سلطة الشيف «أوليفيه» والكافيار الأحمر روح المائدة في روسيا

وجبات تقليدية لا تفارق المناسبات منذ عقود

الكافيار الأحمر في جوف البيض من المقبلات الرئيسية
الكافيار الأحمر في جوف البيض من المقبلات الرئيسية
TT

سلطة الشيف «أوليفيه» والكافيار الأحمر روح المائدة في روسيا

الكافيار الأحمر في جوف البيض من المقبلات الرئيسية
الكافيار الأحمر في جوف البيض من المقبلات الرئيسية

على الرغم من انفتاح روسيا على العالم، بما في ذلك في مجال وصفات إعداد وجبات الطعام، ومع رواج وجبات من المطبخ الصيني والإيطالي والفرنسي والعربي، واقتحامها قائمة الوجبات المفضلة لدى المواطنين الروس، فما زالت ثابتة دون تغيير قائمة الوجبات الرئيسية التي جرت العادة أن تكون حاضرة تقليديا وبالضرورة على الوجبات التي تبدو مثل زينة مميزة تغطي الطاولات ليلة عيد رأس السنة في البيوت الروسية. ويشكل حضور تلك الوجبات أهمية خاصة، لدرجة أن غياب بعضها عن المائدة قد يولد لدى كثيرين شعورا بعدم اكتمال تقليد الاستعداد لاستقبال العام المقبل، وقد يؤثر ذلك على مزاجية العيد.
ومنذ عقود تتصدر قائمة وجبات المناسبات الكبرى في روسيا أنواع لذيذة من السلطات، وفي مقدمتها الوجبة المعروفة باسم «سلطة أوليفيه» وهي ذاتها التي يُطلق عليها في كثير من دول العالم «السلطة الروسية». وأطلق هذا الاسم على السلطة تكريما وعلى شرف الشيف الطاهي الفرنسي ليوسين أوليفيه، الذي حاز شهرة واسعة في روسيا مطلع الستينات من القرن التاسع عشر بوجباته التي كان يقدمها من «المطبخ الفرنسي» في مطعم «أرميتاج» في موسكو. قبل ذلك كانت تلك السلطة تضم مكونات مختلفة بعض الشيء عن سلطة الشيف الفرنسي، وكانت معروفة باسم «السلطة الشتوية». وهذه السلطة خاصة تمثل رمزا رئيسيا لعيد رأس السنة في التقليد الروسي، ويتم إعدادها بسلق كميات من البيض والبطاطا والجزر واللحم (غالبا لحم الدجاج، وتجري الاستعاضة عنه أحيانا بقطع المرتديلا)، وتقطيع هذه المكونات على شكل مكعبات صغيرة، يضاف إليها (حسب الذوق) كمية من كبيس الخيار المالح، مقطعة أيضًا على شكل مكعبات، فضلا عن البازلاء الخضراء (إما بازلاء معلبة، أو طازجة يتم سلقها)، وكمية محددة من عشبة الشبت مفرومة فرمة ناعمة. يتم خلط كل تلك المكونات، جيدا، يُضاف إليها المايونيز (يفضل المنزلي)، وتخلط جيدا من جديد، هكذا تصبح السلطة جاهزة، ويصبح طعمها ألذ في حال تم حفظها في الثلاجة بعض الوقت قبل تقديمها على المائدة.
وتحتل المرتبة الثانية على قائمة السلطات التقليدية سلطة اسمها «سيلودكا بود شوبوي» أي «الرنجة المالحة تحت معطف الفرو»، والرنجة نوع من السمك. وحملت السلطة هذا الاسم نظرا لشكلها، حيث تبدو مثل (كعكة أو قالب كاتو)، بعض المكونات تتوزع في الطبقات السفلى، تغطيها من الأعلى طبقة أخرى يمتزج فيها اللون الأحمر للشمندر (الشوندر) مع اللون الأبيض للمايونيز، وتتكون هذه السلطة من سمك الرنجة المملح ورأس بصل ورأس شمندر وعدد من حبات البطاطا... يتم سلق البطاطا والشمندر والجزر، ومن ثم يجب برشها على الجانب ذي الفتحات الأكبر من أداة البرش. يتم تقطيع شريحة سمك الرنجة المملحة إلى مكعبات صغيرة، وفرم البصلة فرمة ناعمة، وخلطهما معا، ومن ثم تمديدهما بشكل دائري أو مربع على الطبقة السفلى من الوعاء (يستحسن صحن كبير)، وفوقها يتم تمديد البطاطا المبروشة، ثم طلاؤها بطبقة من المايونيز، والعملية نفسها بعد ذلك بالنسبة للجزر، وأخيرا يتم تمديد الشمندر المبروش وتغطيته بطبيقة من المايونيز. وفي بعض الوصفات تكون الطبقات ظاهرة للعيان على الجوانب، وفي وصفات أخرى تغطي طبقة الشوندر مع المايونيز الطبقات الأخرى كأنها قبة فوقها. يمكن وضع بعض البقدونس الأخضر أو الشبت على آخر طبقة لزيادة جمال الوجبة.
وفي روسيا بلد السمك الأحمر والكافيار جرت العادة بأن يتم إعداد مقبلات من هذه المواد الغذائية. وفي عيد رأس السنة يتم إعداد مقبلات من البيض والكافيار الأحمر، حيث يُسلق البيض، ومن ثم ينظف ويتم إفراغه من الصفار، وفي تجويفه يتم وضع كمية من الكافيار الأحمر، ويمكن غرس عرق بقدونس وسط كل بيضة للتجميل، وإلى جانبها وضمن المقبلات لا بد من السندويشات من السمك الأحمر، ويمكن إضافة الجبن الهولندي الأصفر، حيث يكون الخبز وعليه شريحة الجبن وفوقها شريحة السمك الأحمر.
ومن الوجبات الرئيسية جرت العادة بتحضير وجبة «اللحم في الجيلاتين» أو «الجيليه» كما هو دارج في العامية. وتعتمد هذه الوجبة بصورة رئيسية على مسلوق عظام البقر، الذي تتم إضافة المنكهات والبهارات له حسب الذوق، وبعد تنقيته يضاف إليه لحم مسلوق، حسب الذوق أيضًا. ويسكب في أوعية زجاجية شفافة، يتم وضعه عدة ساعات في الثلاجة ليتحول إلى وجبة متماسكة هلامية غنية جدا بالمواد الغذائية، وإلى جانبها تكون عادة البطة المشوية المحشية بالتفاح والمطلية بصلصة مزيج العسل والخردل، وقبل الشوي يتم وضع البطة خمس ساعات في منقوع عصير الليمون والبرتقال، من ثم يتم تجفيفها من المنقوع، ورش الملح عليها، وبعد ذلك تُغطى، ويوضع في جوفها قطع تفاح (البعض يفضل وضع التفاح من حول البطة)، وتدخل الفرن، حتى تنضج، ومن ثم تخرج لتحتل موقعها المميز بين الوجبات التقليدية الروسية لعيد رأس السنة وأعياد الميلاد.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».