النظام يرسم حدود ريف حلب الشرقي ويوقف تقدم «درع الفرات»

المرصد: التقدم المفاجئ يعكس الاتفاق الروسي ـ التركي على مدينة الباب

منظر عام للأحياء الشمالية الغربية لمدينة الباب أول من أمس تظهر حجم الدمار الذي لحق بها على إثر معارك عنيفة بين «درع الفرات» و{داعش} (أ.ف.ب)
منظر عام للأحياء الشمالية الغربية لمدينة الباب أول من أمس تظهر حجم الدمار الذي لحق بها على إثر معارك عنيفة بين «درع الفرات» و{داعش} (أ.ف.ب)
TT

النظام يرسم حدود ريف حلب الشرقي ويوقف تقدم «درع الفرات»

منظر عام للأحياء الشمالية الغربية لمدينة الباب أول من أمس تظهر حجم الدمار الذي لحق بها على إثر معارك عنيفة بين «درع الفرات» و{داعش} (أ.ف.ب)
منظر عام للأحياء الشمالية الغربية لمدينة الباب أول من أمس تظهر حجم الدمار الذي لحق بها على إثر معارك عنيفة بين «درع الفرات» و{داعش} (أ.ف.ب)

رسم النظام السوري أمس، حدود تقدم قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا في ريف حلب الشرقي بعد مدينة الباب باتجاه الشرق، حيث عبرت قوات النظام أوتوستراد الباب – الطبقة الرئيسي باتجاه الشمال لأول مرة منذ انطلاق عمليات النظام بريف مدينة الباب.
وبهذا التقدم، أقفل النظام على «درع الفرات» فرص التمدد شرقاً انطلاقاً من الباب، حيث سيطر على بلدة تادف التي تبعد 1.5 كيلومتر عن مدينة الباب، وعَبَرت قواته إلى المنطقة الواقعة شمال شرقي الباب مباشرة على الطريق السريع، لتصبح محاذية لمواقع سيطرة «درع الفرات» مباشرة شرق الباب، وجنوب غربها وجنوب شرقها، وباتت تفصلها مسافة قليلة عن مواقع سيطرة القوات الكردية وحلفائها العرب في جنوب غربي منبج.
وبانتزاع السيطرة على منطقة جنوبي الباب من يد «داعش»، قالت وكالة «رويترز» إن النظام «يمنع أي تحرك محتمل من تركيا وجماعات المعارضة التي تساندها للتمدد صوب الجنوب ويقترب من استعادة الهيمنة على إمدادات المياه لحلب».
وكان مسؤول روسي كبير، قد قال، هذا الشهر، إن تادف هي خط فاصل متفق عليه بين قوات النظام والقوات التي تدعمها تركيا.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا التقدم المفاجئ «يعكس الاتفاق الروسي – التركي على توقف درع الفرات في مدينة الباب، كما أنه يرسم معالم خريطة النفوذ الجديدة بريف حلب الشرقي».
وبالتوسع شرقاً، سيجبر تنظيم داعش على الانسحاب من عدد كبير من القرى الواقعة جنوب غربي منبج، كونها تدخل في حصار من قبل 3 أطراف عسكرية: هي قوات مجلس منبج العسكري من جهة، وقوات «درع الفرات» والقوات التركية من جهة ثانية، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة ثالثة. حيث يصل عدد القرى في الدائرة التي من الممكن أن تدخل في الحصار وتسعى قوات النظام لذلك، إلى نحو 30 قرية.
وقال الباحث السياسي والخبير العسكري عبد الناصر العايد، إن الواضح من التقدم الأخير للنظام، أنه «يتجه ليرث داعش جنوب الباب وصولا إلى قوات سوريا الديمقراطية»، معرباً عن اعتقاده أن قوات «درع الفرات» «لن تمانع ذلك إلا إذا كانت تسعى لتكون على خط تماس يفصل النظام عن قوات سوريا الديمقراطية في منبج، وهو أمر مستبعد، أو إذا كانت هناك مخاوف تركية من أن يستخدم الأكراد مناطق نفوذ النظام لوصل فيدرالية كوباني بفيدرالية عفرين»، وهو ما ليس واضحاً حتى الآن.
وقال العايد لـ«الشرق الأوسط»: «هناك اتفاق واضح بين الروس والأتراك على تمدد النظام»، لافتاً إلى معلومات وصلته «تتحدث عن أن الأتراك منعوا درع الفرات من التقدم إلى تادف بعد انسحاب داعش منها، وهو ما سمح للنظام بعد 24 ساعة من السيطرة عليها»، لافتاً إلى «سلوك مباشر من قبل النظام للمضي باتجاه نهر الفرات وإغلاق الطريق على درع الفرات للتقدم في جنوب شرقي المنطقة باتجاه الطبقة، وبالتالي يصبح على تماس مع قوات سوريا الديمقراطية بدلاً من تقدم درع الفرات باتجاه مناطق الأكراد في ريف عفرين».
وقال: «خطورة هذا التقدم في كونه يمنع درع الفرات من التقدم إلى الطبقة أو الرقة، عبر غرب الفرات في ريف حلب، مما يجبر الأتراك على التوجه إلى الرقة، عبر تل أبيض حصراً بموجب اتفاقات دولية». لكنه استبعد صراعات مع الأكراد شرق الفرات لأن الأتراك «ليس طموحهم ما يتخطى الباب باتجاه جنوب الضفة الغربية لنهر الفرات»، معرباً عن اعتقاده أن الطموح التركي يتمثل في التمدد بريف حلب الشمالي لإنشاء المنطقة الآمنة، وقد يقوده ذلك للتفكير بعفرين غرباً أو منبج شرقاً ومنع قيام الدولة الكردية.
ميدانياً، أكد «المرصد السوري» أن قوات النظام المدعومة بمسلحين موالين لها من جنسيات سورية وغير سورية دخلت بلدة تادف الواقعة بريف مدينة الباب الجنوبي، أمس، عقب انسحاب تنظيم داعش منها يوم السبت. كما تمكنت قوات النظام من التقدم مجدداً في ريف مدينة الباب الجنوب الشرقي وسيطرت على 3 قرى جديدة عقب معارك مع تنظيم داعش في المنطقة، ليرتفع إلى 17 قرية وتلا وجبلا عدد المناطق التي تقدمت إلى إليها قوات النظام واستعادة السيطرة عليها خلال الـ24 ساعة.
بدورها، أعلنت القيادة العامة لقوات النظام السيطرة على بلدة تادف، معتبرة أن هذا الإنجاز «يعزز السيطرة على طرق المواصلات ويشكل قاعدة انطلاق مهمة لتطوير العمليات القتالية ضد تنظيم داعش في الريف الشمالي الشرقي لمدينة حلب».
وتمكنت قوات النظام من تحقيق هذا التقدم السابق الذكر، والالتفاف حول المساحة الترابية التي تركت لداعش من قبل النظام والقوات التركية في جنوب غربي منطقة الباب، والتي تمت عبرها عملية انسحاب التنظيم نحو الريف الجنوبي الشرقي للباب، علما بأن تقدم النظام، خلال الأسبوعين الفائتين، تركّز على البلدات الواقع جنوب أوتوستراد الباب – الطبقة، ولم تعبر قوات النظام الطريق باتجاه الشمال، فيما بدا أنه محاولة لإبقاء خط إمداد مفتوح لقوات «داعش» للانسحاب باتجاه الرقة.
وبات النظام يسيطر على أكثر من 600 كيلومتر مربع، منذ انطلاق عملياته ضد «داعش» بريف حلب الشرقي منذ نحو شهر. وقالت مصادر في المعارضة السورية في الشمال، إن هذه المساحة تتألف من مناطق زراعية وقرى متباعدة لا يسكنها الكثير من المدنيين الذين نزحوا منها إثر سيطرة التنظيم المتشدد على المنطقة.
ويسعى النظام، بحسب «المرصد»، التقدم إلى منطقة الخفسة القريبة من الضفة الغربية لنهر الفرات، حيث توجد محطة ضخ المياه التي تغذي حلب بالمياه.
وفي جنوب شرقي حلب، بدأ النظام بالتوجه من ريف دير حافر الشمالي باتجاه بلدة الخفسة الاستراتيجية الواقعة قرب الضفاف الغربية لنهر الفرات. وقال عبد الرحمن إن هذه المعارك «لا تزال على بعد نحو 21 كلم من الخفسة، وتصاعدت وتيرتها خلال اليومين الفائتين مع انسحاب تنظيم داعش من مدينة الباب وبلدتي بزاعة وقباسين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.