صراعات الطائفة والمرجعية

استراتيجيات الأصولية في الواقع والوعي

عائلات مسيحية مصرية تفر من  سيناء (رويترز)
عائلات مسيحية مصرية تفر من سيناء (رويترز)
TT

صراعات الطائفة والمرجعية

عائلات مسيحية مصرية تفر من  سيناء (رويترز)
عائلات مسيحية مصرية تفر من سيناء (رويترز)

هل أيد الشيخ عمر عبد الرحمن، الذي رحل يوم 17 فبراير (شباط) الحالي، المراجعات الدينية - السياسية - العنفية في القرن الماضي وباركها، كما كان يؤكد دائمًا مجلس شورى الجماعة الإسلامية ممن كتبوا المراجعات، أم لم يباركها أو يوافق عليها كما ظل يؤكد أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» الحالي والراحل محمد خليل الحكايمة؟
تخوض الأفكار والجماعات الأصولية دائماً - بهدف التمدد والتجنيد - نوعين غير مباشرين من الصراع، تستهدفهما وتراهن عليهما في مجالين مختلفين، هما: الأول الصراع الطائفي، وهو صراع في الواقع والمجتمعات رهاناً على التوظيف والاحتقان الطائفي، والصدام المجتمعي بين مكوناته، مما يمثل فرصة لها. والثاني صراع الرمز والصورة، حيث تحرص مختلف جماعات التشدد الديني على صناعة رموز وصورة متخيلة مرجعية خاصة بها، بغض النظر عن حقيقتها الفعلية، وتسعى لتهويلها، وتشويه منافسيها وخصومها في الفضاء الديني، أو القضاء عليها عملياً أو معنوياً.
من هنا يمكن تفهم تنازع وصراع أصحاب المراجعات، والرافضين للمراجعات التي شهدها العقد الماضي، شخصية الدكتور عمر عبد الرحمن، الراحل في 17 فبراير الحالي. وهل أيد المراجعات وباركها، كما كان يؤكد دائماً مجلس شورى الجماعة الإسلامية ممن كتبوا المراجعات، أم لم يباركها أو يوافق عليها كما ظل يؤكد أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة» الحالي، والراحل محمد خليل الحكايمة (توفي سنة 2008)، ولم يوافق مطلقاً على نبذ العنف، أو ترويجه واشتهاره، رغم أنه امتهن الخطابة أكثر مما امتهن العلوم الشرعية، ولم يترك سوى آثار قليلة تمثل سندًا لتنظيمات التشدد نفسها، مثل شهادته في مقتل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات (كلمة حق)، أو بعض فتاواه في تكفير بعض الكتاب أو الاتجاهات؟
الرهان على الصدام الطائفي
أولاً: لم تصعّد أي من جماعات الإرهاب والتطرف العنيف والتشدد، سنية أو شيعية، اجتماعيًا وسياسيًا، إلا من نيران هذا التوظيف الطائفي، وتوظيفًا لاحتقاناته وهواجسه، أو لعبًا ورهانًا مستمرًا على تفجيره، منذ الدعوات المبكرة لمواجهة «التغريب والتنصير» في بدايات القرن الماضي، إلى استهداف الكنائس ودور العبادة في مصر وبعض دول الخليج، وصولاً لما كان الأسبوعين الماضيين من إعلان «داعش» قتل وتصفية عدد من المواطنين المسيحيين في العريش خلال فبراير الحالي، بشكل وحشي. وهو ما يحرج النظام، ويحقق حضورًا إعلاميًا، خصوصًا مع صحوة التنظيم واستعادته نشاطه في شبه جزيرة سيناء. وربما كان استهداف المسيحيين أبعد أثرًا إعلاميًا حتى من استهداف مدينة إيلات بالصواريخ من داخل سيناء، وهو ما تبناه تنظيم داعش في نشره النبأ في الأسبوع الثاني من فبراير نفسه.
وعن التوظيف الطائفي لدى جماعات الإرهاب، واستثمار حاضنته، وتأجيج احتقاناته، يمكننا أن نذكر المحطات والعلامات التالية في هذه الاستراتيجية:
1 - صحوة «داعش» في العراق: تجددت حياة «القاعدة» في العراق من فض اعتصامات الأنبار بالقوة عام 2013، على يد الميليشيات التابعة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، إذ سيطر «داعش» على الموصل وسائر المحافظات السنية بحجة حماية الطائفة من نير الحشد الشعبي والميلشيات الطائفية الموالية لإيران التي غدت في تصوره تسيطر على العراق. وحقًا كانت لها سوابق عنيفة حتى دور المساجد في ديالى والرمادي وغيرها، وقمع تجاه رموزها وشيوخ عشائرها في الأنبار، بل ونواب وسياسيين من أبناء الطائفة السنية.
2 - صحوة «النصرة» و«داعش» في سوريا: لقد وجدت هذه التنظيمات فرصتها سانحة مع قمع النظام الأسدي للثورة الشعبية المدنية التي ثارت ضده قبل ست سنوات، واستقدم لقمعها ميليشيات «حزب الله» وميليشيات التطرف الشيعي في العراق، مثل لواء أبو الفضل العباس وعصائب الحق، بل والهزارة الأفغانية، منذ الشهور الأولى للثورة، التي كونت فيما بعد لواء «فاطميون»، في مايو (أيار) 2015، وغيرها. وهكذا، أنتجت وبررت لعسكرة و«طوأفة» الثورة منذ أبريل (نيسان) 2012، عبر نصرات مضادة سنية، بدأت بـ«جبهة النصرة» التي انقسمت فيما بعد لـ«داعش» و«النصرة». وهكذا، كان الاحتقان والصراع الطائفي السبب في صحوة «داعش» الذي أعلن خلافته المزعومة فيما بعد، ونجح في استقدام آلاف المقاتلين إلى ساحات الصراع في سوريا والعراق من مختلف أنحاء العالم.
3 - الانقلاب الحوثي قبل «عاصفة الحزم» بسنة: لم يكن غريباً أن بدأت ميليشيات الانقلاب الحوثي حربها وصراعها في قمع سنّيي دماج، في مايو 2014، قبل «عاصفة الحزم» والتحالف العربي الداعم للشرعية بسنة. ولقد ارتكبت في حقهم حينها ما وصفته الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بجرائم حرب وإبادة جماعية، ثم تلتها بمحافظة عمران السنية، في يونيو (حزيران) 2014، قبل قفزها إلى العاصمة صنعاء، في سبتمبر (أيلول)، ومحاولتها ابتلاع الدولة، بحجة اعتراضها على رفع أسعار البترول حينها، ومطالبتها باستقالة الحكومة التي استقالت رغم ذلك. ولكن لم يقف طموح هذه الميليشيات المسلحة عند هذا الحد، بل أصرت على محاصرة، ثم السيطرة على، مقري الرئاسة ورئاسة الحكومة، ومقدرات البلاد، بعلنية مكشوفة. وراهنت على احتكار الحديث باسم الطائفة، بعدما همشت كل المراجع المعتدلة التي رفضت انحراف الزيدية نحو نظرية الولي الفقيه الإيرانية، التي تمثل النموذج المرجعي لطموح هذه الحركة منذ تأسيسها على يد الراحل حسين الحوثي، الشقيق الأكبر لزعيمها الحالي، الذي تلقى دروسًا له في قُم بإيران، وأقام فيها فترة.
ويتضمن خطاب جماعات التطرف في توظيف الطائفية في هذا الخصوص إنكاراً معلناً ومقصوداً لمفاهيم الوطنية والتعددية التي تنكرها أدبياتها منذ بدايتها حتى الآن، وما يتعلق بها من التعددية والاندماج تاريخاً وتعايشاً وواقعاً. وتصر على حديث الأمة في حال كانت التعددية ملية ودينية، أو «الفرقة الناجية» و«الطائفة المنصورة»، في حال كانت التعددية مذهبية وفرقًا مختلفة، كما هو الحال في العراق وسوريا. وكلا التوجهين يحاول تهميش مفهوم الوطن والدولة الوطنية لصالح أحلامها الأممية وتوجهها المحدود بطائفتها في الغالب.
راهناً، يبدو أن الاحتقان الطائفي المذهبي، السني - الشيعي، الأكثر اشتعالاً والتهاباً في المنطقة منذ غزو العراق عام 2003. ومع التوسع الإيراني المستمر لنظام الولي الفقيه، وتصدير ثورته الذي يعني نشر وكلائه والميليشيات التابعة له دون دولها الوطنية في عدد من كيانات منطقة الشرق الأوسط. وهي ميليشيات وجماعات دينية متشددة تدعمها دولة، وتتحد في أهدافها، وتنظمها سياسة واحدة و«ولي فقيه»، أو أمير ديني واحد، بعكس الشتات المتطرف السني المرفوض من جميع الدول السنية، ومحل مجابهة منها وصدام معها، ولكن يجد مبرره في الآخر الطائفي والمذهبي التوسعي، وهو ما يمثل خطراً برأيه على الطائفة السنية الغالبة التي يحاول تجنيدها.
كذلك يحضر التوظيف الطائفي الديني في البلدان التي لا تحتوي أقليات مذهبية كبيرة، شأن مصر، حيث تصعد أحداثه من آن لآخر بين المسلمين والمسيحيين، بحوادث من العنف العشوائي تنقلب طائفياً، أو بمحاولة مستمرة من تنظيمات العنف والتطرف، سواء في المنافسات السياسية والانتخابية طوال العقود الأربعة الماضية، أو في عمليات عنف متعمدة ضد الأفراد أو دور العبادة الخاصة بهم.
وفي كل الأحوال، تحقق الطائفية فرصة لتنظيمات التطرف في زعزعة هيبة الدولة، وإحراجها أمام مواطنيها، وثانية هي رهان مستمر على احتمال تفجير تعايش المجتمع وانقسامه، مما يمثل في النهاية فرصة هائلة لها للصعود، وقنص السلطة فيه.
معركة «الرمز» وصناعة النجوم
ثانيًا: تطالعنا منذ أول وهلة في خطاب الجماعات المتشددة تعبيرات فخمة، مثل «الرجل القرآني» و«الإمام الشهيد» و«مجدد الدين» و«العلامة الحبر الفهّامة»، حين تتكلم كل جماعة أصولية عن مؤسسيها وشيوخها وعناصرها والقريبين منها. وهنا تحضر مضامين التضحية والإخلاص والتوسع والعلم الشرعي العميق.
ويمكن أن تستهدف مضامين أخرى أيضًا ترويجًا لعدد من الشيوخ لمجرد فتاوى وإنتاج قليل من الخطب النارية المتطرفة المؤيدة لتوجهات وممارسات هذه الجماعات، رغم أنهم يفتقدون لوزن علمي كبير في مجالاتهم التخصصية.
ومن هذا القبيل، فعلت صورة «الشيخ العالم الضرير» الكثير في دعايات جماعات التطرف العنيف، من الشيخ عمر عبد الرحمن مصريًا بالخصوص، إلى السعودي الشيخ حمود عقلا الشعيبي (المتوفى سنة 2001)، إلى الشيخ الضرير مرشد التشدد في تونس الخطيب الإدريسي (المولود سنة 1955)، الذي مثل دافعاً رئيساً لهجرة الشاب التونسي إلى ساحات «داعش»، والقتال في سوريا والعراق، منذ عام 2014. وكذلك بسهولة يلاحظ اختفاء آثار كتّاب ومفكّرين مهّمين وجهل العامة بهم، بينما برز عبر الوسيط الأصولي من هم أقل منهم عمقاً وفكراً وأدباً، خصوصاً في مجال الفكر الإسلامي والهم الحداثي، بل نجح الهجوم الأصولي المتشدد والعنيف عليهم في إسكات أصواتهم، وانسحابهم الطوعي أو القسري من مجال الكتابة والإبداع، أو العيش انحباساً في دوائر ضيقة فقط، بينما انساح التأثير والنشر والترويج حكراً على رموز الأصولية في أحيان كثيرة.
أيضاً لم تتحقق نجومية الكثيرين إلا بعد تحولهم لاتجاه التنظيمات التي حملته، وقامت به وبمؤلفاته، وحملته على الأعناق، كما كان في حالة الراحل سيد قطب بعد عودته من الولايات المتحدة في صيف عام 1951، إذ استقبلته عناصر جماعة الإخوان في مطار القاهرة حاملين إياه فوق رؤوسهم، ولم يلبث أن تحوّل مفكّرهم ومنظرهم الأول، وبرز حضوره الجدلي في الفكر العربي الحديث بعدها. وهذا بعدما كان سيد قطب يشكو التهميش، وتجاهل أمثال أستاذه عباس محمود العقاد والعميد طه حسين، كما كتب معاتباً لهم في مجلة «الرسالة» في أربعينات القرن الماضي، وتجاهلهم لكتاباته، رغم أنه كان دائم الكتابة والاهتمام بما كتبوه، بينما لم يهتم ببعض أعماله سوى الأستاذ توفيق الحكيم... رحمهم الله. وهو في عتابه لهم كان ثائراً لأنه كتب عن كل كتاباتهم، بينما لم يكتب العميد أو العملاق عن كتبه مرة، في حين يكتبون عن غيره! ولكن بعد التحول والتشدد النظري والتنظيمي الذي انتقل إليه، صار صوته وحضوره أعلى من أساتذته حينها.
وفي السياق نفسه، حسبنا أن نذكر كتيب المتشدد السابق الراحل فارس آل شويل الزهراني (أبو جندل الأزدي)، عن مؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن، الذي جعله بعنوان «مجدد الزمان وقاهر الأميركان». وهذا رغم أن المعروف أن بن لادن لم يترك أثراً علمياً، بل خطباً متشددة وحدثية وقائعية، ثم أنه لم يغير واقعاً إلا سلباً، ولم يقهر الأميركان، حسب دعواه.
وفي وثيقة استراتيجية تنظيم «القاعدة» في العراق الثانية، الصادرة أوائل يناير (كانون الثاني) 2010، التي نرى أنها احتوت خطتها التي نفذتها حتى وصولها «خلافة داعش» المزعومة سنة 2014، تتناول أزمة الرمز عندها بعد رحيل أبو مصعب الزرقاوي الذي يوصف بـ«العلامة» و«شيخ المجاهدين» الآن في أدبياتها، ورحيل قائديها السابقين أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر الذي كانوا يصفونه بالدهاء الشديد أيضاً، رغم أن عارفيه شأن أبي عبد الله المنصور، شيخ «جيش المجاهدين»، يؤكدون أنه كان أسير الرؤى والنبوءات، كما كان حال بعض قادة حركة العدالة والإحسان المغاربية قبل أعوام!
ولكن في المقابل، يتجاهلون وهم يصفون الزرقاوي بما يصفونه به من العلم ما انتقد به من شيوخه في الأردن، شأن المقدسي فترة، أو ما انتقد به من شيوخ «القاعدة» نفسها، أو أنه دخل السجن فترة بجرائم سرقة وسطو في موطنه الأصلي، مصرين على ترويج صورة محددة تسكن وجدان المنتمي، وتغري اللامنتمي، ليس غير.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».