سيارة تدهس حشدا في ألمانيا والشرطة تطلق النار على الفاعل

مقتل شخص و3 جرحى ودوافع الهجوم غير واضحة * الشرطة: السيارة كانت مستأجرة

TT

سيارة تدهس حشدا في ألمانيا والشرطة تطلق النار على الفاعل

دهس رجل بسيارة مجموعة من الناس كانوا يقفون أمام مخبز في بلدة هايدلبرغ بجنوب غربي ألمانيا أول من أمس مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة ثلاثة أشخاص، لكن السلطات قالت: «إنه لا توجد مؤشرات على أن الواقعة هجوم إرهابي». وقالت الشرطة وممثلو الادعاء في بيان إن رجلا ألمانيا عمره 73 عاما توفي في المستشفى متأثرا بإصابته وإن المصابين الاثنين
الآخرين - وهما نمساوي عمره 23 عاما وامرأة من البوسنة والهرسك عمرها 29 عاما - تلقيا العلاج بالمستشفى وغادرا لاحقا.
وقال البيان «بناء على التحقيقات حتى الآن لا توجد دلائل على وجود دافع إرهابي». وأشار البيان إلى أن المشتبه به شوهد وهو يخرج من السيارة ويحمل سكينا وجرى تعقبه إلى حمام سباحة. ونقل إلى مستشفى في هايدلبرغ بعد أن أطلقت الشرطة النار عليه عند اعتقاله مما أدى إلى إصابته إصابة بالغة. وقالت الشرطة والادعاء إن المشتبه به يخضع لعملية جراحية منذ ذلك الحين لكن لا توجد معلومات عن حالته الصحية.
وذكرت صحيفة «راين نيكار تسايتونغ» المحلية أن حالته لا تسمح باستجوابه.
وقال متحدث باسم الشرطة إن الخبراء يجمعون أدلة مثل آثار الحمض النووي وبصمات الأصابع ويفحصون محتويات السيارة. وأضاف أن المشتبه به سيجري استجوابه عندما تسمح حالته الصحية وقالت الشرطة إن مكتب الادعاء العام في هايدلبرغ والشرطة الجنائية في البلدة يواصلان التحقيقات. ولم تتضح خلفيات الاعتداء، كما لم تعلن الشرطة حتى الآن أن للحادث خلفية إرهابية. وقال المتحدث باسم الشرطة إنه لا يستطيع الآن لا نفيا ولا تأكيدا فيما إذا كان للحادث خلفية تطرف إسلاموي. كما لا تتوقع الشرطة وجود خطر بعد الآن، إذا يبدو أن الرجل تصرف من تلقاء نفسه، والكلام دائماً للشرطة.
ونقلت صحيفة «راين نيكار تسايتونغ» عن الشرطة قولها إن المشتبه به شاب ألماني. وأضافت أنه توقف عند إشارة مرورية حمراء وعندما تحولت إلى اللون الأخضر ضغط على دواسة البنزين وأصاب مجموعة الناس وهو يسير بسرعة كبيرة وارتطم بأحد الأعمدة والسلطات الألمانية في حالة تأهب قصوى منذ أن اقتحم تونسي - تم رفض طلبه للجوء - بشاحنة سوقا لأعياد الميلاد في برلين في 19 ديسمبر (كانون الأول) مما أودى بحياة 12 شخصا.
إلى ذلك ذكرت الشرطة الألمانية صباح أمس أن السيارة التي تم بها دهس ثلاثة أشخاص في مدينة هايدلبرغ أول من أمس كانت سيارة مستأجرة تحمل لوحة من مدينة هامبورغ وقال متحدث باسم الشرطة صباح أمس إن دافع الجاني ليس واضحا حتى الآن. وأوضح المتحدث أن سائق السيارة السوداء - وهو ألماني الجنسية - لا يمكن استجوابه حتى الآن بعد إصابته بجرح ناتج عن العيار الناري الذي أطلقه أفراد الشرطة عليه لإيقافه عند محاولة هروبه. وفر الرجل بعد ذلك هاربا على قدميه ومعه سكين إلى أن أوقفه أفراد الشرطة بإطلاق عيار ناري عليه. وبحسب المتحدث باسم الشرطة أمس، لم يتضح حتى الآن أيضا إذا كان الرجل عاقد العزم على إصابة أشخاص آخرين بالسكين خلال هروبه أم لا وليس هناك إشارات على وجود خلفية إرهابية. ووسط إجراءات أمنية غير مسبوقة تشهدها القارة الأوروبية بعد سلسلة من الهجمات الدامية في عدد من دولها، يبدو أن فكرة إحداث الضرر أضحت أكثر مرونة لدى الجماعات الإرهابية بحيث لا تعتمد فقط على الأسلحة الرشاشة أو المفخخات. وانتقال الأسلحة عبر الثغرات الحدودية والحصول على المتفجرات يحتاج إلى وقت كبير منذ إصدار الأوامر من رأس التنظيم المتطرف حتى وصولها إلى الخلايا النائمة أو تلك المتنقلة عبر الحدود، بحسب تقرير إخباري لموقع «سكاي». ويعد استخدام الدهس في عمليات الإرهاب، أصبح أكثر خطرا من الأسلحة التقليدية، كون الرسالة التي يحملها تنطوي على رعب أكبر عندما يصبح المارة في الشوارع عرضة في أي وقت لأي سيارة شاردة دون أي إنذار أو تحسب. وقالت الشرطة الألمانية، في بيان أول من أمس، إنها أطلقت الرصاص على رجل بعد أن دهس بسيارته مجموعة من الأشخاص في مدينة هايدلبرغ، جنوب غربي البلاد، موقعا 3 جرحى. وهذا هو حادث الدهس الثاني بعدما قام متطرف بدهس حشد من الناس في سوق شعبية في برلين يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة 48 آخرين. وتعيد حادثة الدهس في برلين إلى الأذهان أكبر هجوم دهس تشهده أوروبا، ووقع في مدينة نيس الفرنسية في يوليو (تموز) الماضي حين صدمت شاحنة حشودا من الناس، مما أسفر عن مقتل 84 شخصا وإصابة آخرين بجروح. وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن هجومي نيس وبرلين، بينما لم يظهر بعد إذا ما كان له يد في الحادث الأخير في هايدلبرغ. لكن يبقى أن أي حادث دهس لمارة في شوارع أوروبا أمر مفزع كونه يستدعي التذكير بأن المتطرفين ما زالوا متربصين لشن هجمات لا يمكن أن يتوقعها الأمن رغم المعايير المشددة. وليس أدل على ذلك من أن حادثا مشابها وقع أول من أمس على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة، فكان أول سؤال حاولت السلطات الإجابة عليه إذا ما كان عملا إرهابيا أم لا؟ وقالت الشرطة الأميركية إن سيارة دهست حشدا في مهرجان ماردي غرا في ولاية نيوأورليانز، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 12 شخصا بإصابات بالغة. وأوردت في وقت لاحق أن الحادث لا علاقة له بالإرهاب، لكن السؤال سيظل دائما قائما فور انحراف أي سيارة عن مسارها وسط حشد من الناس.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟