خلط بين الروائي والتسجيلي

خلط بين الروائي والتسجيلي
TT

خلط بين الروائي والتسجيلي

خلط بين الروائي والتسجيلي

مثل التفاح والبرتقال، فإن الأفلام الروائية والأفلام غير الروائية، كلاهما نافع لكن كل منهما نوع «فاكهة» مختلف. والمثل الإنجليزي يقول: «لا تخلط التفاح بالبرتقال»، أي افصل المسائل لأن لكل منها طبيعته وشروطه.
للأسف، ومنذ أن أقدمت إحدى المهرجانات الكبيرة على تقديم فيلم تسجيلي داخل المسابقة الروائية، من باب أنه كله سينما، سارعت مهرجانات أخرى، من أحجام مختلفة، للاحتذاء بهذا الفعل، وبذلك صار من المحتمل جداً والشائع كثيراً أن تجد فيلماً تسجيلياً (وفي بعض المهرجانات أكثر من فيلم واحد) معروض في المسابقة ذاتها التي كانت في الأساس مخصصة للسينما الروائية.
مهرجان برلين عرض فيلماً تسجيلياً في مسابقته الأولى وفيلماً من الرسوم المتحركة. وبين 17 فيلماً عرضها مهرجان دبي في نهاية العام الفائت، حشد المهرجان 6 أفلام تسجيلية. والحال كذلك في باقي مسابقات الفيلم الطويل. سابقاً ما كان فصل بين النوعين مخصِصاً مسابقة لكل منهما.
وأقدمت مهرجانات عربية وغير عربية على هذا الجمع بصرف النظر عن دواعيه ومبرراته. وإذا سألت قيل لك إن المهرجانات الكبيرة الأخرى تفعل ذلك. لكن هذا التبرير واهٍ بحد ذاته، فلا أحد معصوم من الخطأ بما فيها تلك المهرجانات. إلى ذلك، فإن فينسيا وبرلين وكان قد تعرض فيلماً تسجيلياً واحداً بين 18 عشر فيلما تعرضها في المسابقة. هذا أقل ضرراً من أن تعرض خمسة أو ستة أفلام تسجيلية في المسابقة ذاتها التي تعرض الفيلم الروائي.
لكن لماذا هو خطأ الجمع بين الروائي وغير الروائي في مسابقة واحدة؟ لأن النوعين مختلفان تماماً، حيث يعتمد أحدهما على عناصر مختلفة تتضمن التمثيل والكتابة الروائية وتصاميم الملابس والديكور وربما المضي بعيداً في عالم التأليف للذهاب إلى أزمنة أخرى، أما الآخر مناط به إما تصوير وضع قائم أو تقديم وضع كان قائماً عبر الوثيقة وأدواته في ذلك تختلف في كل ناحية بما فيها ما ينص عليه تحريك الكاميرا في كل نوع.
كذلك منح جائزة أولى لفيلم روائي يأتي على حساب الفيلم التسجيلي الجيد والعكس صحيح. كيف يمكن لفيلم روائي أن يكون أفضل من فيلم تسجيلي جيد آخر؟ لجنة التحكيم ستجد نفسها مدعوة للنظر في المضمون على حساب الفن لكي تبرر لنفسها منح فيلم تسجيلي الجائزة الكبرى كما حدث في مهرجان برلين في العام الماضي.
أما إذا كانت دواعي المهرجانات العربية لذلك هي خفض النفقات عبر الاكتفاء بلجنة تحكيم واحدة عليها استضافتها ومخرجون أكثر لاستضافتهم فإن هناك أبواباً كثيرة أخرى للتحكم بالميزانية لا تضر بشروط العمل الصحيح.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.