مع أنه ربما لا يشبه الأبطال الرياضيين الأسطوريين، تظل الحقيقة أن وجود سانتي كازورلا في خط وسط آرسنال يجعل منه فريقاً مختلفاً تماماً، وأفضل بكثير. والملاحظ أن كرة القدم الإنجليزية دائماً ما أولت اهتماماً خاصاً لفكرة القيادة: ما هي على وجه التحديد؟ كيف تنبغي ممارستها؟ ومن دونها، ما الذي سيبقي على اللاعبين قيد السيطرة، ويحول دون جموحهم؟
وفي كثير من الحالات، يجري تعريف القيادة من زاوية الغياب، بمعنى الشعور بأن ثمة عنصراً قوياً ورجولياً وحيوياً سمح له بالذبول. والحقيقة الجلية أن آرسنال يفتقر إلى القيادة، بل والمنتخب الإنجليزي أيضاً. وفي كلا النموذجين، تغيب القيادة من زاوية محددة: القوة الرجولية الحازمة المسيطرة. أخيراً، أشار المهاجم الإنجليزي السابق تيدي شيرنغهام إلى أن لاعبي ليستر سيتي بإمكانهم التخلص من مشكلاتهم عبر الاهتمام بتكتيكات اللعب، وتعزيز الحافز في نفوسهم، وليس عبر بذل مجهود إضافي أثناء التدريب.
على الجانب الآخر، قد يخفي الأمر وجهاً آخر، ففي خضم أسبوع من المواجهات الصعبة على صعيد كرة القدم الإنجليزية، جاءت أنباء غياب كازورلا لباقي الموسم بسبب الإصابة لتضفي سحابة من الحزن لم تقتصر على جمهور آرسنال فقط. والملاحظ أن كازورلا غائب بالفعل عن الملاعب منذ أكتوبر (تشرين الأول)، لكن إصابة الكاحل التي يعانيها تفاقمت الأربعاء، وهي ثالث إصابة خطيرة يتعرض لها خلال العامين الماضيين. والمعروف أن كازورلا، 32 عاماً، يعتبر واحداً من أمهر لاعبي خط الوسط، وقد شارك على امتداد 12 موسماً كاملة في إسبانيا وإنجلترا حتى الآن. وتتركز المخاوف، التي لا أساس لها حتى هذه اللحظة لحسن الحظ، في أن يكون اللاعب الذي لطالما عانى من القيود التي تفرضها عليه قوته البدنية قد بلغ نقطة أصبح القول الفصل فيها للأوتار المتضررة والألياف المجهدة.
جدير بالذكر أنه على امتداد الجزء الأكبر من العام الماضي، كان كازورلا من العناصر المهمة الغائبة عن صفوف آرسنال. ومع ذلك، أغفل ذكره أغلب الوقت. والآن، أصبحت النغمة المكررة التي حفظها الجميع عن ظهر قلب لدى فتح نقاش حول السر وراء إخفاقات آرسنال، في ظل قيادة المدرب آرسين فينغر، القول إن الفريق يفتقر إلى القيادة. ومع هذا، نادراً ما يشير أحد إلى غياب كازورلا، باعتباره عاملاً بالغ الأهمية وراء هذه الفجوة بمجال القيادة. ويعتبر ذلك في حد ذاته أمر بالغ الغرابة، بالنظر إلى أن كازورلا ليس أكثر لاعبي آرسنال نضجاً، من حيث الجانب الفني فحسب، وإنما لأنه يعتبر أفضل لاعب خط وسط مركزي على مستوى الدوري الممتاز بأكمله.
ومع أن البعض قد يعترض بشدة على هذا التقييم، خصوصاً أنه قد يكون من السهل للبعض نسيان حجم النجاح الكبير الذي حققه كازورلا في وسط الملعب خلال السنوات القليلة الماضية، يبقى الأمر المؤكد أنه عندما يتألق كازورلا، ويبذل قصارى جهده، يصبح من الصعب إيجاد لاعب خط وسط في إطار الدوري الممتاز يكافئه في قدرته على السيطرة على سير المباراة بمثل هذه الدرجة من المهارة والسرعة.
بوجه عام، لا يسعنا سوى القول إن مجرد مشاهدة كازورلا يصول ويجول بأرجاء الملعب تجربة ممتعة في حد ذاتها. ويبدو اللاعب نموذجاً مثالياً للاعب كرة القدم في صورتها الحديثة، مع إتقانه اللعب بكلتا قدميه. في المقابل، يبدو اللاعب بعيداً تماماً عن الصورة التقليدية للاعب كرة القدم الحديثة من زاوية أخرى عند النظر إلى ضآلة جسده، ومراوغته المستمرة داخل الملعب التي تجعله أشبه بشخصية فأر كارتونية يقفز من مكان لآخر بمهارة عجيبة، دون أن يفقد مكعبات السكر القيمة التي تمتلئ بها جيوبه.
بالطبع، كل ما سبق ذكره معروف للجميع. ومن المعروف كذلك أن ريال مدريد حاول شراء كازورلا مرتين. وقد شارك اللاعب في 77 مباراة مع المنتخب الإسباني، ناهيك بحصوله على ميداليتين ذهبيتين في بطولة أمم أوروبا لكرة القدم. ومع ذلك، ظل قدر كازورلا المحتوم أن يبقى دائماً مفتقراً إلى التقدير الذي يستحقه.
ومن بين المتع القليلة التي حظي بها المرء لدى متابعته لقاءات تشيلسي هذا الموسم من الدوري الممتاز المشاركات قصيرة الأمد لسيسك فابريغاس في مثل هذا الدور، الذي تميز بهدوئه واتزانه المذهل في تمريره الكرة. أما خوان ماتا، فلا يزال يصول ويجول في أرجاء الملعب مثل فرس جامح. على الجانب الآخر من المدينة، وداخل استاد الاتحاد، قدم ديفيد سيلفا أخيراً أداء ساحراً من جديد، في مواجهة قوة أعتى تتمثل في خط وسط موناكو.
أما كازورلا، فإنه مع وجوده في وسط الملعب، يصبح آرسنال فريقاً مختلفاً، وأفضل كثيراً. ويضفي وجوده في الملعب غطاءً دفاعياً وشعوراً بالاستقرار في صفوف فريقه، بجانب اضطلاعه بدور قيادي واضح. هذا الموسم، شارك كازورلا في التشكيل الأساسي خلال 10 مباريات، انتهت 8 منها بفوز فريقه، بينما انتهت الاثنتين الأخريين بالتعادل. وفي ظل مشاركاته مع الفريق، نجح آرسنال في الخروج بشباك نظيفة في 5 مباريات، مقارنة بـ4 فقط خلال 20 مباراة ببطولتي الدوري الممتاز ودوري أبطال أوروبا، منذ تعرضه للإصابة. وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تمكن آرسنال من هزيمة تشيلسي ومانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وليفربول وتوتنهام هوتسبر مرة واحدة فقط، دون مشاركة كازورلا. وفي ظل غياب كازورلا، ثمة شعور قوي داخل آرسنال برحيل لحظات ثمينة، وفرص مهدرة، وإمكانيات مفقودة.
إصابة كازورلا... ضربة موجعة أخرى لآرسنال
في غيابه يفتقد الفريق لحظات إبداع وخبرة يصعب تعويضها
إصابة كازورلا... ضربة موجعة أخرى لآرسنال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة