قبل أكثر من ستة أشهر، لم يكن طابور شاحنات النقل المختلفة في مداخل مدينة بغداد، يمتد إلى مئات الأمتار عند نقاط التفتيش الأمنية الرئيسية في مداخل الجنوبي، أما اليوم فيتجاوز امتداد طابور الشاحنات الخمسة أو الستة كيلومترات وأكثر، ومعنى ذلك، أن سائق الشاحنة، يضطر للانتظار يومين أو ثلاثة، وتصل أحيانًا إلى أربعة أو خمسة أيام ليتمكن من توصيل البضائع إلى المكان المطلوب.
هذا الوضع نتج عن إجراء اتخذته الحكومة لاستيفاء رسوم الجمارك على البضائع المستوردة عند مداخل مدينة بغداد، إلى جانب إجراءات الأمن المتخذة في المكان ذاته. لذلك أحدثت الأشهر الماضية بساعات انتظارها الطويل في العراء بالنسبة لسائقي الشاحنات والرسوم الإضافية التي يدفعها التجار موجةَ استياء وعدم رضا شديدين من جانب السائقين والتجار على حد سواء، ظهرت على شكل مظاهرة احتجاجية قرب مدخل بغداد الجنوبي، نظمها الطرفان، صباح أمس.
وتظهر التفاصيل التي أدلى بها تجار لـ«الشرق الأوسط» الطريقة الغريبة التي تعتمدها الدولة لاستيفاء أجور الرسوم الجمركية عن البضائع المستورة، وهي طريقة فرضها أساسًا «ضعف الدولة وعدم قدرتها على محاسبة مافيات الفساد في موانئ ومنافذ محافظة البصرة الجنونية وغيرها»، كما يقول تاجر السيراميك حسن المياحي.
ويرى المياحي أن إجراءات التعريفة الجمركية التي فرضتها الدولة قبل شهور هي «الأغرب بين نظيراتها في المنطقة والعالم، حيث تخضع البضائع الداخلة لميناء البصرة مثلاً إلى رسوم قيمتها 15 في المائة من قيمة البضاعة، ثم تخضع لضريبة مماثلة عند مداخل العاصمة بغداد». ويقول: «هذا التدبير اتخذته الحكومة نتيجة عمليات التلاعب الكبيرة التي تتعرض لها الرسوم في المنافذ الحدودية المختلفة، بحيث لا تحصل الدولة إلا على ربع مبلغ الرسوم، ويذهب ثلاثة أرباع المتبقي إلى جيوب الفاسدين».
وبرأيه، فإن التجار والمستوردين عموما لا يتحملون مسؤولية ذلك، وكل ما يردونه هو إيصال بضائعهم بأقرب وقت، ويؤكد أنهم «يتعرضون لعمليات ابتزاز واسعة يمارسها عليهم موظفو الجمارك».
ويضيف المياحي أنه «بدلاً عن أن تضع الدولة حداً للتلاعب في المنافذ الحدودية، وضعت سيطرات عند مداخل المحافظات، خصوصاً بغداد، لكشف التلاعب في الموانئ الأصلية، الأمر الذي يضع التاجر في عملية تلاعب جديدة، أبطالها الموظفون الفاسدون الجدد، ثم يضطر للدفع مرة أخرى».
أما التاجر أبو أحمد، فيرى أن الحكومة أرادت معالجة قضية التفاوت في أسعار الرسوم بين المحافظات الخاضعة للحكومة المركزية وإقليم كردستان «فوقعت في المحظور». ويشرح لـ«الشرق الأوسط» قضية التفاوت مع إقليم كردستان، حيث تفرض المنافذ الخاضعة لسيطرة الحكومة رسومًا أكبر مما يفرضه إقليم كردستان، لذلك عمد كثير من التجار إلى تمرير بضائعهم عبر منافذ الإقليم، مما أدى إلى تدهور الأعمال في منافذ الحدود العربية.
ولذلك، ولأسباب تتعلق بزيادة العوائد الجمركية نتيجة الأزمة الاقتصادية، قامت الحكومة بإنشاء سيطرات لاستيفاء الرسوم الجمركية بعد حدود إقليم كردستان شرقًا وشمالاً، وعند مدخل المحافظات المختلفة.
وكان السائق نعيم أبو عباس، ويسكن في بغداد، وينقل البضائع من البصرة إلى بغداد، واحدًا من المشتركين في مظاهرة أمس فيقول: «نتأخر كثيرًا في الدخول إلى بغداد، والمشكلة الأساسية في جهاز (السونار) الذي يخضع الشاحنات لفحوص أمنية إضافة إلى عملية استيفاء الرسوم الجمركية»، وتأخذ الإجراءات من وقته أربعة إلى خمسة أيام لإيصال حمولته، في حين كانت رحلة الطريق من البصرة إلى بغداد لا تستغرق أكثر من يوم واحد. كما يشير إلى «الرشى التي نضطر لدفعها والظروف الجوية السيئة التي نواجهها في الشارع».
ويشكو أبو عباس، شأن بقية زملائه، من الإجراءات البطيئة المتعلقة بالتدقيق الأمني، ويؤكد أنه وفي «حال عطل أحد جهازي السونار، فإننا نواجه كارثة انتظار حقيقية». وينطبق هذا الأمر على جميع المداخل في الجهات الأربع لبغداد.
تجار وسائقو شاحنات يتظاهرون عند مدخل بغداد الجنوبي
احتجاجاً على إجراءات الدخول إلى العاصمة
تجار وسائقو شاحنات يتظاهرون عند مدخل بغداد الجنوبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة