أفغانستان: اقتصاد مهدد بالانهيار ومخاوف من هروب الاستثمارات

مع قرب موعد خروج القوات الدولية

ارشيفية لاحد مرشحي الرئاسة الافغانية
ارشيفية لاحد مرشحي الرئاسة الافغانية
TT

أفغانستان: اقتصاد مهدد بالانهيار ومخاوف من هروب الاستثمارات

ارشيفية لاحد مرشحي الرئاسة الافغانية
ارشيفية لاحد مرشحي الرئاسة الافغانية

قدر لأفغانستان أن تقع جغرافيا في منطقة ليست لها منافذ على المياه الدولية، وهي محاطة بالجبال الوعرة، ولها حدود شاسعة مع إيران تبلغ مساحتها نحو تسعمائة كيلومتر، كما أن حدودها مع جارتها باكستان تقدر بأربعمائة كيلومتر، ولها حدود مترامية الأطراف مع جمهوريات آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان.
هذا الموقع الجغرافي جعل من أفغانستان، تلك الدولة الفقيرة، تعتمد كليا في تجارتها واقتصادها على جيرانها من حيث الاستيراد والتصدير والمعاملات التجارية الأخرى. هذه المعاملات يقول التاريخ إنها تتأثر مع تأثر علاقات أفغانستان السياسية مع هذه الدول، فهي تملك القرار النهائي في قضية انتعاش الاقتصاد الأفغاني الهش من خلال تسهيل عملية التجارة لأفغانستان مع دول الإقليم والعالم الخارجي.
فعندما سيطرت حركة طالبان المتشددة على العاصمة كابل عام 1996، أغلقت جميع دول الجوار التعامل الاقتصادي مع أفغانستان باستثناء باكستان التي اعترفت بطالبان وحكومتها، وفتحت حدودها، وكانت طالبان تعتمد كليا في اقتصادها الضعيف على السلع المستوردة من باكستان.
وبعد الإطاحة بنظام طالبان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بدأ الاقتصاد الأفغاني ينتعش من جديد بفضل مليارات الدولارات من المساعدات الدولية ودول المانحين التي وعدت بمساعدات سخية في عدد من المؤتمرات الدولية انعقدت في عواصم أوروبية وآسيوية، ووعدت بتقديم مليارات دولارات للنهوض بالمؤسسات الدولية الأفغانية الحيوية ومساعدتها في إنعاش اقتصادها المريض وتحسين ظروف حياة الأفغانيين الذين يعيش أكثر من خمسين في المائة من مجموع السكان تحت خط الفقر وفقا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة. وشهد الاقتصاد الأفغاني نموا ملحوظا في السنوات الأولى من الغزو الأميركي، وتدفقت المساعدات الدولية والمؤسسات غير الحكومية التي انتشرت في غالبية المناطق الأفغانية للمساهمة في خلق فرص عمل للزارعين الأفغان وتوزيع محاصيل زراعية بديلة عليهم مقابل عدم اللجوء إلى زراعة المخدرات والأفيون ومشتقاتهما التي كانت طالبان قد منعت زراعتها ووصلت نسبة زراعتها وتداولها في عهدها إلى الصفر حسب تقارير مستقلة.
غير أن هذه المادة المشؤومة عادت لتغزو السوق الأفغانية واقتصادها الهش مرة أخرى نظرا للفساد المالي المنتشر في مؤسسات الحكومية الأفغانية وضعف أداء أجهزتها الأمنية وضعف القانون، إضافة إلى ذلك فإن التمرد المسلح الذي يوسع من دائرة نفوذها يوما بعد يوم ساعد في إقبال الفلاحين على زراعة المخدرات من جديد لتشكل ثلث إجمالي ناتج أفغانستان الداخلي، بحسب الأمم المتحدة، وهي تحصل سنويا على 4 مليارات دولار من إنتاج المخدرات، وتعتمد ميزانيتها السنوية على عائدات الأفيون، كما أن أفغانستان تنتج نحو 90 في المائة من مجموع المخدرات والخشخاش العالمي، وبذلك فهي لا تزال تتصدر قائمة الدول المنتجة للأفيون. وبما أن أفغانستان تعتمد في اقتصادها وتعاملاتها التجارية على دول الجوار خاصة باكستان من خلال ميناء كراتشي، وعلى إيران من خلال ميناء «تشاه بهار»، فإن واردات أفغانستان من هاتين الدولتين ومن بقية الدول تجاوز 5 مليارات دولار في الأشهر الستة الأخيرة، وفقا لغرف التجارة الأفغانية، وهو رقم مذهل يهدد الوضع الاقتصادي ويدق ناقوس خطر بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الأفغاني القائم على عائدات المخدرات ومساعدات المانحين.
يقول أحمد مسعود، أستاذ الاقتصاد في جامعة كابل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة فشلت في الترويج لمنتوجات أفغانستان من الفواكه والمحاصيل الزراعية الأخرى إلى الأسواق العالمية فشلا ذريعا خلال السنوات الماضية، وهي أهدرت أيضا جميع الفرص المتاحة في هذا السبيل، لذلك فإن الاستقرار السياسي منوط بالاقتصاد الذي بات ينهار شيئا فشيئا بعد التقلص في مساعدات الدول لأفغانستان.
هذه المخاوف من انهيار الاقتصاد الأفغاني في محلها خاصة إذا تمعنا في أن الوضع في هذا البلد أصبح يدخل مرحلة جديدة من الغموض السياسي، وذلك بعد إجراء ثالث انتخابات رئاسية في الخامس من أبريل (نيسان) الحالي، ولم يتم حسم الأمر رغم مضي أكثر من عشرين يوما على عملية الاقتراع. ويبدو أن الأفغان لن يعرفوا رئيسهم الجديد بهذه السهولة، والقضية قد تأخذا وقنا طويلا، وفي هذه الفترة الحرجة بدأ الاقتصاد ينهار، وأخذ المستثمرون يوقفون مشاريعهم الاقتصادية ويفكرون في إخراج أموالهم من أفغانستان، لأن أي زعزعة للوضع السياسي الهش سيؤدي إلى هروب بالجملة للاستثمارات الأجنبية والمحلية إلى دول الجوار، وبدأ التجار ورجال الأعمال يخافون على مستقبل أموالهم وحياتهم في هذا البلد، ووصلت صادراتها لأفغانستان إلى 399 مليون دولار في الأشهر الستة الأخيرة بعد التحسن في قوانين تجارية وارتقاء في أداء موظفي غرف التجارة ووزارة المالية، لكن هذه النسبة غير كافية مقارنة مع حجم واردات أفغانستان من السلع التي قد تبلغ مع نهاية العام الحالي عشرة مليارات دولار.
يقول قربان حقجو، رئيس غرف التجارة الأفغانية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة تتباطأ في وضع قوانين جديدة للتجارة، كما أنها فشلت في مراقبة السوق علاوة على ذلك. وبحسب حقجو، فإن «الاقتصاد الأفغاني بات رهينة مجموعة من المافيا هم من أقوياء رجالات الدولة دون أن يذكر أسماءهم، وأنهم هم من يديرون عجلة الاقتصاد الأفغاني، وبالتالي فإن من مصلحتهم التقليل في حجم الصادرات مقابل كثرة حجم الواردات بحيث تعود بالنفع عليهم. لكن الوضع ليس بهذه القتامة، بحسب بعض المحللين وخبراء الاقتصاد، فأفغانستان خطت خطوات كبيرة نحو تحسين اقتصادها، حيث شهدت السنوات الماضية نموا بلغ ستة في المائة، كما أن قطاعات حيوية كثيرة شهدت تطورا ملحوظا مثل قطاع الاتصالات والمصارف. علاوة على ذلك فإن هذا البلد فيه من الذخائر والموارد الطبيعية الدفينة تحت الأرض ما يكفي لنمو اقتصادها والاعتماد على الذات في حال خروج القوات الدولية منها لكن شريطة محاربة الفساد. يقول خبراء في الشأن الأفغاني إن عائدات الموارد الطبيعية الأفغانية من النحاس والحديد والأحجار الكريمة إضافة إلى آبار النفط والبترول قد تبلغ 4 تريليونات دولار، وهو ما يكفي لتحسين اقتصاد أفغانستان وحياة الأفغانيين وإخراجهم من الفقر والبؤس».
المخاوف سواء كانت في الأوساط السياسية الداخلية أو الخارجية تزداد من انهيار الاقتصاد الأفغاني في حال أوقف المجتمع الدولي مساعداته وخرجت جميع القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من هذا البلد وفقا للجدول، وهو نهاية العام الحالي، مع التوقعات بعودة طالبان إلى بعض المناطق واندلاع حرب أهلية من جديد على غرار تسعينات القرن الماضي. وفي آخر تقرير للبنك الدولي عن وضع الاقتصاد في أفغانستان، حذر من أنه سيواجه مشاكل كبيرة مع نهاية عام 2014 موعد انسحاب القوات الأجنبية وتقليل المساعدات الدولية. ومن المتوقع أن ينهار الاقتصاد الأفغاني نحو 6 في المائة بعد تقليل مساعدات المانحين. لكن التوقعات تشير إلى أن الرئيس المقبل لأفغانستان الذي سيتولى السلطة بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات المثيرة للجدل سيقوم بالتوقيع فورا على الاتفاقية الأمنية والدفاعية مع واشنطن، حيث تتيح إبقاء أميركا بضعة آلاف من جنودها في أفغانستان لعشر سنوات مقبلة، وهذا سيضمن إبقاء أفغانستان في واجهة الملفات الدولية، وستبقى الأنظار مشدودة إليها، كما أنها ستضمن استمرارية المساعدات الدولية التي تعد أفغانستان بأشد الحاجة إليها لمواجهة مخاطر الانهيار والسقوط مرة أخرى في مستنقع مجهول قد يهدد أمن المنطقة والعالم مرة أخرى.



كيف تخطط سلطنة عُمان لتغطية عجز موازنة 2025؟

العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)
العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)
TT

كيف تخطط سلطنة عُمان لتغطية عجز موازنة 2025؟

العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)
العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)

تخطط الحكومة العمانية لإصدار سندات تنمية حكومية وصكوك محلية سيادية بقيمة 750 مليون ريال عماني (1.9 مليار دولار) في عام 2025؛ وذلك لتغطية العجز المتوقع في الموازنة وخدمة الدين العام.

كانت الحكومة العمانية قد نشرت، منذ أيام، أرقام موازنتها للعام المالي 2025، تتوقع فيه أن يبلغ عجز الموازنة 620 مليون ريال (1.6 مليار دولار)، بإجمالي إنفاق قدره 11.80 مليار ريال، وبزيادة قدرها 1.3 في المائة عن عام 2024. في حين أنه من المتوقع أن تسجل الإيرادات 11.18 مليار ريال، بارتفاع قدره 1.5 في المائة عن تلك المتوقعة في العام الماضي. أما خدمة الدين الحكومي فيتوقع أن تبلغ 915 مليون ريال عماني، بتراجع 13 في المائة عن موازنة 2024.

ستجمع الحكومة إجمالي 750 مليون ريال عماني من السوق المحلية، من خلال ثمانية إصدارات لسندات التنمية الحكومية بقيمة 550 مليون ريال عماني، وإصدارين من الصكوك المحلية السيادية بقيمة 200 مليون ريال عماني، وفقاً للتفاصيل الموضَّحة في توجيهات وزارة المالية بشأن موازنة 2025، وفق ما ذكرت «مسقط ديلي».

وقد صممت الوزارة خطة الاقتراض لعام 2025 بناءً على التقديرات الواردة في الموازنة العامة للدولة لعام 2025. ويشمل ذلك توقعات الدين العام واحتياجات التمويل وهيكل التمويل للعام المقبل.

ويقدَّر إجمالي متطلبات التمويل بنحو 2.5 مليار ريال عماني لعام 2025، بما في ذلك عجز في الموازنة قدره 620 مليون ريال عماني، وخدمة دين قدرها 1.8 مليار ريال عماني.

وتشير النتائج الأولية لموازنة 2024 إلى انخفاض الدين العام بنسبة 5.3 في المائة إلى 14.4 مليار ريال عماني بنهاية 2024، مقارنة بـ15.2 مليار ريال عماني في بداية العام. وانخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 34 في المائة خلال 2024، من 36.5 في المائة خلال 2023.

بالإضافة إلى ذلك، بلغت تكاليف خدمة الدين العام 940 مليون ريال عماني، بانخفاض 10.4 في المائة عن 1.05 مليار ريال عماني المقدَّرة في الموازنة الأولية.

تحليل الموازنة

وفي تحليلٍ لها، ذكرت شركة «كي بي إم جي (KPMG)» الاستشارية أن موازنة 2025 ترتكز على مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، مثل تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 3 في المائة، واستكمال تنفيذ خطط الاستدامة المالية، وتطوير الأداء المؤسسي من خلال برامج التحول الرقمي، والاستمرار في خطط الحكومة للتوظيف في القطاعين العام والخاص، والحفاظ على جودة الخدمات الاجتماعية الحكومية الأساسية، وتوفير التغطية التأمينية والحماية الاجتماعية العادلة لجميع فئات المجتمع، واستمرار تقديم الدعم الحكومي للكهرباء والمياه والوقود والمواد الغذائية الأساسية، وغيرها من الخدمات، ودعم المحافظات لتنفيذ برامج التنمية. كما تعترف أيضاً بالمخاطر المالية والاقتصادية المختلفة، مثل تقلب أسعار النفط، والتوترات الجيوسياسية، والتغيرات المناخية، والكوارث الطبيعية.

وأوردت «كي بي إم جي» النقاط التالية:

- يقدَّر العجز في موازنة 2025 بما نسبته 6 في المائة من الإيرادات المتوقَّعة، و1.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يمثل انخفاضاً بنسبة 3 في المائة، مقارنةً بموازنة 2024 حين بلغ 640 مليون ريال عماني. ويقل هذا العجز بمقدار 1.2 مليار ريال عماني عن الفائض البالغ 540 مليون ريال عماني، وفقاً للنتائج الأولية لعام 2024.

- اقتراحات الحكومة تشير إلى أن تمويل العجز سيجري من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي (220 مليون ريال عماني أو 35 في المائة)، والسحب من الاحتياطات (400 مليون ريال عماني أو 65 في المائة).

- تقدِّر موازنة 2025 مخصصات تسوية الديون بمبلغ 440 مليون ريال عماني، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 10 في المائة، مقارنة بموازنة 2024 البالغة 400 مليون ريال عماني.

- من المتوقع تراجع الإنفاق بواقع 2.8 في المائة، مقارنة بالنتائج الأولية لعام 2024 وزيادته بواقع 1.3 في المائة، مقارنة بموازنة 2024. فميزانية عام 2025 تقدِّر النفقات التطويرية للوزارات المدنية بمبلغ 900 مليون ريال عماني؛ وهو ما جاء في موازنة 2024، لكنه أقل بنسبة 29 في المائة، مقارنة بالنتائج الأولية لعام 2024 البالغة 1.2 مليار ريال عماني. كما خُفضت نفقات خدمة الدين العام بنسبة 12.9 في المائة، مقارنة بموازنة 2024، وتقدَّر بمبلغ 0.9 مليار ريال عماني. في المقابل، جرت زيادة دعم الكهرباء بنسبة 13 في المائة، مقارنة بموازنة 2024، إلى 520 مليون ريال عماني.

- ترتفع إيرادات النفط والغاز المقدَّرة بنسبة 7.9 في المائة، مقارنة بخطة التنمية الخمسية العاشرة. وتُعوّض الزيادة في إيرادات النفط بافتراض ارتفاع سعر النفط (60 دولاراً للبرميل في موازنة 2025 مقارنة بـ50 دولاراً للبرميل في خطة التنمية الخمسية العاشرة) جزئياً الانخفاض في إيرادات الغاز (1.7 مليار ريال عماني في موازنة 2025، مقارنة بـ2.3 مليار ريال عماني في خطة التنمية الخمسية العاشرة). وتنخفض الإيرادات غير النفطية والغاز المقدَّرة بنسبة 20 في المائة، مقارنة بخطة التنمية الخمسية العاشرة. وفيما يتعلق بالنفقات، فإن إلغاء نفقات شراء الغاز يقابله زيادة في الدعم وإدراج نفقات جديدة.

وقد أدى انخفاض الإيرادات، إلى جانب الزيادة في النفقات، إلى عجزٍ قدره 620 مليون ريال في ميزانية 2025، وهو ما يزيد عن عشرة أضعاف الفائض البالغ 65 مليون ريال عماني المُدرج في ميزانية خطة التنمية الخمسية العاشرة.

- تمثل الإيرادات غير النفطية والغاز 32 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية. ومن المتوقع أن تبلغ 3.57 مليار ريال عماني؛ أي بزيادة نسبتها 1.5 في المائة، مقارنة بموازنة 2024. ويستند الإسقاط المتفائل للإيرادات غير النفطية والغاز على أساس توقع ارتفاع الضرائب والرسوم والإيرادات الناتجة عن انتعاش الأنشطة الاقتصادية. وتُقدِّر ميزانية 2025 أن إيرادات ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية ستبلغ 680 مليون ريال عماني، بارتفاع نسبته 5 في المائة، مقارنةً بموازنة 2024. وبالمثل، ستزيد إيرادات ضريبة دخل الشركات بمبلغ 656 مليون ريال عماني، بنسبة 4 في المائة، مقارنةً بموازنة 2024. ولا تتوخى موازنة 2025 أيَّ إيرادات من ضريبة الدخل الشخصي التي جرى تحديدها بوصفها مصدراً من مصادر التنويع الاقتصادي متوسطة الأجل.