شاشة الناقد

كايسي أفلك وميشيل ويليامز في «مانشستر على البحر»
كايسي أفلك وميشيل ويليامز في «مانشستر على البحر»
TT

شاشة الناقد

كايسي أفلك وميشيل ويليامز في «مانشستر على البحر»
كايسي أفلك وميشيل ويليامز في «مانشستر على البحر»

الفيلم: Manchester By the Sea
إخراج: ‪كنيث لونرغان‬
دراما | الولايات المتحدة
تقييم: ****

يستخدم الكاتب والمخرج كنيث لونرغان المشاهد الاسترجاعية (فلاشباكس) على نحو متحرر من التقليد. ليس أنه يبتكر في عملية استخدام هذه المشاهد أي جديد أو يمنحها وظيفة فعلية مختلفة تمامًا عن وظيفتها المعهودة، لكنه يعمد إليها مرارًا وتكرارًا من دون أن تتسبب في خروج الفيلم عن سكة حديده. لا تحيد به ولا تضيع الحاضر أو تختصره أو تطيح به. في الواقع تفيده من حيث من النادر أن تجد في هذا الاستخدام أكثر من ورقة تنويع.
بطله هو لي (كايسي أفلك المرشّح للأوسكار عن دوره في هذا الفيلم المرشح بدوره ومخرجه لأوسكارين آخرين بين ما مجموعه ستة ترشيحات) الذي نراه من مطلع الفيلم في «فلاشباك»، ثم ننتقل إلى حاضره حيث يعمل في أشغال التصليحات المنزلية: هذا أنبوب معطل وذاك مرحاض مسدود، وهناك ثلج عليه أن يزيله من أمام منزل. وهو في كل هذه الحالات شخص لا تتوفر لديه لا الرغبة في التواصل مع الآخرين ولا الطريقة لذلك لو أراد. ندرك من مشاهد استرجاعية أخرى بأنه فقد ثقة زوجته (ميشيل ويليامز). غيرت رأيها به وتركته. ولاحقًا فقد شقيقه جو (كايل شاندلر) الذي مات على سرير المرض ليكتشف لي أنه ترك له بعض المال وابنه المراهق لكي يتولى رعايته.
المفاجأة تزيده شعورًا بالكآبة والإحباط. يخبر المحامي بأنه ليس أهلاً لذلك، لكنه يجرب رغم إدراكه أنه لم ينجح وإن الفشل واقع لا ريب. ابن أخيه (لوكاس هدجز) لا يساعده كثيرًا في هذا الشأن. يأخذ عليه عيوبًا وينقده كثيرًا ويرفض أن يعود معه إلى مدينة بوسطن التي يعيش لي فيها، إذ إن بلدة مانشستر البحرية ما هي إلا المكان الذي أراد لي زيارته لأسبوع يسوّي فيها هذه المشكلات ويعود.
ليس فقط أن هذه الإرادة تتعطل بوضوح، وأن الكثير من رغبات لي لا تتحقق. «مانشستر على البحر» هو فيلم عن أشياء معطلة بالجملة في حياة هذه الشخصية، وفي حياة بعض الشخصيات المحيطة به. هناك نقد لابن أخ لي الذي لا يستطيع أن يشعر بالحب الحقيقي لأنه ما زال بكرًا لكنه يستطيع التباهي بأنه على علاقة بفتاتين معًا. أم واحدة منهما تعيش وحيدة وتتوخى أن تجد لي رفيقًا لها. هناك نظرة على إحدى الفتاتين وكيف تقضي وابن الأخ وقتها في الغناء. تنصت للكلمات الفارغة وتستمع للموسيقى التي لا معنى لها. هذا ليس رأيك فقط، بل حقيقة يود المخرج لونرغن (في ثالث أفلامه) إيصالها إليك.
أما تلك المشاهد التي يعود بها إلى الوراء ليسرد خلفية حياة بطله، فيختارها لونرغان بلا مميزات. لا يكتب على الشاشة «ستة سنوات سابقة» ولا «قبل شهرين» أو «ثلاثة». لا يحدد الزمان ولا المكان بل يدمجهما معًا في الحاضر. في البداية يدهمك ذلك لأنه سيتطلب منك أن تفكر أكثر مما يجب. لكن بعد قليل ترتاح للمحاولة مدركًا الغاية منها ومعتادًا على ما تضيفه من ثراء للدراما التي يسردها الفيلم ولو مع بعض التطويل في نصفه الثاني.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز