أخيراً... «مجموعة بارجيل» في باريس

على مدى 4 أشهر، يستضيف «معهد العالم العربي» في باريس مائة قطعة من «مجموعة بارجيل الفنية» في معرض فريد من نوعه، يضم أعمالاً تشكيلية لعدد من مشاهير الفنانين العرب؛ قدامى وفي ريعان الشباب. وتعود هذه المجموعة الفنية الإماراتية لـ«مؤسسة بارجيل للفن»، التي أسسها الشيخ سلطان بن سعود القاسمي في إمارة الشارقة.
والمعرض الذي جرى افتتاحه، أمس، ويستمر حتى 2 يوليو (تموز) المقبل، يشكل حدثًا فنيًا مميزًا؛ إذ هي المرة الأولى التي تستضيف فيها عاصمة النور أعمالاً عربية على هذا المستوى من حيث العدد والنوع والتنوع. وهي تتألف من لوحات ومنحوتات وصور فوتوغرافية وأعمال تشكيلية مختلفة لفنانين عرب في غالبيتهم، أو تربطهم علاقة مع العالم العربي، كأن يكونوا من أصول عربية أو استلهموا إبداعاتهم من البيئة العربية أو عاشوا فيها. فالشيخ الشاب سلطان بن سعود القاسمي (38 عامًا)، مالك «مؤسسة بارجيل» غير الربحية للفن في الشارقة، يعدّ أحد أهم رعاة الفن ومشجعيه وجامعي الأعمال الفنية في المنطقة العربية.
أثناء دراسته في باريس، ولع القاسمي بالفن وواظب على ارتياد المتاحف والمعارض. وبعد العودة إلى الشارقة، حصل على أولى مقتنياته، عام 2002، وكانت لوحة للفنان عبد القادر الريس، أحد أهم أعلام الفن الإماراتي المعاصر. وفي عام 2010 بادر إلى تأسيس «بارجيل» لإضفاء بعد مؤسساتي منظم ودائم يتوجه نحو رعاية فناني المنطقة وتوثيق نتاجاتهم والإسهام في أرشفة الفن العربي المعاصر وتدوينه وتبويبه. والأهم من ذلك؛ جعله متاحًا لجمهور واسع. إلى جانب ذلك، حرص على جمع أعمال متنوعة أنجزها فنانون معروفون وآخرون غير معروفين، بعضهم مبتدئون مغمورون راهن على مواهبهم وتوقع لهم مستقبلاً طيبًا.
تلقي المعروضات الضوء على أعمال فنية مشغولة بأساليب متنوعة وتيارات كثيرة، لفنانين معاصرين من مختلف الأعمار، منهم من رحل عن عالمنا، ومنهم من تقدم في السن، وكل منهم ترك بصمته المميزة في مسيرة الفن التشكيلي العربي، والشرق أوسطي عمومًا، منذ خمسينات القرن الماضي وستيناته. من هؤلاء، مثلاً: العراقيون عطا صبري (1913 - 1987) وشاكر حسن آل سعيد (1925 - 2004) وكاظم حيدر (1932 - 1985)، واللبنانيون شفيق عبود (1926 - 2004) وعارف الريس (1928 - 2005) وصليبا دويهي (1915 - 1994)، ومواطنتهم إيتيل عدنان (91 عامًا)، والفلسطينيان بول غيراغوسيان (1925 - 1993)، وعبد الحي مسَلَّم زرارة (84 عامًا)، والمغربيان أحمد الشرقاوي (1934 - 1967) ومحمد شبعا (1935 - 2013)، والجزائريان محمد خدّة (1930 - 1990) وعبد الناصر بن عنتر (85 عامًا)، ومواطنتهما «باية» (85 عامًا)، والبريطانية - العراقية لورنا سليم (88 عامًا)، والسوري مروان قصاب باشي (1934 - 2016)، ومواطنه نعيم إسماعيل (1930 - 1979)، والمصري أحمد مرسي (85 عامًا)، والتركي فان ليو (1921 - 2002)، وغيرهم من فناني الرعيل الأول. لكنّ أقدم «المحاربين القدماء» الممثَّلين في الحدث هو المبدع المصري محمود سعيد (1897 - 1964)، ومن بعده مواطنه سيف وانلي (1906 - 1979).
يقدم المعرض، أيضًا، نماذج من أعمال نخبة من ممثلي الجيل الجديد الواعد، منهم على سبيل المثال السوري فادي الحموي (مواليد 1986)، ومواطنه عبد الله العمري (مواليد 1986) أيضًا (يشارك العمري بلوحة زيتية تُظهر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بهيئة متسول)، والسوري وسام مرزوقي (مواليد 1982)، والمغربي أشرف طلوب (مواليد 1986)، والعراقية هيف كهرمان (مواليد 1981)، والتونسية ناديا أياري (1981 أيضًا)، واللبناني شربل جوزيف بطرس (1981).
وبين الجيلين؛ جيل القدامى وجيل المحدثين، يقدم معرض «مجموعة بارجيل» فنانين معاصرين؛ من بينهم أسماء شقّت طريقها وعرفت الشهرة. كالفنانين الجزائريين عادل عبد الصمد ورشيد قريشي. ومن سوريا وليد الشامي، ومن المملكة العربية السعودية منال الضويان وعبد الناصر غارم، ومن لبنان محمد سعيد بعلبكي وتغريد درغوث ونبيل نحاس، ومن فرنسا إيتو برّادة وقادر عطية، ومن بريطانيا وليد بشتي، ومن ألمانيا سوزان هفونا، ومن عُمان عبد الرحمن المعيني، ومن الكويت جعفر إصلاح وثريا البقصمي وإبراهيم إسماعيل، ومن فلسطين خالد الجرار وبشار الحروب وعاصم أبو شقرا (1961 - 1990)، ومن الولايات المتحدة علي العبدان، ومن العراق إسماعيل الخيد، ومن الإمارات حسن شريف، ومن مصر رأفت إسحاق ومن البرازيل عمانوئيل ناصر.
كيف أتت فكرة عرض «مجموعة بارجيل» في باريس؟
يوضح فيليب فانكوترن، منسق المعرض، أنه كان، في عام 2015، قد تسلم إدارة الجناح العراقي وتنظيمه وتنفيذه والإشراف عليه في بينالي البندقية الدولي، في إيطاليا. وهناك التقى الشيخ سلطان القاسمي وتحدثا في شؤون الفن. وتكرر اللقاء لاحقًا في فلورنسا. وفي كلمة له وردت في دليل المعرض، يضيف فانكوترن، وهو خبير فنون ومعارض تشكيلية بلجيكي، أنه «افتتن فوراً بفكرة تنظيم معرض لـ(مجموعة بارجيل)، حالما طرحها عليه الشيخ القاسمي، وكان أول ما خطر على باله تنظيم الحدث في (معهد العالم العربي) تحديدًا».
يؤكد الخبير البلجيكي، الذي يمتهن تنظيم المعارض وتصميمها وتنفيذها والإشراف عليها، أن ما دعاه إلى الاندفاع والترحيب بالفكرة من دون تردد، هو تجربته مع الفن العراقي. لكنه يستدرك بالقول: «رغم ذلك، فإنني أنا لا أصبو إلى أن أصبح متخصصًا في الفن العربي، ولا فن جنوب أفريقيا أو النيبال، بل أهتم بالفنون التشكيلية بوصفها كلاً عالمياً شاملاً، ويمكنني أن أعشق عملا فنيا عربيا أو أوروبيا، أو أيًا كانت جنسية الفنان، إذا استهواني وأثار أحاسيسي». وهو قد سافر إلى الشارقة في الصيف الماضي لكي يطلع على «مجموعة بارجيل» ويراها رؤية العين. وحسب قوله، فإنه لا يكتفي بمجرد الصور الفوتوغرافية أو المراسلات عبر الإنترنت، إنما يصرّ على مواجهة المقتنيات لكي تقوم تلك الآصرة الخفية بين المشاهد والمادة. وهي الطريقة الوحيدة الكفيلة بتكوين فكرة حقيقية، لا سيما في التعامل مع فن الرسم. ويخلص إلى القول إنه لم يتردد حال اطلع على المجموعة في «موطنها» الأصلي.
وفضلاً عن اللوحات، يضم المعرض منحوتات وصورًا فوتوغرافية وأعمال لصق «كولاج» وإعدادات وتركيبات وإبداعات تشكيلية مختلطة متفرقة. وفي الأحوال كلها، يمكن للسائح العربي الذي يمرّ بالعاصمة الفرنسية بين الربيع الحالي وبدايات الصيف، أن ينتهز الفرصة الرائعة لتأمل باقة استثنائية من أعمال تشكيلية عربية، أو ذات صلة، مجتمعة في فضاء واحد.