مطالبات يمنية بموقف واضح للأمم المتحدة تجاه الميليشيات

مسؤولون وخبراء تساءلوا عن جدية الانقلاب مع المنظمات الدولية

مطالبات يمنية بموقف واضح للأمم المتحدة تجاه الميليشيات
TT

مطالبات يمنية بموقف واضح للأمم المتحدة تجاه الميليشيات

مطالبات يمنية بموقف واضح للأمم المتحدة تجاه الميليشيات

يضع مسؤولون ومحللون يمنيون مزيداً من التساؤلات والشكوك حول دور الأمم المتحدة ومنظماتها في اليمن بعد استمرار عدم جدية الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح بالمنظمة الأممية وقراراتها، وعدم توجيهها أي انتقاد أو موقف واضح من هذه الممارسات، التي كان آخرها إطلاق النار على نائب الأمين العام للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، ومنعه من دخول مدينة تعز المحاصرة منذ قرابة العامين.
ويرى عبد الملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني، أن إطلاق النار على موكب أوبراين وإشعال معركة من قبل الميليشيات الحوثية لمنعه من زيارة تعز تقتضي موقفا قويا منه ومن الأمم المتحدة، وأكد المخلافي على حسابه الرسمي في «تويتر» بالقول: «الانقلابيون يكشفون كل يوم وجههم الإجرامي المستهين بالمجتمع الدولي والقضايا الإنسانية، وهو ما تكشف بمنع السيد ستيفن أوبراين من دخول تعز، ويكشف حجم معاناتها وما تعيشه».
وأضاف «تعز تجسيد للمعاناة الإنسانية وإجرام الميليشيات وحقدها، ولتجاهل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإعلام لهذه المأساة، وعلى الجميع التعريف بها».
كما يضع وزير الخارجية تساؤلات حول موقف المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن جيمي ماكغولدريك، مشيراً إلى أن هذه الحادثة تفضح مواقفه، على حد تعبير الوزير.
في هذه الجزئية، أوضح همدان العليي، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك ممارسات تثير علامات الاستفهام على عمل المنسق المقيم للأمم المتحدة في صنعاء، وقال «الأمم المتحدة تعترف بالحكومة الشرعية، وهناك قرارات أممية توضح ذلك، مع ذلك يذهب (ماكغولدريك) للالتقاء بشخصيات كبيرة فيما يسمى بحكومة الانقلابيين، لا شك أن المنظمة في حاجة إلى التنسيق مع سلطة الأمر الواقع، لكن يتم ذلك على مستويات دنيا، وليس مسؤول المنظمة الأول؛ لأن ذلك يعد اعترافا وهو مسيء للأمم المتحدة ودورها».
وتابع «من غير المنطقي أن ممثل منظمة دولية أممية وإنسانية تتحول لأدوات لتحقيق غايات سياسية مثل دعوة البرلماني البريطاني ولقائه بالمخلوع صالح وصالح الصماد، وكان لهذا العضو البريطاني مواقف سياسية بناء على هذه الزيارة، ومطالبته بتغيير القرار الأممي 2216».
وكشف العليي، عن أن منظمات الأمم المتحدة في اليمن سواء الإغاثية أو الحقوقية مخترقة من قبل الحوثيين ويتم توجيه عملها بناء على أجندات الميليشيات المسلحة، وأردف «هناك لوبي أو موظفون يسيطرون بشكل كبير على توجهات هذه المنظمات داخل صنعاء، هؤلاء الأشخاص يستطيعون توجيه هذه المنظمات وامتصاص أي ردة فعل قاسية ناتجة من أفعالهم. ما حدث مؤخراً في تعز ومنع أوبراين من دخولها خير دليل»، مشيراً إلى أنه «كان حرياً بالأمم المتحدة إصدار بيان يبين من هو الطرف الذي منع المسؤول الدولي من دخول تعز والاطلاع على الوضع الكارثي هناك، لكنهم أصدروا بيانا حملوا فيه الأطراف المتنازعة، وهذا تستر على جريمة في حق المدنيين، أعتقد أن الحوثيين داخل هذه المكاتب يحرصون على أن تخرج بهذا الشكل المميع وغير الواضح دون تحديد الجهات التي تعرقل جهود المنظمات الدولية وتمنع وصول المساعدات».
إلى ذلك، يوضح نجيب غلاب، رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، أن الحركة الحوثية اعتمدت خلال حروبها السابقة على توظيف المنظمات الدولية بالذات الإنسانية والحقوقية باعتبارها أداة من أدوات إدارة حربها ضد الدولة اليمنية، إلى جانب محاولة تسويق مظلوميتها في الإطار الدولي والإقليمي من خلال هذه المنظمات.
وتابع «ما زال الحال الحوثيون يستندون بشكل أساسي إلى توظيف هذه المنظمات، هناك تقارير كثيرة تحدثت عن اختراق لوبي حوثي بالتعاون مع (حزب الله) وإيران لأغلب المنظمات الحقوقية والإنسانية، وعادة تعامل باعتبارها أداة من أدوات الحرب لحمايتها».
ولفت غلاب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحركة الحوثية لا تتعامل مع منظمات الأمم المتحدة لمعالجة المشكلات، وبالتالي إذا عملت هذه المنظمات بطريقة معاكسة لتوجهات الحركة يمكن للحوثيين مواجهتها بالرصاص، كما حدث مع ستيفن أوبراين في تعز قبل يومين. واستطرد بقوله «هي تستغل المنظمات الأممية إذا عملت لصالحها، وفي حال العكس هي مستعدة لرفضها رفضاً باتاً، ويمكن مواجهتها، وربما طردها من مناطق سيطرتها، كما حصل في مرات سابقة».
ويعود الدكتور نجيب، وهو الأستاذ السابق للعلوم السياسية بجامعة صنعاء، للوراء قليلاً لبيان علاقة الحركة الحوثية بالأمم المتحدة، ويقول: «لو تتبعنا دور الأمم المتحدة سنجد أن دورها كان تسويق الحركة الحوثية وشرعنة وجودها. كانت حركة متمردة، الكثير من القوى السياسية ترفض دخولها وهي ميليشيا مسلحة ولا تمثل حزبا، وتسيطر على صعدة ومناطق أخرى، ومع ذلك الأمم المتحدة ضغطت وأدخلت الحركة الحوثية وشرعنت وجودها، سنجد كذلك أن الأمم المتحدة من خلال مبعوثها السابق لليمن جمال بن عمر استطاعت أن توصل الحوثيين إلى انقلاب تام، ابتداء من وثيقة السلم والشراكة التي تم من خلالها إلغاء المبادرة الخليجية والتأسيس لمشروع جديد، وهو البيان الأول للانقلاب الحوثي».
ويؤكد غلاب، بأنه رغم أن الحركة الحوثية جرفت العملية السياسية بالكامل، وألغت كل المرجعيات وحاولت إنهاء شرعية الحكومة الشرعية، إلا أن الأمم المتحدة ما زالت تتعامل مع الحركة الحوثية بنعومة كاملة، وأضاف «ما زالت تعترف بها باعتبارها طرفا أساسيا في العملية السياسية، وحتى مسألة معاقبة الحركة تمت معاقبة عبد الملك الحوثي فقط وأحد القيادات العسكرية الذي ليس له تأثير، ولم تعاقب الحركة باعتبار أنها جرفت العملية السياسية وبالقوة، وبآليات إرهابية».
وبالعودة لهمدان العليي، يعتقد أن الخيارات المتاحة أمام الأمم المتحدة لتعديل هذه الأوضاع في اليمن من خلال إبعاد الأشخاص المحسوبين على جماعة الحوثي، وهم معروفون بالاسم، وجلب موظفين دوليين لا علاقة لهم بأطراف السياسية، بحسب تعبيره. وأضاف «للأسف، حتى الآن لم تفهم هذه المنظمات أنهم مخترقون من الحوثيين، وأن خطوات المنظمات تتأثر بشكل كبير بتوجه جماعة مسلحة تطالبها الأمم المتحدة بتسليم السلاح للدولة والإفراج عن آلاف المعتقلين في سجونها».
النقطة الأهم، بحسب العليي، هي أن وضع المنظمات التابعة للأمم المتحدة وبقاءها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، رغم أن العاصمة المؤقتة حالياً هي عدن والحكومة مقرها عدن يعد وضعاً غير قانوني، وقال «وبالتالي يجب نقل مكاتب هذه المنظمات إلى عدن بحكم القانون الذي يجبرها على أن تتواجد في المدينة التي توجد بها لحكومة الشرعية للبلاد».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.