مصادر فرنسية: نريد مساعدة الحكومة التونسية على النجاح في مهمتها

خصت باريس رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة، الذي يقوم بأول زيارة رسمية لفرنسا منذ وصوله إلى منصبه الجديد باستقبال استثنائي يعكس رغبتها في إنجاح التجربة الديمقراطية في تونس، وتوقها لأن تكون «مثلا يحتذى به»، وفق تعبير مصدر فرنسي، لبلدان الربيع العربي الأخرى. وبعد أن التقى جمعة أمس نظيره الفرنسي مانويل فالس ووزير الخارجية لوران فابيوس، سيستقبله اليوم الرئيس فرنسوا هولاند، كما يجتمع إلى رئيس مجلس النواب كلود برتولون. فضلا عن ذلك، يعقد جمعة اجتماعا موسعا مع أصحاب العمل الفرنسيين صباحا ويختتم نهاره الثاني والأخير في فرنسا بمحاضرة يلقيها في الأكاديمية الدبلوماسية التي يديرها السفير السابق جان كلود كوسران.
وقالت المصادر الفرنسية إن «للزيارة الراهنة التي تأجلت أكثر من أسبوعين بسبب التغيير الحكومي في فرنسا، أبعادا سياسية دبلوماسية، من جهة، وأبعادا اقتصادية من جهة أخرى. ففي الجانب الأول، تريد باريس أن تبرز وقوفها إلى جانب الديمقراطية التونسية الفتية التي (نجحت) في امتحان العبور من المرحلة الانتقالية بعد إقرار الدستور الجديد لكنها تحتاج إلى دعم ومساندة لاستكمال مسيرتها مع إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فضلا عن ذلك ترى باريس أن تونس تحتاج أيضا لمواكبة سياسية للتغلب على الصعوبات الأمنية ولدرء المخاطر التي يمكن أن تنتج عن البيئة المحيطة بها. أما اقتصاديا، فإن باريس تريد مساعدة الحكومة التونسية على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي حتى تستعيد عافيتها الاقتصادية وتتمكن من مواجهة استحقاقات عجز الميزانية وإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية».
واستبق جمعة، الذي يصطحبه وفد وزاري وآخر من رجال الأعمال وصوله إلى العاصمة الفرنسية بتأكيد أنه «لم يأت إلى باريس من أجل طلب المال بل من أجل تقديم صورة جديدة عن تونس، وإيصال رسالة إيجابية للمستثمرين من أجل الذهاب إلى تونس»، مضيفا أن «أمرا كهذا لا يمكن إلا أن يمر عبر العاصمة الفرنسية، حيث إن باريس تعد الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس».
ومنذ إقرار الدستور التونسي وبعده تشكيل حكومة جمعة التكنوقراطية، تحظى تونس في فرنسا بصورة إيجابية. وواضح أن باريس تريد نهائيا محو الصورة التي علقت بها أثناء «ثورة الياسمين» بسبب ما عد ترددا منها في توفير الدعم لها. وفي الأسابيع الأخيرة تكاثرت الزيارات المتبادلة بين الطرفين. ويوم الجمعة الماضي زار العاصمة التونسية الوزير فابيوس ونظيره الألماني شتاينماير. وللتدليل على رغبته في مساعدة تونس على استعادة السياح الذين تراجعت أعدادهم بعد ربيع عام 2011، أكد فابيوس أنه سيمضي جانبا من عطلته في تونس من أجل تشجيع السياحة في هذا البلد. وكان الرئيس هولاند قد زار تونس في يوليو (تموز) الماضي للمشاركة في احتفال إطلاق الدستور الجديد. وقال جمعة إنه «يسعى لترسيخ العلاقات مع فرنسا ولدفعها إلى رحاب أوسع فضلا عن إعطاء صورة جديدة عن بلاده ذات الديمقراطية الفتية التي تحتاج لكل أنواع الدعم والتضامن شركائها معها».
وقبل باريس قام جمعة بجولة خليجية كما زار الولايات المتحدة. بيد أن للعاصمة الفرنسية وزنا راجحا في علاقات تونس الخارجية على كل المستويات وخصوصا على المستوى الاقتصادي حيث يوجد ما لا يقل عن 1200 شركة فرنسية في تونس، وهي توظف نحو 120 ألف شخص.
وترى باريس أن جمعة «أثبت حضوره خلال الفترة القصيرة ثلاثة أشهر التي أمضاها على رأس الحكومة. وجاءت ولادة حكومته التوافقية بعد فترة طويلة من الانقسامات السياسية الحادة والأحداث الأمنية المقلقة منها اغتيال وجهين من وجوه السياسة التونسية. ولذا، فإن باريس، وفق مصادرها، تريد «ترسيخ» التجربة الجديدة وتلافي العودة إلى الوراء من خلال استكمال الخطوات المتفق عليها بين الأطراف للانتهاء من العملية الانتقالية التي ينقصها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وحتى الآن، يؤكد جمعة أن الحكومة تعمل على الانتهاء من الاستحقاقات الانتخابية مع نهاية العام الحالي وفق الاتفاقيات المبرمة. لكن حتى الآن وفي ظل غياب القانون الانتخابي وتكاثر الصعوبات «التنفيذية» ليس ثمة ضمانات بأن الانتخابات ستجرى ضمن المهل المذكورة.
ويشكل الموضوع الأمني، أحد مصادر القلق الفرنسي، ورغم أن باريس ترى أن الوضع تحسن بشكل كبير، وانحسرت بوضوح الأعمال الإرهابية، إلا أنها ما زالت ترى أن تونس بحاجة إلى مد يد العون في هذا القطاع من غير أن تكشف عن أي تفاصيل. كذلك ترى أنه من المهم للحكومة الجيدة أن تعيد إطلاق العجلة الاقتصادية التي هي وحدها الكفيلة بإحلال مناخ جديد في تونس.