ضابطة «سي آي إيه» مدانة باختطاف إمام مسجد ميلانو تحتفل بإفلاتها من السجن

أبو عمر المصري لـ «الشرق الأوسط»: سعيد بالعفو بعد تخلي الجميع عنها

سابرينا دي سوسا تحتفل بعدم سجنها في قضية اختطاف المشتبه به أبو عمر المصري بميلانو عام 2003 (واشنطن بوست)
سابرينا دي سوسا تحتفل بعدم سجنها في قضية اختطاف المشتبه به أبو عمر المصري بميلانو عام 2003 (واشنطن بوست)
TT

ضابطة «سي آي إيه» مدانة باختطاف إمام مسجد ميلانو تحتفل بإفلاتها من السجن

سابرينا دي سوسا تحتفل بعدم سجنها في قضية اختطاف المشتبه به أبو عمر المصري بميلانو عام 2003 (واشنطن بوست)
سابرينا دي سوسا تحتفل بعدم سجنها في قضية اختطاف المشتبه به أبو عمر المصري بميلانو عام 2003 (واشنطن بوست)

على مدى سنوات، حاولت سابرينا دي سوسا إقناع السلطات الإيطالية بأنها مدانة على نحو خاطئ في تهمة اختطاف المواطن المصري المشتبه به في ميلانو في عام 2003.
ومن منزلها في واشنطن، والآن في البرتغال، مارست الجاسوسة الأميركية السابقة الضغوط للحصول على عفو حتى تتمكن من زيارة والدتها المسنة في الهند من دون ترحيلها إلى إيطاليا وسجنها هناك.
وفي يوم الثلاثاء الماضي، وقبل وقت قصير من اقتيادها إلى إيطاليا بواسطة سلطات الإنتربول الدولية لقضاء عقوبة السجن لمدة 4 سنوات، حصلت السيدة دي سوسا في نهاية المطاف على ما كانت تصبو إليه: حيث أصدر الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا مرسوما يمهد الطريق أمامها لتأدية الخدمة المجتمعية، بدلا من قضاء فترة العقوبة في السجن. ولقد ألغت السلطات الإيطالية أيضا مذكرة اعتقالها، مما يفتح أمامها المجال للسفر إلى أي مكان ترغب فيه.
والسيدة دي سوسا، البالغة من العمر 61 عاما، تحمل الجنسيتين الأميركية والبرتغالية، وتعيش في لشبونة، وقالت إن قرار اللحظة الأخيرة قد سبب لها ارتياحا كبيرا، على الرغم من أنها تشعر بأن القرار جاء متأخرا 3 أشهر كاملة؛ فوالدتها، السيدة جوليا دي سوسا، قد وافتها المنية في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن عمر يناهز 90 عاما. ولم تتمكن ابنتها من زيارتها أو وداعها. وقالت السيدة دي سوسا في مقابلة شخصية عبر تطبيق «سكايب» الأربعاء: «الأمر المحزن هو: أردت حقا تسوية هذه المسألة من قبل ذلك حتى أتمكن من الذهاب إلى أمي وأقول لها إن كل شيء على ما يرام. لا يبدو أن الناس يدركون كيف تؤثر الإدانة على حياتك اليومية الطبيعية. إنني لا أستطيع مجرد رؤية عائلتي». من جهته، أعرب حسن مصطفى إسماعيل «أبو عمر المصري» إمام مسجد ميلانو السابق لـ{الشرق الأوسط} عن سعادته بقرار الرئيس سيرجيو ماتاريلا بتخفيف العقوبة عن عميلة «سي آي إيه» دي سوسا. وقال في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» إنه أرسل خطبا إلى الرئيس الإيطالي يطلب منه العفو عن مديرة الاستخبارات الأميركية في روما، التي دبرت أمر اختطافه عام 2003. وأصدر الرئيس الإيطالي أمرا يقضي بتخفيض العقوبة من 4 إلى 3 سنوات، مع الاكتفاء بالخدمات الاجتماعية بدلا من السجن.
وخسرت دي سوسا 3 استئنافات ضد تسليمها إلى السلطات الإيطالية، بعد إدانتها غيابيا بتهمة اختطاف أبو عمر المصري، وتسليم غير مشروع لرجل الدين المصري الذي قال إنه حصل من قضية التعويضات التي رفعها ضد السلطات الإيطالية على نحو 90 ألف يورو، وقال أبو عمر: «أنا سعيد بهذا العفو، بخاصة أنني ناشدت الرئيس الإيطالي منذ عام بالعفو عنها، وكنت أتمنى هذا الأمر، وأتمنى أن تدفع لي المخابرات الأميركية مبلغ التعويض الكامل، البالغ نحو مليون ونصف المليون يورو». وأوضح: «سابرينا تعاني من أزمات، وتخلى الجميع عنها؛ سواء زملاؤها في (سي آي إيه) أو أهلها في البرتغال، وتعرضت للظلم من قبل الجميع. لقد تخلى عنها بلدها البرتغال، وكذلك المخابرات الأميركية التي كانت تعمل لحسابها»، مضيفا: «أنا أتواصل معها عبر (تويتر) وأشعر بمعاناتها، لذا أنا سعيد بالعفو عمها». وأوضح أبو عمر المصري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رغم ما تعرضت له من اختطاف وتعذيب وفقدان لعملي، وسجني وحرماني من أولادي وبيتي، فإنني لا أتمنى رؤية عميلة المخابرات داخل السجن، فقد بلغت من العمر 61 عاما، وفقدت والدتها ولم تحضر جنازتها، مثلما حدث لي عندما كنت مسجونا ورفض وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي أن أشارك في جنازة والدتي (يرحمها الله)».
واختطف «أبو عمر» عام 2003 من شوارع ميلانو، بواسطة «سي آي إيه»، قبل أن يتم ترحيله إلى مصر.
إلى ذلك، أشادت السيدة دي سوسا بفضل إدارة الرئيس ترمب التي أخذت قضيتها على محمل الجدية. وأشارت إلى الدور الذي لعبه النائب الجمهوري بيت هويكسترا (من ولاية ميتشغان) الذي مارس ضغوطا كبيرة من أجل دفع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وغيرها من الوكالات للتفاوض مع السلطات الإيطالية والحيلولة دون تنفيذ الحكم بسجنها. وقال النائب هويكسترا، الرئيس السابق للجنة الاستخبارات بمجلس النواب: «كانت القيادة الجديدة في الاستخبارات المركزية الأميركية تدعم قضية دي سوسا مائة في المائة. واحتمال وجود ضابط سابق بالاستخبارات الأميركية في أحد السجون الإيطالية ليس بالأمور الجيدة التي كنا نسمح بها. ولقد ظلت هذه القضية كمثل الجرح النازف في العلاقات الأميركية - الإيطالية طيلة الـ13 عاما الماضية، ولقد آن له الشفاء الآن».
ولقد رفضت الاستخبارات الأميركية التعليق على القضية. وقال مارك تونر، القائم بأعمال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، في بيانه، إن الوزارة ترحب بقرار الرئيس الإيطالي.
وبدأت محنة السيدة دي سوسا في 17 فبراير (شباط) من عام 2003، عندما غادر أحد الأئمة المصريين، ويدعى حسن مصطفى أسامة نصر، والمعروف كذلك بكنية «أبو عمر»، منزله في ميلانو ليمارس عادته اليومية في المشي إلى المسجد، وكان المسؤولون في الاستخبارات الأميركية يعتقدون أن ذلك الإمام كان قد تآمر قبل عام لتفجير حافلة مدرسية للأطفال في طريقها إلى إحدى المدارس الأميركية في ميلانو، وكانت هناك شاحنة ببيضاء تتابع مسير أبو عمر، وخرج منها رجلان واقتادا أبو عمر إلى داخلها، ثم تم نقله بعد ذلك إلى مصر، حيث تعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه.
في ذلك الوقت، كانت السيدة دي سوسا مسجلة ضابطةًَ تابعة لوزارة الخارجية الأميركية في القنصلية الأميركية في ميلانو. وفي حقيقة الأمر، كانت تعمل ضابطة حالة لدى الاستخبارات المركزية الأميركية. وفي يوم اختطاف أبو عمر، قالت السيدة دي سوسا إنها كانت ترافق ابنها في رحلة للتزلج في شمال إيطاليا. وتولت النيابة الإيطالية متابعة القضية على أساس أن أبو عمر تعرض للاختطاف القسري من دون إصدار مذكرة رسمية باعتقاله، في الممارسة المثيرة للجدل التي عرفت إعلاميا باسم «التسليم الاستثنائي». وفي فبراير من عام 2007، وجه قاض إيطالي الاتهام إلى السيدة دي سوسا إلى جانب 25 مواطنا أميركيا آخرين، وأغلبهم من الضباط التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذين كانوا قد غادروا إيطاليا بالفعل. وأقامت النيابة العامة الإيطالية قضيتها على نحو جزئي وفق أساليب عمل الضباط الأميركيين، واعتمادا على سجلات هواتفهم الجوالة من أجل تتبع تحركاتهم قبل وبعد تنفيذ العملية.
ومن خلال وثائق التحقيقات، نقل أعضاء النيابة العامة الإيطالية مقولة ضابط إنفاذ القانون الإيطالي الذي كان «يشتبه» في أن السيدة دي سوسا كانت «الرئيس الحقيقي لمجموعة الاستخبارات الأميركية في ميلانو»، إلى جانب ضابط آخر في الاستخبارات الإيطالية، الذي قال: «عملية التسليم كانت أقرب ما تكون إلى السيدة دي سوسا، رئيسة محطة الاستخبارات الأميركية في روما».
وقالت السيدة دي سوسا إن الأدلة كانت ظرفية تماما، وإن مشاركتها الوحيدة في تلك العملية، كما قالت، أنها خدمت بصفتها مترجمة في عام 2002 بين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها الإيطالية لمناقشة عملية التسليم، وعلى وجه عام. وفي عام 2009، أدينت السيدة دي سوسا إلى جانب 22 ضابطا آخرين غيابيا من قبل القضاء الإيطالي وحكم عليهم بأحكام سجن متفاوتة. ولقد ظل جميعهم أبعد ما يكونون من أوروبا، إلا السيدة دي سوسا التي سافرت إلى البرتغال في عام 2015، حيث يمكنها العيش بجوار عائلتها. أما قضيتها، كما تقول، فقد أظهرت مدى ضعف الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج وسهولة ملاحقاتهم قضائيا في الدول المضيفة لهم.
وفي أواخر فبراير الماضي، ألقت السلطات البرتغالية القبض على السيدة دي سوسا وأرسلتها إلى سجن النساء هناك، استعدادا لتسليمها إلى السلطات الإيطالية. ولكن في يوم الثلاثاء، خفض الرئيس الإيطالي ماتاريلا الحكم الصادر بحقها من 4 سنوات في السجن إلى 3 سنوات فقط، مما يمكنها، بموجب القانون الإيطالي، من تأدية الخدمة المجتمعية بدلا من قضاء الحكم في السجن.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟