روسيا تتأهب لعقوبات اقتصادية «غير محدودة الأجل»

ميدفيديف لا يكترث... وإجماع على دور رئيسي للنفط

موظفون في أحد بنوك موسكو (غيتي)
موظفون في أحد بنوك موسكو (غيتي)
TT

روسيا تتأهب لعقوبات اقتصادية «غير محدودة الأجل»

موظفون في أحد بنوك موسكو (غيتي)
موظفون في أحد بنوك موسكو (غيتي)

استبعد رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف أن يلغي الغرب عقوباته القطاعية التي فرضها على الاقتصاد الروسي بسبب الأزمة الأوكرانية وضم القرم إلى روسيا، وأعرب عن قناعته بضرورة أن تكون روسيا مستعدة للعيش في ظل العقوبات فترة طويلة «غير محدودة الأجل». وخلال حوار صحافي على هامش مشاركته في منتدى سوتشي للاستثمارات، قال رئيس الوزراء الروسي إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية «سيجعلون تلك العقوبات أبدية»، لافتًا إلى «تدوين» العقوبات في الكونغرس، بغية عدم السماح لترمب بإلغائها، مشيرًا إلى «قرارات كثيرة يعتمدونها، فضلاً عن الأوامر التنفيذية التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويحاولون جعل تلك العقوبات حالة دائمة».
على خلفية ذلك المشهد، وفي ظل توقعات باستمرار التوتر بين روسيا والغرب، يستبعد رئيس الوزراء الروسي أن تلغي أوروبا والولايات المتحدة عقوباتها ضد روسيا في وقت قريب، إلا أنه لا يأسف لذلك، وأظهر عدم اكتراث بالعقوبات، مؤكدًا: «نحن لسنا بحاجة لإلغائها»، وذلك لأن «تجربة السنوات الأخيرة أظهرت أنه بوسعنا التطور، ونتطور بشكل غير سيئ» على الرغم من بقاء تلك العقوبات، حسب قوله، لافتًا إلى أن «كل ما تمكنا من تحقيقه لم يكن بفضل العقوبات، بل رغمًا عنها، لأننا كنا مضطرين إلى حد كبير لإعادة تنظيم عملنا» والتكيف مع ظروف العقوبات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقلل فيها الحكومة الروسية من شأن العقوبات الغربية وتأثيرها على الاقتصاد الروسي، ويمكن القول إن موسكو تبنت ذلك الموقف منذ السنوات الأولى للعقوبات.
وكان أركادي دفوركوفيتش، النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية، قد أشار في تصريحات خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي عام 2015 إلى أن العقوبات لم تترك أي تأثير عام على وضع الاقتصاد الروسي، مؤكدًا أن السبب الرئيسي للأزمة هو هبوط أسعار النفط حينها.
ومع أنه لا يمكن تجاهل التأثير الذي خلفته العقوبات على قطاعات الإنتاج الصناعي والمال في روسيا، إلا أن المرحلة الأكثر حساسية كانت في الأشهر الأولى من تبني تلك العقوبات التي حرمت القطاع الصناعي من قطع الغيار والمعدات والتقنيات الضرورية ليواصل عمله على أكمل وجه، بينما أغلقت أسواق المال الغربية أبوابها بوجه المؤسسات الائتمانية الروسية.
وتضاعف تأثير الأزمة بين روسيا والغرب على الاقتصاد الروسي، حين أقرت موسكو حزمة تدابير ردا على العقوبات الغربية، وفرضت حظرا على استيراد غالبية المنتجات الغذائية الأوروبية والخضراوات والفاكهة... وغيره.
بموازاة ذلك، أقرت الحكومة الروسية برنامج التعويض عن الصادرات، وبدأت تعمل على استبدال تقنيات محلية الصنع بكل التقنيات الغربية التي يستخدمها القطاع الصناعي الروسي، أما المصارف الروسية، فقد أخذت تتأقلم تدريجيا مع الظروف المستجدة.
وبالنسبة للمنتجات الغذائية الأوروبية، التي كان المستهلك الروسي يعتمد عليها بصورة كبيرة، وكانت سلعًا رئيسية في السوق الروسية، فقد توجهت موسكو للحصول على بديل عنها عبر اتفاقيات أبرمتها مع دول الجوار، لا سيما جمهوريات آسيا الوسطى، فضلا عن دول أميركا اللاتينية وشمال أفريقيا.
وإذ كان لا يمكن الجزم بأن برنامج التعويض عن الصادرات قد حقق النتائج المرجوة كاملة، وأن المصارف الروسية أصبحت بحال أحسن في ظل العقوبات، فإن قطاعات الاقتصاد الروسي بشكل عام تكيفت مع الظرف الراهن، على الرغم من التعقيدات التي تواجهها في نشاطها الإنتاجي والتجاري والمالي.
ويعود التأثير المحدود نسبيا لتلك العقوبات على الاقتصاد الروسي، إلى أنها تدابير تطال «النشاط الاقتصادي - الإنتاجي»، القابل للتحول والتغيير والتأقلم مع ظروف مستجدة؛ أي إن تأثير العقوبات لم يكن مثل تأثير النفط، الذي وجه تراجع أسعاره في الأسواق العالمية الضربة الأكثر ألمًا لمصادر تمويل الاقتصاد الروسي، لأنه كان، ولا يزال، يعتمد بصورة رئيسية على عائدات صادرات النفط والغاز.
وفي هذا الشأن، يشير محللون اقتصاديون من روسيا إلى أن العقوبات الغربية بحد ذاتها ما كانت لتؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، لو لم تأت في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الروسي يمر بأزمة خانقة عام 2014 نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط، الذي شكل السبب الرئيسي لانهيار العملة الوطنية وتراجع معظم مؤشرات الاقتصاد الروسي.
ومع مطلع العام الحالي، بعد أن توصلت الدول المصدرة للنفط من منظمة «أوبك» وخارجها إلى اتفاق تقليص الإنتاج لضبط تقلبات السوق، تغير الوضع بصورة جذرية، وترك الاتفاق تأثيرًا إيجابيًا واضحا على الاقتصاد الروسي، انعكس جليا في استعادة الروبل الروسي عافيته، وارتفع من 64 روبلاً حتى 59 روبلاً أمام الدولار الأميركي.
أما الميزانية، فهي في وضع مريح، وتجني دخلا إضافيًا على حساب الفارق في سعر برميل النفط الذي تقوم عليه (40 دولارا للبرميل) والسعر في السوق العالمية (بحدود 56 دولارا للبرميل)، أي إنها تحصل يوميا على نحو 15 دولارا إضافية من كل برميل نفط.
ويجري هذا كله دون أن تكون هناك أي تأثيرات آنية للعقوبات الغربية. إلا أن خبراء اقتصاديين يحذرون من ظهور تأثير تلك العقوبات مجددا في حال عادت التقلبات السلبية إلى أسعار النفط، مع ما سيتركه ذلك من نتائج سلبية مجددا على الاقتصاد الروسي بشكل عام، وقد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا في حال وسع الغرب عقوباته.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».