ذكريات الأقارب والأنصار تهيمن على جنازة مؤسس {الجماعة الإسلامية}

هيمنت ذكريات الأقارب والأنصار على جنازة الشيخ عمر عبد الرحمن الذي توفي في محبسه في الولايات المتحدة، حيث كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة التآمر في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993. ومنذ ذلك الوقت لم يرجع إلى مصر، وغاب تماما عن التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك ظهور تنظيم «القاعدة» وأخيرا تنظيم داعش. وتقول ابنة أخيه، فوقية، والدموع في عينيها: «رحم الله عمي... فقد جئت للحياة دون أن أراه. عرفته من الحكايات التي يرويها عنه أهل البلدة».
ويوصف عبد الرحمن بأنه الزعيم الروحي لـ«الجماعة الإسلامية» التي مارست العنف ضد الدولة المصرية لسنوات وراح ضحية ذلك مئات من رجال الشرطة والمدنيين والسياح الأجانب. وجرى اعتقاله في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1981. وعرف باسم «الشيخ الضرير» بسبب فقده للبصر في طفولته.
ويقول نجله عمار البالغ من العمر 29 عاما: «منذ 24 عاما، أي منذ دخوله السجن في الولايات المتحدة، كان محظورا عليه التحدث مع أولاده. كانت تعليمات الجانب الأميركي أن تكون والدتي فقط هي من تتلقى المكالمة. كانوا يتصلون أولا للتأكد من أنها موجودة بجوار الهاتف».
وفي مضيفة، على بعد شارع من مركز شرطة الجمالية، احتشد عدد كبير من عناصر الجماعة الإسلامية وتيارات دينية أخرى وعلى رأسهم الشيخ حافظ سلامة الملقب بـ«شيخ المجاهدين». ولم تكن هناك قيادات كبيرة من الجماعات الدينية المعروفة. وبلغ عدد الحضور إجمالا نحو ألفي مشيع غالبيتهم من أبناء الجمالية، وهي بلدة زراعية صغيرة تابعة لمحافظة الدقهلية وتقع شمال القاهرة بنحو 130 كيلومترا.
ووسط إجراءات أمنية مشددة، رافق عدد من أقارب وأنصار «الشيخ الضرير» جثمانه من مطار القاهرة، عقب وصوله من نيويورك على متن طائرة مصر للطيران، واتجهوا إلى بلدته.
وكان مقررا الصلاة على جثمان عبد الرحمن، مع صلاة العصر، إلا أن تأخر وصوله من القاهرة إلى الجمالية، عبر الطريق الإقليمي، وليس طريق الإسكندرية الزراعي، جعل الصلاة تتأجل إلى وقت المغرب، وذلك في المسجد الكبير الذي يقع في بلدته، ويبعد عن مركز الشرطة عدة مئات من الأمتار. وحرصت عناصر الأمن على الابتعاد عن كل من موقع المضيفة والمسجد. وتركز وجودها أمام مركز الشرطة، تحت قيادة مدير أمن الدقهلية ومدير المباحث.
ولأسباب تتعلق بمنع حدوث أي مشاكل مع السلطات الأمنية، وفقا لمصادر من أسرة الشيخ الضرير، تم التنبيه على من قدموا العزاء في منطقة المقابر التي دفن فيها، بالانصراف منعا للازدحام في مجلس العزاء أمام دار العائلة في الجمالية. كما قررت الأسرة تلقي العزاء ممن لم يتمكن من الحضور إلى الجمالية، أمام منزل العائلة في منطقة العمرانية، أو في أي مقر من مقرات الجماعة الإسلامية، وذلك «تخفيفًا على المسافرين».
وتوفي عبد الرحمن في سجن سبورتينغ بولاية كولورادو الأميركية يوم السبت الماضي. ويقول التقرير الطبي إن سبب الوفاة طبيعي، جراء إصابته بهبوط حاد بالدورة الدموية والقلب. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلافات المصريين حول الرجل الذي كان ملء السمع والبصر في أوساط التيارات الدينية فيما مضى.
وبينما حمله البعض مسؤولية العنف الذي شهدته مصر في تلك الفترة، وأنه كان منظرا للعمل المسلح ضد الدولة، دعا آخرون إلى طلب الرحمة للميت بغض النظر عما كان يقوم به في حياته.
كما جرت محاولات من جانب بعض المتعاطفين مع «الشيخ الضرير» للفصل بينه وبين التيارات التي كانت تحمل السلاح ضد معارضيها، بالقول إنه {جرى تحريف الكثير من فتاواه لصالحها}.
ويقول عمار، إن والده كان يشكو، في وحدته في السجن، من السكري ومن الكثير من الأمراض، مشيرا، في مقابلة سابقة معه، إلى إنه حاول كثيرا تسلمه من الولايات المتحدة، خاصة أثناء إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلا أن هذه المحاولات لم تكتمل.
وقبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة في مطلع تسعينات القرن الماضي، كان الشيخ عمر عبد الرحمن يلقي خطبا دينية رأت الحكومة المصرية أنها تدعو إلى العنف. وأقام خلال تلك الفترة ما بين محافظتي الفيوم وأسيوط. وبالأمس توجه لحضور الجنازة بعض من أبناء هاتين المحافظتين أيضا، خصوصا من الفيوم التي كان يلقي في «مسجد الشهداء»، فيها، الكثير من الخطب وتعرض خلالها للمطاردات الأمنية.
ويقول أحد أفراد أسرته وهو يسير وسط المشيعين: الشيخ أوصى بدفنه هنا بجانب والدته ووالده وشقيقه أحمد. وتقول فوقية: «رحم الله عمي، فأنا أعتز به وأدعو الله أن يرحمه، فقد كان طيب القلب مما سمعته عنه... جئت للحياة ولم أره، ولكن عرفته من خلال حب الناس له ومن خلال الحكايات التي تروى عنه».
ويضيف ابن شقيقه، شمس، الذي يمتلك مكتبة في البلدة: {عندما جرى اتهامه في قضية اغتيال الرئيس السادات، ظهرت براءته، وقام هو بالدفاع عن نفسه، ومكث فترة في بلدة الجمالية، وكان يقوم بإعطاء الدروس الدينية في المساجد، وتحفيظ القرآن الكريم... وبعد أن حكم عليه بالمؤبد في الولايات المتحدة، كان ينتظر الموت في كل وقت، وكان، منذ البداية، يعلم أن نهايته في الغربة}.
ومن جانبه يكشف عمار عن أن والده كان يحب «مسجد الشهداء» بالفيوم حبا كبيرا، وشعر بحزن عميق حين تم منعه من ارتياده. وكان «مسجد الشهداء» يبعد عن منزل الأسرة في الفيوم نحو 15 دقيقة مشيا على الأقدام... «كان مسجدا صغيرا يقع تحت منزل ومع ذلك كانت له علاقة قوية به ولم يتحمل فراقه». ويضيف أنه طوال فترة حبسه في الولايات المتحدة كان كل اتصال هاتفي يأتي منه وهو في السجن، تسبقه رسالة مسجلة تقول إنه «لا يُسمح بالحديث مع الشيخ إلا لزوجته عائشة حسن محمد سعد، ولا يسمح لأحد غيرها، وإذا تكلم أحد غيرها سوف يتم قطع المكالمة».
ومن بين من حرصوا على حضور صلاة الجنازة على جثمان عمر عبد الرحمن، مساء أمس، عناصر من التيار السلفي ومن جماعة أنصار السنة المحمدية، ومن جماعة الإخوان المسلمين المصنفة في مصر كـ«منظمة إرهابية».
وخلال عام 2013 حاولت الجماعة الإسلامية وتيارات دينية أخرى، منها جماعة الإخوان، الضغط على الولايات المتحدة من أجل الإفراج عن عمر عبد الرحمن. وأقيمت عدة خيام واعتصامات أمام مقر السفارة الأميركية في القاهرة لهذا الغرض.
وولد الشيخ عبد الرحمن في الجمالية عام 1938، وفقد بصره بعد عدة أشهر من ولادته، وحصل على الثانوية الأزهرية عام 1960. ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة، ودرس فيها حتى تخرج عام 1965، وجرى تعيينه في وزارة الأوقاف، وحصل على شهادة الماجستير، وعمل معيدًا بالكلية وحصل أيضا على الدكتوراه، وعمل في جامعة أسيوط، إلى أن تم اعتقاله في قضية اغتيال السادات.
ويقول الشيخ نبيل عبد الرحمن، المقاتل السابق في أفغانستان الذي كان يلقب بـ«أبو مسعود المصري»: «كنت مسجونا مع الدكتور عمر عبد الرحمن، وآخرين، في قضية اغتيال السادات رقم 217 أمن دولة عليا... كنا 67 عنصرا، وحصلنا على البراءة إلا أنه تم اعتقالنا مرة أخرى في بداية عهد الرئيس حسني مبارك. وانتقلنا من سجن استقبال طرة إلى سجن أبو زعبل السياسي، في عام 1984. وبعد حوار بيننا اتفقنا على قتال العدو البعيد قبل العدو القريب. وبهذا بدأنا السفر لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان».
ويتذكر أبو مسعود قائلا إن «الشيخ عمر عبد الرحمن حضر في ذلك الوقت إلى أفغانستان، وكنا في عملية لدك معسكر روسي بالمدفعية الثقيلة، وأصر هو على الخروج معنا، وكان ارتفاع الجبل الذي صعدناه قرابة كيلومتر، واستغرق المشوار ثلاثة أيام، حتى وصلنا قمته بالخيول والحمير والبغال وعلى الأقدام. وهنا طلب الشيخ الضرير أن يشارك في رمي المعسكر بالمدفعية... واحترنا ماذا نفعل، لكن قمنا بضبط الأبعاد والمسافات على موقع داخل معسكر الروس، وقام هو بعملية إطلاق القذيفة، وهو يصيح: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)».
ومن جانبه يقول السيد محمد، أحد جيران الشيخ عمر عبد الرحمن، في الجمالية: «كنت أصطحبه إلى قرية (ميت شرف)، المجاورة، حيث توجد هناك دار لتحفيظ القرآن... الجميع يحترمه ويقدره». ويضيف جمال قضا، وهو معلم وأحد جيران الشيخ الضرير في البلدة، إنه «كان يقيم بجوارنا في شارع الترعة... حفظ القرآن من صغره وهو كفيف، وتعلم في الأزهر، وعُين بجامعة أسيوط، ثم سافر إلى السودان، والولايات المتحدة، واعتقل هناك».