مركز دعائي لـ«داعش» في حي راق غرب الموصل

كان يبث إذاعته «البيان» من فيلا فيه

مركز دعائي لـ«داعش» في حي راق غرب الموصل
TT

مركز دعائي لـ«داعش» في حي راق غرب الموصل

مركز دعائي لـ«داعش» في حي راق غرب الموصل

عثرت القوات العراقية على مركز دعائي لتنظيم داعش داخل دارة فخمة في حي راق استعادت السيطرة عليه في الجانب الغربي من الموصل. وقالت القوات العراقية، وبعض أهالي الحي، إن تنظيم «داعش» استخدم الفيلا المؤلفة من طابقين، وتحيط بها حديقة كبيرة، مقراً لإذاعة «البيان»، التابعة له، ولإصدار ملصقاته.
وقال المقدم عبد الأمير المحمداوي، من قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أخبرنا الجيران أنهم يعدون إعلاناتهم هنا. وبعد مجيئنا، وتفحص المكان، اكتشفنا أنه كان مركزاً إعلامياً يبث منه راديو البيان». وأشار المحمداوي إلى أن المتطرفين أضرموا النار في المنزل لدى هروبهم من الحي، ولم يبق منه شيء تقريباً.
وبدت الجدران الداخلية للفيلا مغطاة بالسخام الأسود حتى السقف، فيما نجت دمية على شكل سيارة من الحريق. وانتشرت في المطبخ رزم من الأوراق المحترقة، وعثر عند بابه على حاسبات يدوية، بعضها أذابته النار، وأخرى ما زالت صالحة، فيما انتصبت بداخله هياكل حواسيب كبيرة محترقة.
وقال المحمداوي: «كل شيء احترق تماماً (...) عثرنا على بضعة حواسيب وملصقات وأقراص مدمجة، وستنقل كلها إلى وحدة الاستخبارات». وأشار إلى العثور على معدات للبث الإذاعي، وشوهد مقاتلو الرد السريع ينقلون لوحة ضبط الصوت.
وقال عبيد رضوان (22 عاماً)، المقيم بجوار الفيلا: «هذا المكان كان يستخدمه (داعش). كان ممنوعاً أن يدخله أحد»، وأضاف: «كانوا يستخدمونه كموقع إعلامي لطبع إعلاناتهم، (مثل) التي شاهدتموها في الشارع»، وتابع: «استخدموه أيضاً محطة لراديو البيان». واعتمد المتطرفون خطة إعلامية متطورة، شكلت عنصراً رئيسياً في عملياتهم الدعائية. وأعلنوا من خلال «البيان»، وقنوات أخرى، مسؤوليتهم عن هجمات في الخارج، بينها إطلاق النار في ملهى أورلاندو الليلي، في يونيو (حزيران) الماضي، في فلوريدا، الذي أسفر عن مقتل 50 شخصاً.
وكان المتطرفون يبثون بشكل متكرر مواد إعلانية لشد عزيمة مقاتليهم، وتصوير الحياة على أنها مثالية في مناطق سيطرتهم، بهدف تجنيد المقاتلين. وقال تشارلي ونتر، الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية كنغز، في لندن، إن «الدعاية هي كل شيء بالنسبة لتنظيم داعش، ليس فقط لجهة قدرته على التسويق والترويج في جميع أنحاء العالم، لكن أيضاً لضمان طاعة الناس له في معاقله في سوريا والعراق».
ويركز إعلام «داعش»، وهو ما بينته وسائل الدعاية التي عثر عليها في الأراضي التي استعيدت من قبضته، على استخدام لافتات كبيرة تتضمن الأحكام الدينية التي يفترض على الناس الالتزام بها، ومنها تعليمات تفرض على النساء ارتداء النقاب في مناطق سيطرته.
وقال ونتر إنه ليس مفاجئاً أن يشعلوا النار في مركز «الجوسق» الإعلامي، فـ«ربما هم أكثر حرصاً على سرية إعلامهم من أي شيء آخر»، وأضاف: «هذا لأنه مهم جداً بالنسبة لهم؛ إنه وسيلة للتقليل من حجم الخسائر، ولترسيخ صورتهم في أذهان الناس، حتى إن ضعفت سيطرتهم على الأراضي».
وعثر في حديقة الفيلا على صندوق قرب نافذة في الخارج، يحتوي على مئات من أغلفة الأقراص المدمجة. وقال ونتر إن بقايا محتويات المنزل تشير إلى أنه كان يستخدم لإنتاج مواد ترويجية للتوزيع في الأكشاك الإعلامية المنتشرة في مناطق سيطرته، لكنه اعتبر أن وجود الفيلا في حي سكني، وأنها كانت معروفة للجميع كمركز إعلامي، يعني أنه لم يكن لها دور رئيسي في آلة التنظيم الدعائية. وقال في هذا الصدد: «سيكون مفاجئاً لو أنهم أنتجوا أياً من أشرطة الفيديو، أو قاموا بأي من مراحل ما بعد الإنتاج، أو احتفظوا بأي من مقدمي هذه الأشرطة، في مكان عام مثل هذا»، وأضاف: «أعتقد أن ذلك لا بد أن يجري في مكان آخر سري تماماً».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.