قبل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في منتصف العام الماضي، حذر قادة أوروبا الناخبين من أن خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، سيجعلهم يدفعون ثمناً غالياً.
اليوم يريد قادة بريطانيا تقليل الخسائر وتأجيل دفع الثمن، ولكن ليس من مصلحة حكام أوروبا ذلك، فلو حدث سيصعد اليمين المطالب بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي في فرنسا وغيرها من الدول، بمعنى آخر لن يصمد الاتحاد الأوروبي كثيرا إذا لم تُعاقَب بريطانيا، فما الداعي لبقاء الاتحاد إذا كان الخروج منه يحمل مزايا؟
بالأمس رفضت بورصة لندن تلبية مطلب لسلطات مكافحة الاحتكار الأوروبية، ما يقضي على آمال اندماجها المزمع مع البورصة الألمانية (دويتشه بورصة) لتأسيس أكبر بورصة في أوروبا، ولكن القصة أكبر من فشل صفقة كبيرة.
كانت البورصتان قد توصلتا إلى اتفاق على صفقة قيمتها 29 مليار يورو (30.1 مليار دولار) قبل ما يزيد قليلا على عام، في مسعى لتأسيس بورصة أوروبية قوية تنافس نظيراتها الأميركية بشكل أفضل، ولكن الاتحاد الأوروبي صاحب القواعد الراسخة، قرر أن وجود كيان كبير بهذا الحجم يضر بالتنافسية في السوق الأوروبية نفسها.
المفوضية الأوروبية طلبت من بورصة لندن بيع حصتها البالغة 60 في المائة في منصة تداول أدوات الدخل الثابت «إم تي إس» في إيطاليا، لتبديد مخاوف سلطات مكافحة الاحتكار بشأن اندماج أكبر شركتين لتشغيل أسواق الأسهم في أوروبا.
ولكن البورصة البريطانية رفضت طلب الهيئة ووصفته بأنه «غير متناسب» قائلة إنها تعتقد أنها ستواجه صعوبة في بيع «إم تي إس»، وإن هذا البيع سينعكس سلبا على أنشطتها، وقالت المجموعة البريطانية إنها لن تقدم أي اقتراح معدل للحصول على موافقة المفوضية على صفقة الاندماج. وأضافت: «بناء على الموقف الحالي للمفوضية، تعتقد بورصة لندن أنه من المستبعد أن توافق المفوضية على الاندماج»، ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بحلول نهاية الشهر.
وتراجعت الأسهم في الشركتين المشغلتين لبورصتي لندن وفرانكفورت أمس، حيث انخفضت أسهم شركة دويتشه بورصة، التي تدير بورصة فرانكفورت، بنسبة 5 في المائة، خلال عمليات التداول المبكرة، في حين تراجعت أسهم بورصة لندن للأوراق المالية (إل إس إي)، بأكثر من 2 في المائة.
ويهتم الألمان بشكل كبير بمصلحة الإنجليز، فبريطانيا ثالث مساهم بأكبر فائض تجاري لألمانيا، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن الصادرات الألمانية إلى بريطانيا فاقت الواردات من بريطانيا بأكثر من 50 مليار يورو، وهذا رقم لا يمكن أن تضحي به ألمانيا، ولهذا تريد أن تضمن اقتصادا إنجليزيا قويا، قادرا على الاستهلاك والاستثمار، ولكن هيئة الاتحاد وباقي الدول لن تهتم بنفس الدرجة بسعادة الإنجليز.
منذ أسبوع، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية أن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن تتم «بأسعار مخفضة» وأنها ستكون «باهظة جدا». وقال جان كلود يونكر: «ستكون مفاوضات صعبة جدا وستستغرق سنوات للاتفاق على سبل الخروج وعلى العلاقات المقبلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. على البريطانيين أن يعرفوا، وهم يعرفون أصلا، أن ذلك لن يتم بأسعار مخفضة أو بلا ثمن».
وبحسب مصادر أوروبية مختلفة، قد تطلب بروكسل من البريطانيين «فاتورة خروج» من الاتحاد الأوروبي قد تصل إلى 60 مليار يورو، وهو مبلغ يوازي التعهدات التي قطعتها لندن لجهة المساهمة في الموازنة الأوروبية.
أما فرنسا فهي تركز على البيانات الاقتصادية الإيجابية لمنطقة اليورو، والتي تؤكد أن بقاء الاتحاد أمر في مصلحة دوله، على عكس ما يردد اليمينيون الراغبون في الانفصال.
وقد تفاجأ كثيرون بمؤشرات النمو القوية المسجلة في كثير من البيانات الصادرة والمسوح في بداية هذا العام في الاتحاد الأوروبي، وأحد الأمثلة الكاشفة هي البيانات الموجزة لمؤشرات مديري المشتريات في فرنسا وألمانيا ومنطقة اليورو، الصادرة في 21 فبراير (شباط) الحالي.
ومن بين المؤشرات الاقتصادية للتسع الرئيسية سجلت 8 مؤشرات نموا، بل إن 6 مؤشرات سجلت نموا أعلى من توقعات أي من خبراء الاقتصاد المستطلعة آراؤهم.
وتؤكد الأرقام على أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو نما على مدار «15 ربع سنة على التوالي» فيما يعد علامة على التحسن المطرد، وما زال النمو الاقتصادي يسير بمعدل يبلغ نحو 1.6 في المائة سنويا.
فقط بقي الجدال حول قدرة منطقة اليورو على المحافظة على النمو دون إصلاحات هيكلية كبيرة، لا سيما في الاقتصادين اللذين يحتلان المرتبتين الثانية والثالثة بعد ألمانيا. وقالت فلورريان هينس خبيرة الاقتصاد الأوروبي في بنك «برينبرج» الخاص: «الأمر يتوقف على رفع وتيرة النمو درجة أخرى في فرنسا وإيطاليا». غير أن السياسة في هذين البلدين بالتحديد هي التي تهدد بتأجيل نوع الإصلاحات الهيكلية المفيدة للنمو التي ينادي بها البنك المركزي الأوروبي، وكثير من الاقتصاديين في القطاع الخاص.
ففي إيطاليا أدت استقالة رئيس الوزراء ماتيو رينتسي إلى انتكاس الإصلاحات الكبرى حتى تُجرى انتخابات جديدة.
وفي فرنسا تمثل الانتخابات نفسها الخطر الأكبر، فاثنان من المرشحين الثلاثة الأوائل يعتبران من الإصلاحيين الاقتصاديين، لكنهما يقفان في مواجهة مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين، والتي وعدت بطرح عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء من شأنه أن يهز استقرار اقتصاد منطقة اليورو لسنوات.
وقال الاقتصاديون في بنك «برينبرج» لعملائهم: «إذا انضمت فرنسا وهي تشهد تحسنا إلى ألمانيا، وكانت الأخيرة لا تزال تحتفظ بقوتها في قلب أوروبا، فمن الممكن أن تتحسن التوقعات الاقتصادية والسياسية لمنطقة اليورو كلها بشكل كبير، لكن فوز لوبان بالرئاسة سيؤذن بنهاية الآمال في الإصلاح لفرنسا والاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة». ما يعني ببساطة أنه إذا ظهر نموذج ناجح للخروج من الاتحاد الأوروبي «بريطانيا»، فهذا يعني أن قوة أخرى «فرنسا» ستكون قريبة من الخروج، ومن المرجح أن الكيان «الاتحاد الأوروبي» لن يتحمل هذه الصدمة.
بريطانيا تقترب من دفع أولى فواتير «البريكست»
طموحات اندماج بورصتي لندن وفرانكفورت تتبخر
بريطانيا تقترب من دفع أولى فواتير «البريكست»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة