لبنان: تحرك شعبي لإحياء مشروع قانون العفو العام

لجنة قضائية تدرس الحالات المشمولة... ومصادر: الرئيس سينظر في شكله وحيثياته بعد إقراره

لبنان: تحرك شعبي لإحياء مشروع قانون العفو العام
TT

لبنان: تحرك شعبي لإحياء مشروع قانون العفو العام

لبنان: تحرك شعبي لإحياء مشروع قانون العفو العام

مع بداية كل عهد رئاسي جديد، تنتعش آمال السجناء في لبنان، سواء كانوا محكومين أو موقوفين، بعفو عام يفتتح به الرئيس الجديد عهده. هذا الأمل تحقق في عام 1991، في مطلع السنة الثانية من عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، الذي وقّع عفواً عاماً أقره مجلس النواب، أراد من خلاله طي صفحة الحرب الأهلية بكل آلامها ومآسيها، والانتقال إلى مرحلة العيش الواحد والبناء، لكنه استثنى من ذاك العفو، الجرائم المحالة إلى المجلس العدلي، أي جرائم الاغتيال التي طالت رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة وسياسيين ورجال دين إبان مرحلة الحرب.
اليوم عادت أحلام العفو لتدغدغ مشاعر آلاف في لبنان، ليس على مستوى السجناء فحسب، بل عشرات آلاف المطلوبين الذين تتعقبهم مذكرات التوقيف والأحكام غيابية ومذكرات البحث والتحري في جرائم مختلفة، وهؤلاء تتراوح أعدادهم بين 30 و40 ألف شخص، من كل المناطق والطوائف، وبمختلف الجرائم، صغيرة كانت أم كبيرة. وهذه المرّة لم تقتصر المطالبة على البيانات والنداءات، إنما ترجمت بتحركات شعبية واسعة على الأرض بدأت قبل أيام في كثير من المناطق، لاقاها الموقوفون بحالات تمرّد وإضراب عن الطعام داخل السجون، لتشكيل حالة ضغط، والدفع باتجاه إقرار هذا العفو.
وفيما بدأ البعض التسويق لفكرة أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيسير في المشروع، أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، أن «العفو العام هو من اختصاص مجلس النواب، وعندما يوضع هذا القانون قيد البحث الجدي يبدي رئيس الجمهورية رأيه فيه».
وثمّة ثوابت يتمسّك بها رئيس الجمهورية، وفق المصادر التي تحدثت لـ {الشرق الأوسط} والتي أوضحت أنه «منذ الاجتماع الأول للرئيس عون مع مجلس القضاء الأعلى، أكد الرئيس أن الدستور يعطيه الحق بمنح العفو الخاص لمحكومين، إلا أنه تعهّد بألا يستخدم هذا الحق إطلاقاً». وكشفت المصادر أن الرئيس عون «أبلغ مجلس القضاء بأنه لن يوقّع على أي حكم بالإعدام، وسيعمل على تخفيض عقوبته من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، منطلقاً من مبدأ، أن أي مسؤول حتى لو كان رئيس الجمهورية، لا يملك حق إنهاء حياة إنسان آخر، لأن الله تعالى الذي أودع الروح في هذا المخلوق، وحده الذي يحق له انتزاعها».
قبل انتخاب رئيس للجمهورية، لم تكن الدولة اللبنانية بعيدة عن مقترحات إصدار عفو عام. فقبل انتخاب عون بشهرين تقريباً، شكّل وزير العدل (السابق) اللواء أشرف ريفي لجنة قضائية، كلّفها بوضع مشروع قانون للعفو عام، يأخذ في الحسبان جملة من الاعتبارات والأسباب التي لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، حيث أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة «اجتمعت 3 مرات وبدأت في وضع الأفكار التي يمكن البناء عليها لإعداد مشروع القانون، لكن مع وصول وزير العدل الجديد سليم جريصاتي، توقفت اجتماعات اللجنة، بانتظار رأي الوزير الحالي، خصوصاً بعدما عبّر الأخير عن رغبته في إعادة النظر ببعض القرارات التي اتخذها سلفه».
اللجنة القضائية التي يرأسها القاضي بركان سعد (رئيس محكمة التمييز الجرائية وعضو هيئة المجالس العدلي)، والقاضي محمد صعب (محققاً عدلياً في جريمة اغتيال الوزير الأسبق محمد شطح) أميناً للسرّ، والقاضي محمد مرتضى (محققاً عدلياً ورئيساً للغرفة الابتدائية في بيروت) والقاضي حمزة شرف الدين (رئيس لجنة تخفيض العقوبات، والمكلّف بمتابعة أوضاع السجون)، أخذت على عاتقها بحث كل الجوانب التي تستوجب الأخذ بها قبل رفع مشروعها إلى وزير العدل.
ويهدف المشروع وفق المصدر القضائي، إلى «دراسة الحالات والأسماء التي قد يشملها القانون، ضمن شروط محددة، تلحظ بالدرجة الأولى الأوضاع الإنسانية والاجتماعية للسجناء، والاكتظاظ الكبير في السجون، والمدّة التي أمضاها كل سجين خلف القضبان»، لافتاً إلى أن «آخر الإحصاءات كانت تتحدث عن نحو 7200 نزيل في كل السجون اللبنانية بين محكومين وموقوفين، ما عدا حالات الاحتجاز الاحتياطي في أماكن التوقيف العائدة لمخافر وفصائل قوى الأمن الداخلي والأمن العام».
وكان أهالي المئات من الموقوفين والمحكومين والمطلوبين للقضاء نظموا اعتصامات أمام قصر العدل في مدينة بعلبك في البقاع اللبناني، رفعوا خلالها الأعلام اللبنانية ولافتات تطالب بالعفو العام. وشارك في الاعتصامات نسوة ردّدن شعارات مؤيدة للعفو بعدما قُطعت عدة طرق. كما امتد هذا التحرك إلى مدينة صيدا، حيث نفّذت أمهات وزوجات وأبناء الموقوفين بأحداث عبرا، وأنصار الشيخ الموقوف أحمد الأسير اعتصاماً طالبوا فيه بإقرار قانون العفو.
وتظهر الوقائع أن التحركات الشعبية، تتلاقى مع رغبة بعض الأحزاب الموجودة في الحكومة، وهذا ما كشفه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، الذي دعا في خطابه الأخير إلى أخذ مطلب العفو على محمل الجدّ. واعتبر أن «الملاحقات التي تطال آلاف المطلوبين في البقاع وغير البقاع، يجب أن تعالجها الدولة بحكمة وموضوعية وتحت سقف القانون».
ويفترض بقانون العفو في حال صدوره أن يخفف من ضغط الملفات التي تغرق بها المحاكم اللبنانية، كما يخفف من الاكتظاظ في السجون، الذي يتسبب دائماً في حالات تمرّد داخلها. وهذا ما أشار إليه رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد الركن الطيار خليل إبراهيم، حيث ذكّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «نحو نصف السجناء في لبنان، ملفاتهم موجودة بالمحكمة العسكرية». وأعلن أنه خلال توليه رئاسة المحكمة على مدى 5 سنوات «تم الفصل في 25593 ملفاً، وبعض هذه الملفات فيها ما بين 50 و100 شخص». ولفت إلى أن «أي عفو يجب ألا يشمل المحكومين أو الملاحقين بجرائم إرهاب». وقال: «لدينا أمثلة وشواهد خطيرة، فالموقوفون في أحداث الضنية (معارك حصلت بين مجموعة متشددة والجيش اللبناني مطلع عام 2000 في جرود الضنية في شمال لبنان)، الذين خرجوا من السجن بعفو عام، عاد معظمهم واستأنفوا نشاطهم الإرهابي»، مؤكداً أن «الموقوف أحمد سليم ميقاتي الذي أفرج عنه بأحداث الضنية، خرج من السجن وجنّد جيلاً من الشباب بينهم أولاده وأولاد شقيقه، وانخرطوا في تنظيم داعش الإرهابي وشاركوا في قتل وذبح جنود الجيش اللبناني في عرسال وغيرها».
وحذّر العميد خليل من «خطورة أن يشمل أي قانون عفو جرائم الإرهاب وجرائم التعامل مع العدو الإسرائيلي»، لافتاً إلى أن «شمول جرائم المخدرات بالعفو، يبقى خاضعاً لاعتبارات يحددها المختصون بدراسة مشروع القانون»، مشدداً على أن «أي عفو يشمل جرائم المخدرات، يفترض أن يكون مشروطاً، بحيث إذا عاد المعفى عنه إلى هذا العمل، تطبّق عليه العقوبة القديمة مع العقوبة الجديدة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.