من التاريخ: أسماء لها حكايات

من التاريخ: أسماء لها حكايات
TT

من التاريخ: أسماء لها حكايات

من التاريخ: أسماء لها حكايات

بعد يوم شاق من العمل، جلست أشاهد فيلم «غلادييتور» الذي حصد كثيرًا من جوائز الأوسكار في حينه. ورغم بعض الانتقادات الموجهة له والمرتبطة بالزي العسكري الروماني الذي لا يتناسب مع الفترة الزمنية التي يرويها الفيلم والخاصة بالإمبراطور - الفيلسوف ماركوس أوريليوس، فإن مشهدًا مهمًا استوقفني عندما كان «البطل» الممثل راسل كرو يقف أسفل طائر العُقاب الروماني المنقوش تحته 4 أحرف كبيرة هي «SPQR». ولقد تذكرت أن هذه الحروف راوغتني على مدار حقب طويلة منذ بدأت علاقتي بالأفلام التي تجسد تاريخ الرومان.
إنه العُقاب (Eagle) الذي سيجده أي شخص يشاهد أي فيلم تاريخي للرومان، ولكن الحروف ستظل مجهولة للأغلبية العظمى. وعقب الفيلم توجهت إلى مكتبتي وبدأت البحث عن هذه الحروف الأربعة التي أشاهدها في كل الأفلام، فوجدت نفسي أسبح في كتاب حول التاريخ الأوروبي القديم، فلم أستفق منه إلا بعد ساعات. وهكذا جمعت حصيلة من المعلومات، بل والطرائف، حول الفترة الرومانية واليونانية، رأيت أن أشركك معي عزيزي القارئ عسى أن تخرجنا من النمط التاريخي/ الفكري الذي اعتدنا إعداد هذا الباب على أساسه، ومن هذه الحصيلة وجدت أهم ما يلي:
أولاً: لقد عرفت أن الأحرف الأربعة «SPQR» التي نجدها أسفل العُقاب الروماني عند المعارك المقصود منها هو «Senatus Populusque Romanus»، أي «مجلس الشيوخ والشعب الروماني»، وهنا حرف الـQ يفيد النَّسَب إلى الشعب الروماني باللغة اللاتينية في كلمة «Populus»، ويرجع تاريخ استخدام هذه الرموز الأربعة إلى الحقبة الجمهورية في التاريخ الروماني عندما كان «السينيت/ مجلس الشيوخ» (البرلمان) يلعب دورًا مهمًا في قيادة الدولة. ولكن حتى بعد انفراد القياصرة والإمبراطور بالحكم ظل هذا الرمز باقيًا، غير أن الغريب في الأمر أن هذا الرمز لم ينتهِ بنهاية الدولة الرومانية. فكثير من المدن لا تزال تستخدمه، وهو لا يزال رمزًا لمدينة روما تخليدًا لذكرى الإمبراطورية الرومانية، كما أن بعض المدن الأوروبية في ألمانيا وهولندا وبلجيكا لا تزال تضعه على بعض مبانيها الحكومية، تأثرًا بهذه الإمبراطورية أو رمزًا للديمقراطية أو ولعًا بالتاريخ.
ثانيًا: لفظ «الإلكترون» الذي نستخدمه اليوم في الفيزياء ونشتق منه لفظ الكهرباء باللاتينية يرجع أصله إلى اللفظ اليوناني «Elektron»، إذ كان اليونانيون يطلقون هذا اللفظ على حجر العنبر أو «الكهرمان» (Amber). وكان اليونانيون بطبيعتهم شعبًا ميتافيزيقيًا يؤمن بالدين والفلسفة والأرواح، وبالتالي سموا هذا الحجر «إلكترا» نسبة إلى عشيقة كبير الآلهة «زيوس»، وكان الفيلسوف اليوناني طاليس (Thales) على قناعة تامة بأن هذا الحجر له بعده الميتافيزيقي لأنه عندما يُحكّ فإنه يصدر طاقة أو قوة تسمح له بجذب الأشياء أو ردّها. ولكن في واقع الأمر هناك تفسير علمي واضح وصريح لهذه الظاهرة مرتبط بعلم الفيزياء، وهو ما دوّنه العالم الشهير ويليام غيلبرت عام 1600م. في كتابه الشهير «De Magnete» وأطلق على هذه الطاقة لفظ «إلكترون» نسبة إلى اللفظ اليوناني الذي اشتقت منه بعد ذلك بقرون الكهرباء (Electricity)، وهذا مثال حي على التحوّل في استخدام الألفاظ من الأسطورة إلى العلم الحديث.
ثالثًا: لفظ «هستيريا»، وهو المعروف لدينا اليوم في علم النفس بأنه مرض نفسي يعكس حالة من القلق والاضطراب والانفعالات الشديدة، إلا أن حقيقة الأمر أن لهذا اللفظ أساسه اللغوي. فهو مشتق من لفظ هستيريا (Hysteria) باللغة اليونانية وترجمته الحرفية لفظ «الرحم» لدى المرأة، ولقد صاغه أبُقراط أو «Hippocrates» - أبو الطب - على أنه مرض عارض يصيب المرأة قبيل الحيض فيجعلها في حالة نفسية وانفعالية صعبة. وظل استخدامه الطبي عند اليونانيين مرتبطًا بالمرأة فقط إلى أن تطور اللفظ ليشمل أبعد من مرحلة ما قبل الحيض ليصبح مرضًا أو عارضًا نفسيًا يشمل حالة الانفعال والقلق والتوتر الذي له أسبابه المختلفة المرتبطة بالجهاز العصبي أو النفسي للإنسان بغض النظر عن النوع. واليوم نستخدمه في اللغة العربية بشكله الطبي الواسع، فنقول على سبيل المثال إن «فلانًا أصابه حالة هستيرية» لوصف السلوك المنفعل العنيف.
رابعًا: لفظ سكولاستيك (Scholastic) أو «Sckolastic» اليوناني، وهو لفظ كثيرًا ما يُستخدم اليوم في الغرب للتعبير عن البعد التعليمي في المدارس، واشتق منه لفظ «مدرسة» بالإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية... إلخ... ولكن اليونانيين كان لهم استخدام مختلف حيث كانوا ينسبونه إلى فن الدعابة أو ما نطلق عليه اليوم «النكت»، وقد كان المفكر اليوناني فيلاغريوس السكندري (Philagrius of Alexandria) هو من حاول وضع أساس علمي للكوميديا أو الدعابة، ومنه اشتق هذا المعنى في اللغة اليونانية القديمة تحت اسمه «فيلوجيلوس» أو حب الضحك. واستخدم اليونانيون القدماء لفظ «سكولاستيك» لنسب النكت والدعابات إلى شخصية معينة تمامًا كما نستخدمه اليوم في مصر، فنقول «واحد بلديات» أو في لبنان «أبو العبد» الذي ينسب له النوادر. ولقد أورد اليونانيون دعابات كثيرة في كتبهم على هذا النحو، منها أن «سكولاستيكوس» أراد أن يتعرف على شكله وهو نائم، فوقف أمام المرآة ينظر إلى نفسه وهو مغمض العين... أو أن «سكولاستيكوس» التقى بصديق، وقال له: «لقد سمعت أنك مت»، فرد عليه صديقه: «غير صحيح فأنت تراني اليوم أمامك»، فرد عليه قائلاً: «ولكن الرجل الذي أبلغني هذه المعلومة أكثر مصداقية منك». كذلك فإن سكولاستيكوس ذهب إلى الحانوتي ليتعرف على جثة والده، فعندما سأله الحانوتي عن أي علامة يمكن من خلالها التعرف على جثمان والده، قال له: «لديه كحة مميزة»... وهكذا تطور علم الضحك عند اليونانيين ومنه إلى العالم من خلال سكولاستيكوس.
رابعًا: هوراتيوس (هوراشيو/ Horacio)، وهو اسم معروف في الفلسفة والأدب الروماني. وكان هذا الكاتب والمفكر العظيم أحد رموز الفكر الروماني، ولقد أخذنا منه العرب بعض أقواله ومآثره مع أننا جهلنا المصدر، ولعل من أهم ذلك مثال «تمخض الجبل فولد فأرًا»، وهي حكمة أو مقولة مأخوذة عن كتابات هذا الرجل، والتي تقول: «Perturient Montes Nascetur Rediculus Mus»، والأصل يستخدم صفة الحقارة لوصف الفأر، وهكذا نرى أن الحِكم تمر عبر الأجيال والمسافات دون حائل.
خامسًا: «السيد El Cid» هو لفظ إسباني من جذور عربية ويطلق على المقاتل الإسباني القشتالي رودريغو دي نافار، الذي حارب مع العرب وضدهم على حد سواء في شبه الجزيرة الأيبيرية، ثم وجه طاقته الحربية لمقاتلة العرب. ومع هذا احترمه القادة العرب وأطلقوا عليه لفظ «السيد»، فأخذته اللغة الإسبانية لتصفه به، ثم تطور اللفظ إلى أن أصبح جزءًا من القاموس الإسباني لنعت العظماء، فمن قال إن الأعداء لا يتركون لأعدائهم بقايا فكرية ولغوية، خصوصًا أنه يقال إن ما يقرب من 20 في المائة من اللغة الإسبانية تجد أساسًا لها في اللغة العربية.
لقد أردت من خلال هذه السطور أن أشارك القارئ في محصلة يوم في قراءة متعمقة عشوائية للتاريخ للإجابة على سؤال تعرفت من خلاله على مشتقات ألفاظ واستخداماتها عبر التاريخ، وأعتقد أن خير ختام هو أن نورد الحكمة الرومانية «Felex Qui Potuit Rerum Cognoscere Causus» أو «سعيد هو الذي يعرف أسباب الأمور».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.