بعد شهور من الخلافات... برلين توقع مع تونس اتفاقاً جديداً حول الهجرة

السبسي: زيارة ميركل تعني تغييراً جوهرياً في العلاقات مع ألمانيا

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال إلقاء كلمتها أمام البرلمان التونسي أمس (أ.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال إلقاء كلمتها أمام البرلمان التونسي أمس (أ.ب)
TT

بعد شهور من الخلافات... برلين توقع مع تونس اتفاقاً جديداً حول الهجرة

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال إلقاء كلمتها أمام البرلمان التونسي أمس (أ.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال إلقاء كلمتها أمام البرلمان التونسي أمس (أ.ب)

وقعت تونس وألمانيا اتفاقاً جديداً حول الهجرة، يسرع عملية إعادة التونسيين الذين رفضت السلطات الألمانية طلبات إقامتهم، وهي مسألة أثارت توتراً بين البلدين بعد اعتداء برلين.
وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، خلال مؤتمر صحافي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، في العاصمة التونسية، إن هذا الاتفاق الذي وقعه البلدان من شأنه أن يرضي الطرفين، موضحاً أن الاتفاق «لا يمس بسيادة تونس أو دولة أخرى»، وأنه يشمل 1500 تونسي في الوقت الحالي.
من جهتها، قالت المستشارة الألمانية إن هذا الاتفاق الجديد ينص خصوصاً على أن تتم الإجابة على طلبات برلين للتعرف على هويات تونسيين ترفض طلبات لجوئهم خلال «30 يوماً». وهذه القضية تقع في صلب الجدل حول ملف التونسي أنيس العامري، المنفذ المفترض لهجوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي ضد سوق في برلين أوقع 12 قتيلاً، حيث اتهمت برلين تونس بتعطيل ترحيله خلال عام 2016. لكن السلطات التونسية ردت بأن إجراءات التحقق من الهويات تستغرق بعض الوقت.
وتابع الرئيس التونسي موضحاً: «سيتم اتخاذ إجراءات في القنصليات التونسية في ألمانيا» لتسريع هذه الإجراءات، وشدد المسؤولان على أن البلدين يتعاونان بشكل وثيق حول المسألة.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يتيح لبرلين وتونس طي صفحة توتر شديد، دفع بعض المسؤولين الألمان إلى اقتراح فرض عقوبات على الدول التي لا تتعاون بشكل كاف حول الهجرة، ومن بينها تونس.
وفيما أعلنت ميركل، التي رافقها وفد من رجال الأعمال، أمس، تخصيص 250 مليون يورو لاستحداث وظائف للشباب بشكل خاص، قال الرئيس السبسي إن زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى تونس تحمل رسالة مهمة، غداة خلافات بين البلدين بشأن أزمة ترحيل اللاجئين التونسيين من ألمانيا، مشدداً على أن «زيارة ميركل إلى تونس تعني تغييراً جوهرياً في العلاقات، بعد تعاون طويل بين البلدين... فنجن لدينا تعاون مرضي في مكافحة الإرهاب والأمن والهجرة. ونحن سعداء بأن التعاون يسير بشكل مطمئن، وسيتم التركيز في المستقبل على الشباب».
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع السبسي، أمس، أشادت المستشارة الألمانية بالانتقال السياسي في البلاد، وتتويج رباعي الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام قبل عامين، كما تعهدت بمواصلة الدعم لاقتصاد الديمقراطية الناشئة، وقالت بهذا الخصوص: «لدينا أكثر من 250 شركة في تونس، تساهم في التنمية وفي التكوين. ونحن نعمل (مع تونس) بشكل وثيق لمكافحة الإرهاب، ومراقبة الحدود وإزالة الألغام، وفي ملف الهجرة».
وشددت المستشارة الألمانية على مواصلة دعم ألمانيا للانتقال الديمقراطي في تونس، وهو ما ظهر واضحاً من خلال الوفد الاقتصادي المرافق لها، وأكدت أن الشركات الألمانية التي تنشط في تونس توفر نحو 55 ألف فرصة عمل للتونسيين. لكن ميركل لم تتناول في الكلمة التي ألقتها أمام البرلمان بشكل مباشر موضوع وضع مركز لإيواء المهاجرين غير الشرعيين في تونس، وهو موضوع مثير للجدل بين البلدين.
وقالت ميركل إن ألمانيا بحاجة إلى شريك موثوق به، وعبرت عن استعداد بلادها للمساهمة في إعادة تمويل البنوك التونسية، ومشاريع الطاقات المتجددة، وذكرت السلطات التونسية بضرورة مقاومة الإرهاب الذي ضرب عدة مدن تونسية، مشددة على دعوة الرئيس التونسي لحضور اجتماع مجموعة السبع المنتظر انعقاده الصيف المقبل في ألمانيا، الذي سيتناول ملفات اقتصادية وأمنية.
وأشرفت ميركل على منتدى اقتصادي تونسي - ألماني، نظمه الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (مجمع رجال الأعمال)، بالتعاون مع الغرفة التونسية - الألمانية للصناعة والتجارة.
وتأتي زيارة المستشارة الألمانية إلى تونس بعد نحو أسبوعين على زيارة الشاهد إلى برلين، وقبيل الانتخابات البرلمانية الألمانية المقبلة، التي تطمح فيها للحفاظ على منصبها، في مرحلة تتفاقم فيها الضغوطات والانتقادات بسبب قبولها استقبال نحو مليون لاجئ، ويزداد اهتمامها أكثر بمبادرة حل الأزمة الليبية التي تقدم بها الرئيس التونسي، خصوصاً أن تونس لا تريد أن تلعب دور الحارس على بوابات أوروبا، ولا شرطياً في حوض المتوسط لحماية المصالح الأوروبية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».