الجنيه المصري يعاود الهبوط وسط تخوفات من موجة تراجعات عنيفة

بعد قرار تخفيض الدولار الجمركي بيوم واحد

يأتي قرار تخفيض الدولار الجمركي لمعالجة حالة الركود التي ضربت قطاعات عدة في الاقتصاد المصري (رويترز)
يأتي قرار تخفيض الدولار الجمركي لمعالجة حالة الركود التي ضربت قطاعات عدة في الاقتصاد المصري (رويترز)
TT

الجنيه المصري يعاود الهبوط وسط تخوفات من موجة تراجعات عنيفة

يأتي قرار تخفيض الدولار الجمركي لمعالجة حالة الركود التي ضربت قطاعات عدة في الاقتصاد المصري (رويترز)
يأتي قرار تخفيض الدولار الجمركي لمعالجة حالة الركود التي ضربت قطاعات عدة في الاقتصاد المصري (رويترز)

بعد يوم واحد من قرار خفض الدولار الجمركي في مصر الذي يدفعه المستورد للإفراج عن بضاعته المستوردة من الخارج، عاد الجنيه إلى التراجع أمام العملة الأميركية، أمس الأربعاء (بداية شهر مارس «آذار») بوتيرة سريعة، وسط تخوفات من موجة هبوط عنيفة.
وبلغ أعلى سعر للدولار في بعض البنوك المصرية نحو 16.2 جنيه - حتى ظهر أمس - فيما حافظ على متوسط 16 جنيها في البنوك الأخرى، وذلك بعد أن كان يباع ليل الثلاثاء (أول من أمس) بنحو 15.75 جنيه.
ورغم تحسن أداء العملة المصرية في الآونة الأخيرة، فإن وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني حذرت من أن الجنيه لا يزال يقل نحو 44 في المائة عن مستواه قبل التعويم، «وهو ما قد يجعل من الضروري إجراء إصلاحات أخرى».
ووسط شبهة تدخل الدولة في رفع قيمة الجنيه - بحسب بنوك ومؤسسات عالمية كان آخرها «إيكونوميكس كابيتال» - نظرا لسرعة الصعود، تزداد التوقعات بهبوط سريع مرة أخرى، حتى تتحسس العملة المصرية مستوى القيمة العادلة، الذي يحدده محللون وباحثون عند 12 - 14 جنيهاً، متفقين جميعا، مسؤولين وخبراء، حتى أواخر العام الحالي.
وربط البعض بين قرار التخفيض الجمركي يوم أول من أمس (الثلاثاء)، من 16 جنيها للدولار إلى 15.75 جنيه، وارتفاع سعر صرف الدولار أمس، بدور الحكومة في تخفيض الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني، منذ تعويم الجنيه في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي من المتوقع أن يظهر في شهر أبريل (نيسان) نتيجة تلك التخفيضات، وذلك إذا ما التزم التجار.
بالإضافة إلى ذلك تزداد طلبات المستوردين خلال شهري مارس وأبريل، استعدادا لقرب شهر رمضان، الذي يسجل أعلى شهور العام في معدلات الاستهلاك الغذائي في مصر.
ومع تسارع وتيرة ارتفاع الجنيه المصري، منذ بداية الشهر الحالي بنحو 15 في المائة، غيرت وزارة المالية طريقة احتساب الدولار الجمركي، من احتسابه على أساس متوسط تداولات الشهر السابق عليه، (أي كل 30 يوما) إلى كل 15 يوما فقط.
ووفقا لهذه المعادلة المحاسبية، انخفض سعر الدولار الجمركي أمس الأربعاء، إلى 15.75 جنيه بدلا من 16 جنيهاً، بحسب وزير المالية المصري عمرو الجارحي، وسط شكوك في استجابة سريعة من التجار لتخفيض الأسعار.
ويأتي قرار تخفيض الدولار الجمركي، لمعالجة حالة الركود التي ضربت عدة قطاعات في الاقتصاد المصري، نتيجة الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، الناتجة عن تراجع قيمة العملة المصرية بعد التعويم بأكثر من النصف، والتي رفعت معدل التضخم الأساسي في البلاد إلى 32 في المائة في يناير (كانون الثاني)، مسجلا أعلى مستوى منذ مطلع 2005 عندما بدأ تسجيل بيانات التضخم على موقع البنك المركزي على الإنترنت.
ومن شأن تخفيض الدولار الجمركي، أن يحد من ارتفاعات الأسعار بل ويخفضها عن مستواها الحالي الذي أجبر المصريون على إعادة ترتيب أولوياتهم، وسط ترقب لعودة حالة البيع والشراء من جديد.
وفي تقرير حديث لشركة «إتش سي» للبحوث والاستثمار عن وضع الاقتصاد المصري، أوضحت فيه أن «المؤشرات الأولية لما بعد تعويم العملة إيجابية، ولكن لا تزال هناك بعض المعوقات»، مؤكدة وجود تحسن كبير في رصيد الحساب الجاري لمصر، حيث سجل متوسط العجز على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) نحو 14.2 مليار دولار، أي أقل من الرقم الخاص بالسنة المالية 2015 - 2016، الذي بلغ 18.7 مليار دولار.
لكن سارة سعادة، كبير الاقتصاديين بالشركة، ترى أن ما جذبته أسواق الدين والأوراق المالية (نحو 900 مليون دولار حسب تقديرات «إتش سي») في صورة تدفقات أجنبية - خلال الفترة نفسها - «ضئيل بالمقارنة بفارق مجز للغاية لسعر العائد المعدل في ضوء المخاطر»، مرجعة ذلك إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية الناشئ عن إعادة الأرباح إلى بلد الموطن، وقيام الشركات بالتغلب على معوقات التمويل قصير الأجل، بالإضافة إلى عدم وجود تقدير دقيق للفجوة التمويلية غير المغطاة لمصر.
وترى سعادة، أن ارتفاع التضخم معوق للنمو قصير الأجل، لكنها توقعت أن يبلغ متوسط التضخم السنوي 21 في المائة في السنة المالية الحالية التي ستنتهي في يونيو (حزيران) المقبل، عقب تدابير الإصلاح الاقتصادي الأخيرة، وذلك «مقترن بمعدل بطالة في حدود 13 في المائة، الذي سيضغط على نمو الاستهلاك الخاص، ليسجل 2.5 في المائة مقارنة بـ4.6 في المائة في السنة السابقة».
وتوقعت سعادة أن «يسجل نمو تكوين رأس المال الثابت رقما أقل من الرقم المستهدف الأصلي للحكومة، وهو 28.1 في المائة، متأثرا سلبا ببيئة الأعمال غير الصحية التي كانت سائدة في الشهور السابقة على التعويم، بالإضافة إلى نقص محتمل في السيولة لدى الشركات، والتقلب في سعر الصرف»، متوقعة أن «تتم موازنة ذلك جزئيا بتحسن في وضع صافي واردات مصر، بما يرجح نمو الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.5 في المائة في هذه السنة المالية، حسب تقديراتنا، مقارنة بـ4.3 في المائة في العام المالي المقارن».
وقالت وكالة «فيتش» للتصنيفات الائتمانية أمس، إن نمو احتياطات النقد الأجنبي وعودة التدفقات الرأسمالية الخاصة وارتفاع قيمة العملة كلها عوامل تشير إلى تحقيق مزيد من التقدم في استعادة ميزان المعاملات الخارجية لمصر توازنه تدريجيا في أوائل 2017.
وقالت «فيتش»، في تقرير حديث، إن مزيدا من ضبط الموازنة إلى جانب عودة التوازن للمعاملات الخارجية سيمهد الطريق أمام تحسن أوسع نطاقا في مقاييس التصنيف الائتماني السيادي في 2018.
وتقول «فيتش» إن عودة التدفقات الأجنبية على الخزانة المصرية أدت إلى انخفاض عوائد أدوات الدين الحكومية، حيث تراجع العائد على أذون الخزانة لأجل 91 يوما بنحو 200 نقطة أساس في شهر حتى منتصف فبراير (شباط)، وإن كانت العوائد ارتفعت في عطاءات لاحقة بما يشير إلى تقلبات محتملة.
وأضافت: «هذه التطورات الإيجابية تعكس إلى حد كبير (أثر) التدفقات القادمة من مؤسسات ثنائية ومتعددة الأطراف - لا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - واستئناف تدفقات المحافظ الأجنبية والتحويلات بعدما حررت السلطات سعر صرف الجنيه إلى جانب انكماش الواردات وتحسن نشاط التصدير».
ورغم تحسن العملة المحلية في الآونة الأخيرة فإن «فيتش» حذرت من أن الجنيه لا يزال يقل نحو 44 في المائة عن مستواه قبل التعويم، وهو ما قد يجعل من الضروري إجراء إصلاحات أوسع في الدعم الحكومي في الأمد القريب لتحقيق أهداف العجز لعام 2017.
وأضافت: «سيزيد ذلك من الضغوط التضخمية، وستكون مسألة حساسة من الناحية السياسية، وهو ما يزيد من خطر اندلاع اضطرابات اجتماعية تدفع الحكومة إلى التراجع عن بعض الإصلاحات».
وأشارت «فيتش» إلى أن قدرة الحكومة المصرية على الموازنة بين الإصلاحات المالية والنقدية والاقتصادية ومخاطر اندلاع احتجاجات شعبية يظل عاملا مهما يؤخذ في الاعتبار في التصنيفات السيادية.
واختتمت الوكالة تقريرها بالقول: «إذا استطاعت السلطات الحفاظ على التقدم الذي أحرز في الآونة الأخيرة فإن السنة المالية المقبلة التي تبدأ في يوليو (تموز) ستشهد نموا أقوى مع انخفاض التضخم وجني ثمار الإصلاح الاقتصادي»، متوقعة نموا بنسبة 4.5 في المائة في السنة المالية المقبلة ارتفاعا من 3.3 في المائة في السنة الحالية.



تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
TT

تحسن نشاط الأعمال في منطقة اليورو

منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
منظر جوي لنهر السين وأفق منطقة لا ديفانس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)

شهد نشاط الأعمال في منطقة اليورو تحسناً ملحوظاً هذا الشهر، فقد عاد قطاع الخدمات المهيمن إلى النمو، مما ساهم في تعويض الانكماش المستمر في قطاع التصنيع.

وارتفع «مؤشر مديري المشتريات المركب الأولي» لمنطقة اليورو، الذي تُعِدّه «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 49.5 في ديسمبر (كانون الأول) الحالي من 48.3 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم أنه بقي دون مستوى الـ50 الذي يفصل بين النمو والانكماش. وكان استطلاع أجرته «رويترز» قد توقع انخفاضاً إلى 48.2.

وقال سايروس دي لا روبيا، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «هامبورغ التجاري»: «نهاية العام جاءت أكثر تفاؤلاً مما كان متوقعاً بشكل عام. عاد نشاط قطاع الخدمات إلى منطقة النمو، مع تسارع ملحوظ في التوسع، مشابه للتوسع الذي شهدناه في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين».

وارتفع مؤشر قطاع الخدمات إلى 51.4 من 49.5، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى استقرار الوضع عند مستويات نوفمبر الماضي. ومع ذلك، فقد أظهرت البيانات أن الشركات لا تتوقع تحسناً سريعاً في النشاط؛ إذ حافظت على استقرار أعداد الموظفين بشكل عام، فقد تراجع مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات إلى 50.1 من 51.0.

في المقابل، استقر مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع، الذي ظل دون 50 منذ منتصف عام 2022، عند 45.2 في نوفمبر، وهو أقل بقليل من توقعات الاستطلاع البالغة 45.3. كما تراجع مؤشر الناتج، الذي يغذي «مؤشر مديري المشتريات المركب»، إلى 44.5 من 45.1.

وأضاف دي لا روبيا: «لا يزال الوضع في قطاع التصنيع متدهوراً، فقد انخفض الناتج بوتيرة أسرع في ديسمبر الحالي مقارنة بأي وقت سابق من هذا العام، كما تراجعت الطلبات الواردة أيضاً».

وفي إشارة إلى استمرار تدهور الوضع، تواصل تراجع الطلب على السلع المصنعة في منطقة اليورو، فقد انخفض مؤشر الطلبات الجديدة إلى 43.0 من 43.4.

ومع ذلك، أظهرت البيانات تحسناً في التفاؤل العام، حيث ارتفع «مؤشر التوقعات المستقبلية المركب» إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر، مسجلاً 57.8 مقارنة بـ56.1 في الشهر السابق.

وفي فرنسا، انكمش قطاع الخدمات بشكل أكبر في ديسمبر، رغم تباطؤ وتيرة الانكماش، وفقاً لمسح تجاري أجرته «ستاندرد آند بورز غلوبال». وارتفع «مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات» التابع لمؤسسة «إتش سي أو بي» إلى 48.2 في ديسمبر من 46.9 في نوفمبر الذي سبقه، متجاوزاً بذلك توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 46.7.

كما شهد القطاع الخاص الفرنسي الأوسع تحسناً طفيفاً، حيث ارتفع «مؤشر الناتج المركب لقطاع إدارة المشتريات» إلى 46.7 من 45.9، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 45.9. ومع ذلك، تراجع نشاط التصنيع إلى أدنى مستوى له في 55 شهراً عند 39.6 مقارنة بـ41.1 في الشهر السابق.

وفي هذا السياق، قال طارق كمال شودري، الخبير الاقتصادي في بنك «هامبورغ التجاري»: «يظل قطاع الخدمات في حالة من الغموض، وباستثناء مدة قصيرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس، فقد واجه مقدمو الخدمات صعوبة في تحقيق زخم للنمو».

وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى أن عدم الاستقرار السياسي، وضعف ظروف الطلب، كانا من أبرز التحديات التي ساهمت في انخفاض حاد بالتوظيف. وبيّن الاستطلاع أنه رغم التحسن الطفيف في ثقة الأعمال، فإن التوقعات لا تزال ضعيفة في ظل استمرار حالة عدم اليقين السياسي.

أما في ألمانيا، فقد تراجع التباطؤ الاقتصادي بشكل طفيف في ديسمبر، لكن نشاط الأعمال ظل في حالة انكماش للشهر السادس على التوالي. وارتفع «مؤشر مديري المشتريات الألماني المركب»، الذي أعدته «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 47.8 من 47.2 في نوفمبر، رغم أنه ظل في منطقة الانكماش. وكان المحللون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا قراءة تبلغ 47.8.

كما ارتفع مؤشر نشاط الأعمال لقطاع الخدمات في ألمانيا إلى 51 خلال ديسمبر من 49.3 في نوفمبر، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 49.4. وفي هذا السياق، قال دي لا روبيا: «يمثل هذا التحسن في قطاع الخدمات توازناً جيداً مع تراجع الناتج الصناعي السريع، مما يبعث بعض الأمل في أن الناتج المحلي الإجمالي قد لا يكون قد انكمش في الربع الأخير من العام».

وكانت ألمانيا قد تفادت الركود الفني في الربع الثالث، لكن الحكومة تتوقع انكماش الناتج بنسبة 0.2 في المائة عام 2024 عموماً، مما يجعلها متخلفة عن بقية الاقتصادات العالمية الكبرى. وعانى الاقتصاد الألماني من تأثيرات ازدياد المنافسة من الخارج وضعف الطلب وتباطؤ الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، أدى الخلاف حول الموازنة إلى إسقاط الائتلاف الثلاثي في البلاد، مما ترك أكبر اقتصاد في أوروبا في حالة من الغموض السياسي حتى الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وقال دي لا روبيا: «لم يقدم قطاع التصنيع أي مفاجآت إيجابية في العطلات. هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الأخبار السلبية المستمرة حول الشركات التي تخطط لإعادة الهيكلة».

كما تدهور مؤشر التصنيع قليلاً، حيث انخفض إلى 42.5 من 43 في الشهر السابق، وظل بعيداً عن مستوى النمو. وكان المحللون يتوقعون زيادة طفيفة إلى 43.3.