق مستوى عيش أو عمل لائق للفئات الأوسع، والفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل».
ودعا أبو حلاوة إلى ضرورة استعادة الاستقرار الأمني والمجتمعي وإنهاء الحرب لإتاحة الفرص للمشاركة الواسعة من الطبقة الوسطى في إعادة إعمار سوريا وفق أسس تنموية جديدة وليس بالطريقة القديمة المعتادة.
ومع أن ما قاله أساتذة الجامعة في الندوة الاقتصادية كان - حسب تعبير المصادر التي حضرت الندوة تحت «سقف الوطن ومن أجل الوطن» - فإنهم استفزوا بما قدموه (المدافعون عن النظام الأمني من زملائهم الجامعيين)، مؤكدين بذلك أن «إصلاح النظام أمر ميؤوس منه».
وبالفعل، سارعت الجهات المختصة في جامعة دمشق ووزارة التعليم العالي إلى اتخاذ سلسلة من القرارات والإجراءات التي تخمد أو تحد من عمل واجتهاد من تبقى من باحثين سوريين في الداخل، لأن من شأن أي رأي أو معلومة أن تثير بلبلة لا يحمد عقباها ليس أقلها التوقيف عن العمل أو الاعتقال التعسفي.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.