إلغاء قرار توقيف قياديين في حزب {الاستقلال} المغربي

«العدالة والتنمية» يتشبث بتشكيل الحكومة من الأغلبية السابقة

إلغاء قرار توقيف قياديين في حزب {الاستقلال} المغربي
TT

إلغاء قرار توقيف قياديين في حزب {الاستقلال} المغربي

إلغاء قرار توقيف قياديين في حزب {الاستقلال} المغربي

يعقد حزب الاستقلال المغربي اليوم (السبت) دورة استثنائية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب)، للنظر في ملتمس تقدم به اثنان من قيادييه من أجل مراجعة قرار التوقيف الذي أصدرته لجنة التحكيم والتأديب ضدهما، بعد أن حكمت المحكمة الإدارية بالرباط أمس بوقف تنفيذه.
وقررت المحكمة الإدارية وقف تنفيذ قرار أصدره حزب الاستقلال ضد كل من عبد الكريم غلاب وياسمينة بادو، وهما وزيران سابقان، يقضي بتوقيفهما عن ممارسة مهامهما الحزبية لمدة 18 شهراً، وحكمت المحكمة لصالحهما بعد أن تقدما بطعن على قرار الحزب أمام المحكمة الإدارية.
وكانت لجنة التأديب والتحكيم في الحزب قد أقدمت على توقيف غلاب وبادو وتوفيق حجيرة عن ممارسة أي مهام حزبية لمدة 18 شهراً بسبب «عدم انضباطهما لقوانين الحزب والإضرار بمصالحه»، وذلك على خلفية تصريحات أدليا بها ضد حميد، الأمين العام للحزب، عقب تصريحاته التي قال فيها إن موريتانيا جزء من المغرب، وهي التصريحات التي كادت أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين الرباط ونواكشوط.
وقال غلاب في تصريح صحافي إن «حكم المحكمة أنصفنا لأن قرار لجنة التأديب لحزب الاستقلال كان مجحفاً»، مضيفاً أنه «بعد حكم المحكمة سنعود لممارسة أنشطتنا داخل حزب الاستقلال بشكل قانوني رغم أنها لم تتوقف».
وأعلن غلاب أنه سيحضر اليوم برفقة بادو، وبدعم من باقي مناضلي وقيادات الحزب، الاجتماع الاستثنائي الذي سيعقده المجلس الوطني للحزب من أجل إلغاء قرار لجنة التأديب تنظيمياً، حيث سيشرحون أمامه حيثيات الأزمة التي أدت إلى توقيفهما، وعبر عن أمله في أن ينصفهما المجلس.
في سياق منفصل، جددت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، دعمها لعبد الإله ابن كيران، الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة المكلف، بشأن حصر تشكيل الحكومة المقبلة في إطار أحزاب الأغلبية السابقة، وهي «التجمع الوطني للأحرار» و«الحركة الشعبية»، و«التقدم والاشتراكية»، مؤكدة أن «رئيس الحكومة المعين هو المخول أولاً وأخيراً بتشكيل الحكومة، وتحديد الأحزاب التي ستشكل الأغلبية الحكومية».
وأكدت الأمانة العامة للحزب في بيان أصدرته عقب اجتماع عقده أعضاؤها مساء أول من أمس، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أن «الحاجة للتعجيل بتشكيل الحكومة لا ينبغي أن تكون على حساب مصداقية الحياة السياسية والحزبية، وعلى حساب المكتسبات التي راكمها المغرب على مستوى الإصلاحات الدستورية والسياسية»، موضحة أن المرحلة الحالية تفرض التحلي بالمسؤولية والوضوح السياسي.
وأعلن ابن كيران أمام أعضاء الأمانة العام أنه لا جديد في مسار تشكيل الحكومة المتوقف منذ ما يزيد على شهر.
وكان ابن كيران قد أعلن أنه سينتظر عودة الملك محمد السادس من جولته الأفريقية لبحث الحلول الممكنة لتجاوز أزمة تشكيل الحكومة. فإما أن يقدم له حكومة إن نجح في تشكيلها أو يستقيل، لا سيما أن عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة تصريف الأعمال، يرافق الملك في هذه الجولة.
ويرجع تعثر تشكيل الحكومة إلى الخلاف بين ابن كيران وأخنوش بشأن ضم حزب الاتحاد الاشتراكي إليها، حيث يعارض ابن كيران التحاق هذا الحزب بالأغلبية الحكومية، ويطالبه بالاكتفاء برئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، فيما يصر أخنوش على إشراكه في التحالف الحكومي المقبل.
ولم يسبق أن ظل المغرب من دون حكومة مدة 5 أشهر بعد الانتخابات التشريعية، التي تصدرها حزب العدالة والتنمية. ويرى الحزب أنه إذا جرت انتخابات برلمانية جديدة، رغم أنه لا يحبذ اللجوء إلى هذا الحل، فإنه سيحصل على عدد أكبر من المقاعد. وهي رسالة يوجهها إلى الأطراف التي لا ترغب في ترؤسه الحكومة لمدة 5 سنوات أخرى، رغم أن الدستور هو الذي يخول له ذلك. ويرفض الحزب بشدة تكليف شخصية أخرى من الحزب لرئاسة الحكومة، كما يرفض الاجتهادات التي تدعو إلى إسناد رئاسة الحكومة إلى الحزب الذي حل في المرتبة الثانية، أي «الأصالة والمعاصرة» المعارض، وهو الحل الذي يتطلب تعديل الدستور.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.