القاهرة وبرلين تتفقان على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية

إبرام اتفاق قريباً يمنح المؤسسات الألمانية المدنية إطاراً قانونياً للعمل في مصر

القاهرة وبرلين تتفقان على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية
TT

القاهرة وبرلين تتفقان على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية

القاهرة وبرلين تتفقان على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية

اتفقت مصر وألمانيا على تعزيز التعاون لمكافحة الحركات الإرهابية، وكذلك تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تزور القاهرة: «تطرقت مباحثاتنا إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسبل التعاون لمواجهة التحديات الراهنة.. خاصة أن الظروف الإقليمية الحالية بالشرق الأوسط تلقي بظلالها على أمن واستقرار أوروبا والعالم بأسره».
وأشاد السيسي بالإسهامات الألمانية الممتدة في مسيرة مصر التنموية والاقتصادية والتعاون العميق القائم بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، مؤكدا أن زيارة المستشارة ميركل تأتي بعد تحولات وأحداث كبيرة شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، وما عكسته من عزم الشعب المصري على إنفاذ إرادته والحفاظ على هويته ومقدراته.
وقال السيسي: «لقد بدأت مصر بالفعل مسيرة جادة نحو بناء مستقبل مشرق لأبنائها، وهي مسيرة نتطلع فيها بدعم من شركائها التقليديين وفي مقدمتهم ألمانيا، لقد عقدت اليوم مع المستشارة الألمانية جلسة مشاورات بناءة ومتميزة تطرقنا فيها لمختلف ملفات التعاون الثنائي والشراكة الاقتصادية القائمة بين البلدين».
وأضاف: «تم الاتفاق على تعزيز العلاقات وتطويرها في مجالات مختلفة». وتابع: «أطلعت المستشارة على الخطوات التي اتخذتها مصر خلال السنوات الثلاث الماضية على صعيد تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية وما أنجزه الشعب المصري خلال فترة وجيزة في سبيل ترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة وإقراره لدستور متطور يحمي الحريات بشكل غير مسبوق ويحفظ لمصر هويتها».
وأكد السيسي أهمية تعزيز التشاور بين البلدين وتنسيق الجهود من أجل المساهمة في التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بالشرق الأوسط وإعادة الاستقرار إليه، و«في نفس السياق لقد ناقشنا أيضا سبل التعاون بين البلدين من أجل التعامل مع أزمة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى التصدي لقوى الظلام والإرهاب والتطرف التي تمثل تهديدا مشتركا وتسعى إلى عرقلة مسيرة التنمية ونشر الكراهية والعنف والنيل من نسيجنا الوطني».
وتابع: «أود أن أؤكد على أن مصر بتلاحم شعبها ووعيه تخوض معركة حاسمة ضد الإرهاب والتطرف وتقف على خط الدفاع الأول في مواجهة هذا الخطر المشترك الذي لا يعرف وطنا أو دينا، ونتطلع إلى تطوير التعاون الوثيق مع أصدقائنا الألمان في هذا المجال المهم».
من جهتها، قالت ميركل إن التعاون المصري الألماني جيد جداً وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، مضيفة أنه تم بحث موضوع المؤسسات المدنية الألمانية في مصر والتي تقوم بدور في المجتمع المدني، مشيرة إلى أنه سيتم إبرام اتفاق قريباً في ألمانيا يعطي إطاراً قانونياً لعمل المؤسسات المدنية الألمانية في مصر.
وأوضحت أن المجتمع المدني مهم جداً لتطوير المجتمع، منوهة إلى أن مصر تمر بموقف صعب في مواجهة الإرهاب، وأن المجتمع المدني من شأنه القضاء على التطرف.
وعن قضية الإرهاب، قالت ميركل: «إن المحادثات تناولت أيضا التهديدات الإرهابية التي تواجه مصر وألمانيا وسبل مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال تعزيز التعاون بين البلدين، مع مراعاة تعددية المجتمع المدني»، وشددت على ضرورة تعزيز التعاون لمكافحة كل الحركات الإرهابية القادمة من الجوار إلى مصر، وضرورة دعم جهود مصر المبذولة لاستقبال اللاجئين.
وأوضحت أن مصر استقبلت 500 ألف لاجئ سوري، بالإضافة لاستقبالها الكثير من اللاجئين من مختلف البلدان الأخرى، ولفتت إلى أن مصر تمر بمرحلة اقتصادية محورية.. عبر تحرير سعر العملة والتي شكلت مرحلة صعبة، وأكدت استعداد بلادها لدعم برنامج صندوق النقد الدولي والالتزام بتوفير مبلغ 250 مليون دولار، بالإضافة إلى توفير 250 مليون دولار في بداية عام 2018.
وكان السيسي وميركل قد افتتحا أمس ثلاث محطات كهرباء أقامتها شركة «سيمنز» الألمانية بالتعاون مع شركتي «السويدي» و«أوراسكوم» المصريتين، بتكلفة إجمالية 6 مليارات يورو.
وتشمل زيارة ميركل للقاهرة، التي تستغرق يومين، لقاءات مع ممثلي مجتمع الأعمال المصري الألماني، ولقاء شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس بابا الأقباط. وتعد تلك الزيارة هي الثالثة لميركل في مصر، حيث زارتها من قبل عامي 2007 و2009، ويرافق ميركل وفد اقتصادي رفيع المستوى يضم كبريات الشركات الاستثمارية والاقتصادية منها الاتحاد الفيدرالي للغرف التجارية، والاتحاد الفيدرالي؛ فضلاً عن كافة الاتحادات والغرف التجارية من 16 ولاية ألمانية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.