الجميز... أصله وتاريخه

قدسه الفراعنة وظل رمزًا للقوة والخلود

الجميز... أصله وتاريخه
TT

الجميز... أصله وتاريخه

الجميز... أصله وتاريخه

شجر الجميز من الأشجار القديمة والمعمرة التي عرفها الناس منذ بدايات التاريخ البشري، وثمرة الجميز أو تينه لا يقل طيبة عن التين العادي لا بل أحيانا يكون أطيب بكثير لصغر حجمه واكتنازه للحلاوة المعتدلة والمترفة. ولا عجب أن البعض يعتبره من طعام الجنة.
* الأصل
يقال إن موطن الجميز الأصلي هو أوروبا والبعض يقول إنه بلاد النوبة، وإنها نقلت «منذ زمن بعيد إلى بلاد الشام ومنها فلسطين ولبنان وسوريا والأردن وقبرص. وعلى الرغم انتشارها بكثرة في مصر وفلسطين (الفلستيون جلبوها إلى فلسطين في العصر الحديدي إلى جانب الكمون والخشخاش المنوم)، فإنها تنتشر في جميع أنحاء من العالم وبالأخص في المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والولايات المتحدة (الأكثر شيوعا في بروكلين) وبريطانيا ومدغشقر والمناطق الأفريقية جنوب الدول المعروفة بدول الساحل الأفريقي (وتضم جنوب السودان وجنوب تشاد وجنوب مالي والسنغال وغينيا وغانا وساحل العاج ونيجيريا وأوغندا وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا والصومال وأنغولا وزامبيا وموزمبيق وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وسيراليون وفاسو). لكن من المتعارف عليه من قبل المؤرخين والخبراء أن مصر القديمة هي الموطن الأول لتطوير ثمر الجميز والعناية به واستهلاكه على نطاق واسع منذ قديم الزمان.
* الشجرة
الجميز أحد أنواع الأشجار المعروفة بأشجار السيكامور - Sycamore ويحمل الاسم العلميFicus sycomorus وهو كما تقول الموسوعة الحرة، نوع من أنواع النباتات التي تتبع جنس التين من الفصيلة التوتية. وشجرة الجميز شجرة دائمة الخضرة كبيرة الحجم، إذا لم تكن من أكبر الأشجار، وهي «معمرة وذات أفرع كثيرة تشبه التوت الشامي وأوراقه أرق وأصغر من أوراق التين في بعض الدول يسمى التين البري». وتتميز الشجرة بأخشابها الصلبة والقوية جدا التي تتحمل الماء لسنوات طويلة. «أما الأوراق فهي بيضاوية الشكل خشنة الملمس إلى حد ما». يشبه ثمر الجميز التين لكن كما سبق وذكرنا أصغر حجما، مذاقه حلو ولونه أصفر يميل إلى الاحمرار، وهي ثمرة سريعة التلف بعد النضوج ولا تحتمل التخزين. وتعتبر الجميزة من الأشجار المعطاءة، إذ تثمر طيلة العام أي عدة مرات في السنة، وتزرع في دول الشرق الأدنى والولايات المتحدة وأوروبا، في الساحات العامة وعلى جانب الطرقات وفي «المتنزهات لروعة منظرها وقيمتها في تنسيق الحدائق. وعادة ما تتكيف «بشكل كبير مع المدن إذ تعمل على تنقية الهواء «وإطلاق كمية كبيرة من الأكسجين».
ومن محاسن الشجرة أنها تتأقلم مع أي بيئة وقادة على الصمود والعطاء في أي تربة رغم أنها تفضل التربة الغنية القريبة من الماء.
وتعتبر العلاقة بين شجرة الجميز والفراعنة هي الأقوى والأشهر والأهم عبر تاريخ العلاقات بين الأشجار والبشر، إذ أكدت قداستها النقوش المرسومة على جدران مقبرة الأميرة «تيتي». كما وجدت ثمار الجميز الجافة في الكثير من المقابر الفرعونية وداخل عدة سلال بالإضافة إلى وجود أوراق الجميز في توابيت الموتى. ومن المعروف أن الملك أوزوريس دفن في تابوت مصنوع من أخشاب أشجار الجميز، وقد نقشت رسومات أشجاره على جدران مقابر الأسرة الثانية عشرة. واعتمد الفراعنة أيضا على خشب الجميز كثيرا، حيث استخدم في صناعة سقوف المقابر وبناء السفن ولعمل تماثيل الإلهات، وبشكل عام لاحقا في صناعة الأثاث المنزلي والآلات الموسيقية وأدوات المطبخ والآلات الزراعية.
والأهم من ذلك تقول صفاء محمد إن قدماء المصريين عرفوا قدرة الجميز على نقل الطاقة وخلق التوازن بين الطاقة المغناطيسية والكهربائية، وقد ربطوا بين شجرة الجميز وثلاث من أهم القوى الكونية، فقد حمل لقب «سيدة الجميز» كل من «إيزيس» و«حتحور» و«نوت».
إيزيس (است) هي رمز نجم الشعرى Siriuss وهو النجم الذي يشكل الطرف الآخر في نظامنا الشمسي الثنائي. و«حتحور» هي رمز لمجرة درب التبانة (Milky Way Galaxy) التي تقع فيها مجموعتنا الشمسية. أما «نوت» فهي قبة السماء أو السموات بكل ما فيها من فضاء ونجوم وكواكب ونيازك ومجرات وغبار كوني. حملت كل من هذه القوى الكونية الأنثوية لقب «سيدة الجميز» كرمز لأمومة السماء للإنسان
* الأماكن
وهناك الكثير من المناطق والساحات والشوارع التي تحمل اسم الجميز أو الجميزة في بلاد الشام تيمنا بالشجرة.
وحسب التوراة الشفوية (المشناه)، فإن الجليل كان مقسما إلى الجليل الأعلى، وهي المناطق التي تقع شمال حنانيا ولاينبت فيها الجميز والجليل الأسفل جنوب حنانيا حيث ينمو الجميز.
هناك بلدة في الكتاب المقدس تدعى جمزو، أي «كثير الجميز» بالعبرية وكانت تقع في الضفة الغربية، وهناك بلدة جنوب شرقي اللد يطلق عليها اسم «جمزة الحاضر». وهناك شارع الجميزة الشهير في بيروت في لبنان.
* الفوائد الطبية
يحتوي الجميز على مواد وسكريات وفيتامينات هامة، ولذا يعتبر لبنه قاتلا للجراثيم ومسهلا وملينا للمعدة والأمعاء ومعقما للنزلات المعوية ومخفضا للوزن ولنسبة الكولسترول والسكر في الدم، ومقويا ومنشطا لجهاز المناعة بسبب وجود مادة الزنك فيه. وهو أيضا مصلح للكلى ومعالج لالتهابات اللثة، وطارد للغازات ومخفض لضغط الدم ومنشط للجهاز العصبي. ويقال إن ماء أوراقه المغلية يقضي على الإمساك وينقي الصوت ويعالج الربو وضيق التنفس. كما يزيل لبن الجميز الأبيض الأوشام والبقع الجلدية أو الصدفية. وجاء ذكر الجميز عند ابن سينا والأنطاكي وابن البيطار، وتحدث كل منهم عن علاجات مختلفة منها: تليين الدم وتلحيم الجروح وتحليل الأورام ولسع الحشرات.. وعلاج الطحال والمعدة والسعال المزمن وأوجاع الصدر وإصلاح الكلى وإسقاط الجنين وإدرار الطمث وقطع الإسهال.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.