النظام السوري يستغل النشاط التشكيلي في توجيه رسائل للغرب

بعد الجدل حول معرض الفنان السوري المعارض عبدلكي بدمشق

جمهور المعرض الذي تم تمديده عدة أيام  -  يوسف عبدلكي في معرضه
جمهور المعرض الذي تم تمديده عدة أيام - يوسف عبدلكي في معرضه
TT

النظام السوري يستغل النشاط التشكيلي في توجيه رسائل للغرب

جمهور المعرض الذي تم تمديده عدة أيام  -  يوسف عبدلكي في معرضه
جمهور المعرض الذي تم تمديده عدة أيام - يوسف عبدلكي في معرضه

بعد معرض الفنان السوري المعارض يوسف عبدلكي في دمشق، مطلع العام الحالي تتالت معارض الفن التشكيلي فيما يشبه الصحوة المفاجئة لحركة التشكيل السوري في الداخل بعد شلل أكثر من خمس سنوات، وخلال شهرين من بداية العام أقيم أكثر من سبعة معارض تشكيلية في العاصمة دمشق، بعضها أقيم عن الصخب الإعلامي الرسمي، وبعضها الآخر شهد زخما دعائيا لافتا من قبل النظام. وكأنما الجدل الذي أشعله معرض الفنان والسياسي المعارض يوسف عبدلكي، فتح عين النظام بشكل غير مباشر، على أهمية استغلال النشاط التشكيلي في توجيه رسائل للغرب بمضامين حضارية راقية تؤكد مزاعم النظام حول «حربه مع الإرهاب». وبعد انشغال لسنوات عن رعاية الفن والفنون والانصراف لقمع المعارضين للنظام، ظهرت مستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان إضافة إلى وزير الثقافة محمد الأحمد وعدد من رموز الموالين للنظام من مثقفين وفنانين وإعلاميين في افتتاح معرض النحات غزوان علاف والتشكيلي جمعة النزهان في صالة «ألف نون» الذي تم برعاية وزارة الثقافة، وأدلى الجميع بتصريحات للإعلام تثني على الفن والفنانين. تبع ذلك المعرض نشاط آخر رعته وزارة السياحة، حيث عرضت الفنانة الشابة لينا رزق لوحاتها في بهو فندق «الداما روز» (المريديان سابقا)، الذي يستثمره رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد، وجرى الافتتاح بحضور وزير السياحة بشر يازجي.
الا أن النشاط الأبرز والأضخم ذلك الذي أقيم قبل أيام تحت رعاية النظام في صالة موتيل «آرت هاوس»، الذي يملكه رجل الأعمال نادر قلعي شريك رامي مخلوف، وشارك في المعرض 21 رساما ونحاتا تحت عنوان «بالفن منرسم بسمة» ونظمته جمعية «بسمة» المهتمة بالأطفال المصابين بالسرطان بدعم من عقيلة الرئيس أسماء الأسد. واللافت الإعلان عن أن ثمن اللوحات المباعة سيذهب لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان، وذلك رغم شلل سوق الأعمال الفنية، ما عدا الاقتناء الذي يتم بتوجيه سياسي لبعض رجال المال الداعمين للنظام من الراغبين بتقديم الولاء وتبييض الأموال.
وما يصح على المعارض المدعومة من الرئاسة، قد لا يصح على معارض أخرى ترعاها وزارة الثقافة، كجزء من مهامها الروتينية، إذ تبدو تلك المعارض بسيطة متقشفة يغيب عنها الحضور الرسمي الاستعراضي، كالمعرض الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين تحت عنوان «سوريا الحياة» في المركز الثقافي في أبو رمانة ضم نحو عشرين لوحة تشكيلية وثلاث منحوتات حملت تجارب ثلاثة عشر فنانا وفنانة من عدة أجيال.
الهبّة التشكيلية في دمشق بدت مفتعلة بعد سبات خمس سنوات، قد يكون أحد أسبابها كشف معرض يوسف عبدلكي عن وجود معارضة (صامتة) في الداخل. والمفارقة أن البعض من المعارضين في الخارج اعتبروا مجرد إقامة نشاط في دمشق القابعة تحت سيطرة النظام مشاركة في الدعاية لنظام القمع، بأن الحياة في ظله طبيعية وآمنة. ومن لم يعتبر ذلك خيانة رآه شكلا من أشكال المهادنة. ولعل هذا ما دفع النظام للالتفاف إلى أهمية تنشيط الحركة التشكيلية والتعمية على أي نشاط ثقافي معارض يقام من دون غطاء رسمي كمعرض عبدلكي الذي أقيم في صالة خاصة بعيدًا عن الإعلام ودون أية رعاية رسمية أو غير رسمية، كمبادرة للتأكيد على حق من تبقى في دمشق في البقاء على قيد الفن وسيرورة الحركة الثقافية، في مواجهة الوحشية المنفلتة حولهم.
قد لا يبدو غريبا أن كثيراً من المدعوين لحضور معرض عبدلكي لم يستدلوا بسهولة على مكان العرض، إذ إن زمنا طويلا مرّ على غياب النشاط التشكيلي عن صالات كانت تعج بالمهتمين والمتابعين حتى كادت أن تصبح من الأماكن المنسية. من هنا يمكن قراءة عرض عبدلكي للجديد من أعماله في دمشق أولا وقبل نقلها إلى معارض خارجية، بادرة نابعة من إحساس بالمسؤولية تجاه الإنسان والفن، تم التعبير عنها على نحو آخر من خلال لوحات جاءت متخففة قدر الممكن من حمولة نضالية آيديولوجية دفع ثمنها عبدلكي سنوات عدة في معتقلات النظام، وأكثر من عقدين نفي خارج البلاد، قبل أن يعود إليها عام 2005، ليعوض سنوات النفي بالإصرار على البقاء في دمشق، حتى في أصعب الفترات والتي شهدت فرار الكثير من المعارضين إما مرغمين وإما اختيارياً لإنقاذ ما تبقى من أعمارهم.
وبقي عبدلكي مع من بقي مواصلا نشاطه الفني بمحترفه في حي ساروجة الذي نال وينال نصيبه من القذائف كغيره من أحياء العاصمة، ليخرج بعدها بعشرات اللوحات بموضوعات متنوعة من السياسي إلى الطبيعة الصامتة وصولا إلى النساء العاريات، وكان لافتا اختياره للعرض العام أربعين لوحة غرافيك باللونين الأبيض والأسود معظمها لنساء عاريات وبعضها طبيعة صامتة، إضافة إلى عمل واحد كان تحية إلى الفنان الراحل نذير نبعة، وتقنياً أضاف الفنان لمسات بأدوات ذات حساسيات متنوعة مستجدة في أعماله.
وكادت اللوحات المختارة أن تخلو من الرسائل السياسية المباشرة، لذا اعتبرها منتقدو عبدلكي مهادنة للنظام المهيمن على دمشق، فيما رآها آخرون انتصاراً للإنسان، وعلى قدر كبير من الجرأة الفنية التي تحسب للفنان لا عليه، إذ ليس سهلا على فنان مسيّس النأي بعمله عن السياسة ولو على سبيل استراحة محارب.
فالمعرض الذي أعلن الفنان أنه ليس للبيع، كان فرصة للفنانين الشباب وطلاب الفنون الجميلة المتعطشين لإعادة وصل ما انقطع والاطلاع على ما استجد في البحث الجمالي لدى عبدلكي، وقد أنجزه في دمشق الرابضة تحت أكثر من ثلاثمائة حاجز عسكري مدججة بالرعب.
والمفاجأة كانت بحجم الحضور، وهو بحد ذاته مأثرة دفعت صالة «كامل» التي استضافت المعرض إلى تمديد فترته لمرتين ليبلغ عدد الأيام ما يقارب الشهر، قبل أن تحتضن بعده معرضاً للنحات فؤاد دحدوح، الذي بدوره لم يقدم أعمالا نحتية، وإنما ستة عشر لوحة إكريليك على القماش بأحجام كبيرة وبمواضيع إنسانية محورها المرأة أيضاً، ولاقى المعرض إقبالا أيضاً، وهو لا يمكن لمن يعيش في الخارج تلّمس أبعاده الموضوعية والواقعية، لا لشيء فقط لأن من يعيش ليس كمن يرى أو يسمع. فالذين هاجموا يوسف عبدلكي، لم يروا المعرض بل سمعوا عنه، والحملة بمجملها استهدفت انتماءه الحزبي، وعلى هذا الأساس اتهم بتجاهل المأساة السورية لأن توقيت المعرض تزامن مع معارك حلب، واعتبر رسمه لنساء عاريات تنكرا للوحته الشهيرة «أم الشهيد»!. إلا أنه يمكن القول إن معظم الاتهامات لم تلحظ انعكاسات الواقع المذل والمهين لكل القيم الإنسانية في الداخل المنكوب على تجربة الفنان الإبداعية، والتي من أحد علاماتها الانحياز التام للمعاني الجمالية والإنسانية وقيمة وجود الإنسان.
وإن كان ثمة ما يحسب لعبدلكي في أعماله الجديدة فهو جرأته على تعرية لوحته من الآيديولوجية، وهي تخوض غمار معركتها الحياتية مع الحزن والبشاعة، وإعادة الاعتبار للجسد البشري متمثلا بجسد المرأة بكامل معانيه، بينما يعيش مخاضه الوجودي تحت التهديد بالموت، إما كمدا أو تحت التعذيب، وإما أشلاء تحت الأنقاض.
لعل المتأمل بعاريات يوسف عبدلكي يرى أنهن لسن عاريات، بل كل جزء من أجسادهن بدا مدثرا بالوجع السوري، من النظرات الاتهامية إلى الأيدي النحيلة وحتى ارتعاش الخوف في تضاريس الجسد... جميعها ترسم علامات حرب تطحن الحجر والبشر.
ولم يكن عبدلكي وحده في هذا الاتجاه فالحرب دفعت كثير من الفنانين في الداخل لرصد علامات الحرب على الجسد لا سيما المرأة، فالمعارض الأخرى التي شهدتها دمشق مؤخرا ركزت على الإنسان وأكثر من فنان وفنانة قدموا أعمالا لنساء ورجال عراة الا من المأساة والفجيعة، منها لوحات ثلاث فنانين في معرض جماعي دعت إليه صالة (السيد) للفنون التشكيلية، وبينما غابت الأجساد في لوحات الفنان رياض شعار خلف غلالة الألوان المتناحرة، ظهرت في لوحات الفنانة نغم نعيم متلاحمة متكورة على بعضها بعضا في حركة تكتل دفاعية، ضمن صيغة لونية متقشفة من الأبيض والألوان الترابية، لتعود وتظهر لا سيما الأجساد الأنثوية في لوحات الفنان سامر داود ملفوفة بمرج من بهاء جمالي شفيف، يستثنى منها الأكف والأقدام فتبدو أطرافا بألوان شحيحة شاحبة وكأنها أطراف جثث قبيل التحلل!
الحرب ترخي بظلالها الثقيلة على الفن في دمشق، لكنها لم تقتله، وربما عدد المعارض التي شهدتها العاصمة مؤخرا كشفت عن أن الفنانين في الداخل لم يتوقفوا عن البحث الفني، وإن توقفت المعارض وأصيبت سوق الفن بالشلل، وسواء استغل النظام النشاط الفني أو لم يستغله في ترويج دعاياته، فإن بقاء ولو فنان واحد وسط الخراب فعل حياة جدير بالاحتفاء.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).