التضخم في السودان يرتفع إلى ضعف تعهدات الحكومة

رغم التطورات الاقتصادية بعد رفع الحصار الاقتصادي

التضخم في السودان يرتفع إلى ضعف تعهدات الحكومة
TT

التضخم في السودان يرتفع إلى ضعف تعهدات الحكومة

التضخم في السودان يرتفع إلى ضعف تعهدات الحكومة

رغم التطورات الاقتصادية داخل السودان عقب الإعلان عن رفع الحصار الاقتصادي الأميركي بعد 20 عاما، وتدفق استثمارات بملايين الدولارات، فإن التضخم وأسعار السلع الاستهلاكية في زيادة مستمرة لم تستطع الدولة كبح جماحها، رغم تعهداتها بعدم حدوث تلك الزيادات طيلة العام الجاري.
وذكرت النشرة الشهرية للجهاز المركزي للإحصاء أول من أمس، أن التضخم ارتفع بمستويات قياسية الشهر الماضي، وبلغ أكثر من 32 في المائة، متضاعفا بنسبة تقارب نحو 100 في المائة، عن المستوى الذي تعهدت به الحكومة عند إجازتها لميزانية العام الجاري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقالت إنه لن يتعدى الـ17 في المائة طيلة فترة الميزانية، والتي مر عليها اليوم قرابة ثلاثة أشهر.
وتشهد معدلات التضخم في السودان منذ بداية العام الماضي ارتفاعا ملحوظا بنسب متفاوتة في كل الشهور، بسبب الزيادة المستمرة في أسعار السلع، نتيجة ارتفاع سعر صرف الجنية مقابل الدولار، والذي يسهم بشكل مباشر في زيادة التضخم، باعتبار أن معظم السلع الاستهلاكية مستوردة، بجانب أن الزيادات المتكررة التي حدثت في أسعار الخضراوات واللحوم والفواكه والتهريب الواسع للسلع عبر الحدود.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين طبقت الحكومة الزيادات الجديدة في أسعار البنزين والجازولين والكهرباء، التي فرضها قرار مجلس الوزراء برفع الدعم الحكومي عن المحروقات والأدوية والكهرباء، شهد التضخم ارتفاعا كبيرا، وبلغ في نفس الشهر 19.6 في المائة، ثم قفز بمعدل 10 درجات وبلغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 29.49 في المائة.
وعزا الجهاز المركزي للإحصاء هذا الارتفاع الجنوني وقتها، إلى الزيادات التي طرأت على المجموعات السلعية والخدمية الاثنتي عشرة، والتي تحدد مسار التضخم، حيث ارتفعت كل سلع المجموعة بنسب متفاوتة، وسجلت مجموعة الأغذية والمشروبات 47.48 في المائة، النقل 15.09 في المائة، السكن والمياه والكهرباء 8.96 في المائة، وكذلك مجموعات المعدات المنزلية والملابس والأحذية والمطاعم والفنادق والصحة والاتصالات والتبغ.
لكن مصادر «الشرق الأوسط» اعتبرت أن ارتفاع التضخم في السودان بنسبة 100 في المائة خلال شهرين فقط، أكتوبر ونوفمبر الماضيين، قد كشف ضعف الأجهزة الرقابية في الدولة، المناط بها مراقبة وتصحيح الأسواق، لكبح جماحات الزيادات في أسعار السلع الضرورية، التي طالت كل المواد الغذائية والضرورية وارتفعت وتيرتها الآن بعد زيادات التضخم الأخيرة في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى مستوى قياسي خلال أربعة شهور. ومعظم السلع ارتفعت بنسبة أكثر من 150 في المائة، مثل الألبان والعدس والزيوت.
وأضافت المصادر أن هناك أسبابا أخرى وراء ارتفاع الضخم، أبرزها، ضعف إقبال الموردين والمصدرين والمغتربين على التعامل مع البنوك بسياسة الحافز للدولار، والذي يبلغ 15.90، بينما متوسط سعره الموازي 19 جنيها، وانخفض إلى 17 جنيها أمس.. بجانب بطء وضعف الإجراءات التي اتخذها بنك السودان المركزي، لوقف استيراد تسعة سلع، وهي اللحوم بأنواعها والمياه المعدنية والغازية والحيوانات الحية والزهور الصناعية والمظلات الشمسية والمصنوعات من مواد الضفر والأسماك غير المعلبة.
من جهة أخرى، قطع وزيرا الدولة بالمالية مجدي حسن يسن والدكتور عبد الرحمن ضرار، بعدم اتجاه الحكومة لفرض أي زيادات جديدة على الأسعار خلال الموازنة الحالية، البالغ عجزها ستة مليارات جنيه سوداني، وأن ميزانية عام 2017 الحالية تم إعدادها لتعبر دون أي رفع للدعم عن السلع أو تحرير الأسعار، بسبب وجود نسبة عالية من الإيرادات خصصت للقمح والجازولين والأدوية والكهرباء، مشيرين إلى أن العجز الحاصل ستتم تغطيته بالاستدانة من القطاع الخاص والبنوك والقروض الخارجية.
ويتوقع الدكتور ضرار بداية انخفاض معدل التضخم منتصف العام الحالي مع دخول الاستثمارات وزيادة معدلات التحويلات من الخارج، ويشير في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الموازنة استوعبت آثار الإجراءات الاقتصادية الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات والأدوية، وسيتم المضي بها وفقا لتقديراتها، وسيتبنى بنك السودان المركزي سياسة منحازة لقطاع الإنتاج، وذلك عبر تكوين محافظ إنتاجية لتمويل السلع ذات الأولوية في الموازنة، كما سيتم فتح فروع لبنك السودان المركزي بدول المهجر ذات الكثافة العالية بالسودانيين، حيث ستقوم هذه الفروع بالصرف الواقعي لتحويل موارد النقد الأجنبي من السوق الموازية للسوق المنظمة.
أما ياسين، فقال سابقا إن حكومته تخطط للخروج نهائيا من دعم السلع بنهاية عام 2019، وستتم إزالة التشوه في هيكل الاقتصاد بإلغاء دعم الاستهلاك نهائيا، والتي تشمل الوقود والكهرباء والقمح والدواء.
وأضاف أن الحكومة تستهدف أن ينخفض التضخم في نهاية العام الجاري إلى 15.7 في المائة، وينخفض العام المقبل إلى 15 في المائة، مع توقعات بأن ينخفض التضخم بعدها إلى 11 في المائة.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.