«أطفال داعش»... قنبلة إرهابية موقوتة

بينما تتسارع وتيرة تجنيدهم وغسل أدمغتهم

أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
TT

«أطفال داعش»... قنبلة إرهابية موقوتة

أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» خلال التدريبات («الشرق الأوسط»)

نشر تنظيم داعش شريط فيديو مصوَّرا خلال شهر فبراير (شباط) الحالي ظهر فيه طفلان إيزيديان قامت المجموعة بتجنيدهما قبل أن ينفذا عملية انتحارية. ويسلط الفيديو الضوء على سياسة تجنيد الأطفال الفاعلة التي يتبعها التنظيم، التي شهدت تصاعدا ملحوظا مع الهجوم الجاري لتحرير الموصل، ثاني كبرى مدن العراق. وشرح الطفلان الإيزيديان المجندان كيف «اعتنقا» الإسلام، كما تحدّثا عن التوجيه والتدريب الذي قدمته المجموعة المتطرفة لهما. وادعى أحد الطفلين، الذي عرّف عنه باسم أمجد «أبو يوسف السنجاري»، أن «الإيمان الإيزيدي هو بمثابة عبادة الشيطان، ويمثّل الجهل والوثنية»، وفقا لموقع أخبار إلكتروني عراقي. هذا، ولقد ألحِق الطفلان بما يسمى «المعهد الديني» التابع لـ«داعش»، حيث جرى تلقينهما «عقيدته» قبل نقلهما إلى معسكر تدريب داخل سوريا، حيث تعهدا بالولاء والطاعة للقادة المحليين وجرى تسجيلهما ضمن مجموعة المهاجمين الانتحاريين. وبعد ذلك يظهر الطفلان وهما يبتسمان على متن مركبة مدرّعة تحتوي على كمية ضخمة من العبوات الناسفة قبل تفجيرها.
يُقدّر أنه منذ بدء هجوم الموصل، بشمال العراق، في أواخر العام الماضي، قتل نحو 300 طفلٍ من الأطفال السوريين المجنّدين الذين عمل تنظيم داعش الإرهابي المتطرف على إدخالهم إلى العراق، وذلك وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولقد ارتفعت وتيرة تجنيد الأطفال بسرعة خلال العامين 2015 و2016، وفقا لتقرير صادر عن مجلة «سي تي سي سنتينيل» الصادرة عن «مركز مكافحة الإرهاب» التابعة للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بولاية نيويورك.
وحسب إحصائيات المجلة المذكورة، نعى «داعش» بين 1 يناير (كانون الثاني) 2015 و31 يناير 2016 في إطار حملاته الدعائية 89 طفلاً ويافعا. وزُعم أن 51 في المائة منهم قد لقوا حتفهم في العراق، في حين قتل 36 في المائة منهم في سوريا. أما الأطفال واليافعون الباقون، فقتلوا خلال عمليات في اليمن وليبيا ونيجيريا.
ولقد جرى تصنيف 60 في المائة من العينة على أنهم «مراهقون» بناءً على الصور التي نشرها التنظيم المتطرف، و34 في المائة صنّفوا بأنهم من «المراهقين الأكبر سنا»، و6 في المائة كانوا في مرحلة «ما قبل المراهقة. وعلى صعيد الجنسيات، كان 31 في المائة من الجنسية السورية، و25 في المائة من السوريين - العراقيين، و11 في المائة من العراق. أما الـ33 في المائة الآخرون فكانوا من اليمن والمملكة العربية السعودية وتونس وليبيا والمملكة المتحدة (بريطانيا) وفرنسا وأستراليا ونيجيريا.
وبحسب دراسة «مركز مكافحة الإرهاب»، كان من أصل الحالات الـ89 الموثقة 39 في المائة لقوا حتفهم عندما قاموا بتفجير سيارة مفخخة ناسفة ضد هدف، و33 في المائة قتلوا في معارك غير محددة كانوا يشاركون فيها بصفتهم جنودا مشاة، وتوفي 6 في المائة أثناء عملهم دعاة ضمن الوحدات، ونفّذ 4 في المائة منهم عمليات انتحارية في إطار هجمات استهدفت مدنيين. وأما النسبة الأخيرة التي تشكل 18 في المائة فقتلوا في «عمليات انغماسية»، حيث تقوم مجموعة مؤلفة بمعظمها من المقاتلين البالغين بالتسلل والهجوم على موقع العدو، مستخدمين أسلحة أوتوماتيكية خفيفة قبل قتل أنفسهم عبر تفجير أحزمتهم الناسفة.

وتيرة متسارعة
والحال، أن هذه البيانات، أعلاه، توضح من دون أدنى شك أن «وتيرة تجنيد للأطفال واليافعين والشباب الصغار لأغراض عسكرية تشهد تسارعا؛ إذ ارتفع معدل قتلى الشباب الذين يقتلون في عمليات انتحارية من ستة أفراد في يناير 2015 إلى 11 في يناير 2016، كذلك هناك تزايد ملحوظ في عدد معدل العمليات التي تنطوي على طفل واحد أو أكثر أو شاب أو أكثر. ثم ثمة تزايد كذلك في عدد العمليات الانتحارية التي شارك فيها الأطفال والشباب الصغار؛ إذ ارتفعت أعداد العمليات الانتحارية التي شارك فيها أطفال - شباب بمعدل ثلاثة أضعاف في يناير 2016، مقارنة بالفترة نفسها في عام 2015»، كما ذُكر في التقرير.
وبالتالي يبدو أنه، مع ازدياد الضغط العسكري الذي كانت تتعرّض معاقل «داعش» في غضون الأشهر الأخيرة، أصبحت هذه العمليات أكثر جاذبية من الناحية التكتيكية، ولا سيما، تلك التي تشمل العمليات «الانغماسية» المتنوعة. ذلك الهجمات الانتحارية باتت أداة فاعلة بيد التنظيم المتطرف في الحرب النفسية المنظمة التي يشنها ضد خصومه.

دراسة أوليدورت
على صعيد آخر، نظري هذه المرة، تشير دراسة أعدها الدكتور جايكوب أوليدورت من «معهد واشنطن (لسياسة الشرق الأدنى)» إلى أن إقدام «داعش» على تلقين الأطفال عقيدته يسمح أيضا بترسيخ الولاء لدى الجيل التالي من هؤلاء الصغار. وحسب دراسة أوليدورت، يمكن تقسيم منهج «داعش» في الكتب المدرسية إلى شقين: الشق الأول يتناول كيف يتطرق التنظيم إلى الموضوعات التقليدية المرتبطة بدراسة العلوم الدينية، كالقرآن والحديث والعقيدة والقانون - الفقه، حيث تقوم جميعها بتحديد مزايا الإيمان والممارسة في الإسلام. أما الشق الآخر، فله علاقة بموضوعات أخرى كالاستعداد الجسدي، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، التي تشكل موضوعات ثانوية بالنسبة للهوية الإسلامية للتنظيم، بيد أنها أساسية لتدريب «مواطني» مشروع «دولته».
تدين الكتب المدرسية في عالم «داعش» الديمقراطيات الغربية وتشرح الفارق بين «غير المؤمنين»، أو «غير المسلمين»، و«المنافقين»، أو المسلمين الذين يتعاونون مع الغرب أو الذين لا يدعمون «داعش»، وفقا لأوليدورت. وفيها يبرر التنظيم المنهج العنفي، ويزعم أن «القتل ضروري لأغراض دينية». ويستخدم «داعش» هذه الكتب، وفق معد الدراسة، بهدف «تشويه نظرة الأطفال إلى العالم بشكل كلي». كذلك تؤكد الكتب على «واجب فرض السلطة الدينية، ومحاربة المسلمين الذين يعصون الشريعة الإسلامية»، كما تحظر أي شكل من أشكال الحكم القائمة على «المنطق البشري ويختلف عن شريعة الله».
بالإضافة إلى ما سبق، أيضا حسب دراسة أوليدورت، إلى أن أحد الكتب «يفصّل مختلف الألقاب والوظائف الإدارية في الدولة الإسلامية (المزعومة)» كما يأمر بطاعة «الخليفة»، معلنا أن «أي شخص يعصي أوامر الحاكم يُعتبر كافرا». ويصار إلى تدريب الطلاب الأصغر سنا في البداية ليصبحوا جواسيس، ومن ثم يجري تشجيعهم على الإبلاغ عن أفراد أسرتهم أو الجيران الذين ينتهكون قوانين «داعش»، أو الذين ينتقدون «دولته» المزعومة. كذلك يجري تدريب أطفال «داعش» على ألا يتأثروا أبدا بالموت، وذلك عبر مشاهدتهم بشكل روتيني أعمال الصلب والرجم وقطع الرؤوس. وفي المرحلة الأخيرة من التدريب، يؤمر الأطفال بقتل السجناء.

غسل الأدمغة
جدير بالذكر، أنه خلال يوليو (تموز) 2015، ذكرت صحيفة «الدايلي مايل» البريطانية أن «داعش» نشر مقطعا من شريط فيديو يظهر مجموعة من الأطفال بالزي العسكري ويطلقون الرصاص، منفذين الإعدام بـ25 جنديا تابعين للنظام السوري أمام حشد كبير في المدرج القديم بمدينة تدمر الأثرية في ريف محافظة حمص السورية. وتلى هذا المقطع ثلاثة مقاطع أخرى جرى نشرها في الشهر السابق، ظهر فيها أطفال يتدربون على اتخاذ الأسرى، والقنص، ونصب الكمائن للمركبات.
وفي إطار جذب هؤلاء الأطفال، الجاري تجنيدهم من خلال النظام المدرسي التقليدي، الذي يخضع لسيطرة «داعش»، يقدم «داعش» الألعاب والحلوى للأطفال لمجرد حضورهم، إضافة إلى توفير الاختلاط الاجتماعي بشكل تدريجي خلال الفعاليات العامة. وكان أحد الآباء من مدينة الرقّة قد قال لـ«الشرق الأوسط» عبر تطبيق «واتساب» في مقابلة سابقة معه «قررنا عدم إرسال أطفالنا إلى المدرسة؛ لأننا لا نريد أن يقوم (داعش) بغسل أدمغتهم». ويمكن بالفعل ملاحظة التأثير المستقبلي للدعاية التي يقوم بها «داعش»؛ إذ في مقابلة أجرتها أخيرا وكالة «رويترز» للأنباء مع عمار حسين، أحد متشددي تنظيم داعش، اعترف الشاب بأنه انضم إلى تنظيم القاعدة للمرة الأولى في سن الرابعة عشرة. والآن بعد سبع سنوات، يقول حسين إنه اغتصب أكثر من 200 امرأة من الأقليات العراقية، وتسبب بمقتل نحو 500 شخص.
وبالتالي، تؤكد حالة حسين الحاجة الملحة إلى لوضع برامج لإعادة إدماج الأطفال الذين نشأوا في ظل «داعش»؛ ذلك أن مراكز معالجة التطرف المخصصة للأطفال ضرورية في البلدان التي مزقتها الحروب كسوريا والعراق، إذا كانت هناك جدية في تجنب الموجة المقبلة من المتطرفين الإرهابيين الشباب.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».