الحكومة اللبنانية تواجه مأزق الموازنة و«الرتب» بضرائب تنهك الاقتصاد

أحزاب السلطة تؤيد مطالب هيئة التنسيق وتشاركها في الاعتصام

معلمون لبنانيون يشاركون في مظاهرة ببيروت أمس للمطالبة بزيادة رواتبهم (إ.ب.أ)
معلمون لبنانيون يشاركون في مظاهرة ببيروت أمس للمطالبة بزيادة رواتبهم (إ.ب.أ)
TT

الحكومة اللبنانية تواجه مأزق الموازنة و«الرتب» بضرائب تنهك الاقتصاد

معلمون لبنانيون يشاركون في مظاهرة ببيروت أمس للمطالبة بزيادة رواتبهم (إ.ب.أ)
معلمون لبنانيون يشاركون في مظاهرة ببيروت أمس للمطالبة بزيادة رواتبهم (إ.ب.أ)

تعكف الحكومة اللبنانية على مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة، والإصرار على إقرارها بعد 12 عامًا على الصرف من خارج الموازنة، إلا أن الحكومة بدت أمام مشكلتين، الأولى استحالة إيجاد الموارد المالية لهذه الموازنة، إلا عبر اللجوء إلى فرض ضرائب ترهق الاقتصاد وتنهك الطبقة الفقيرة، والثانية مشكلة إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي يطالب بها المعلمون وموظفو القطاع العام منذ خمس سنوات، في مقابل عجز الحكومة على تأمين الواردات المالية التي تغذي هذه السلسلة البالغ قيمتها مليارًا و200 مليون ليرة لبنانية سنويًا (800 مليون دولار)، والخشية من تفاقم العجز في الميزانية العامة، وبالتالي ارتفاع الدين العام الذي اجتاز سقف الـ70 مليار دولار أميركي.
وبالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت عصر أمس في السرايا الحكومية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، نفّذت هيئة التنسيق النقابية اعتصامًا في ساحة رياض الصلح مقابل مبنى السرايا، للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب، بمشاركة المعلمين والنقابات، حيث رأى نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض في كلمة ألقاها خلال الاعتصام، أن «هناك نوعًا من اللعب بحقوق الأساتذة». وقال: «نحن نطالب بإقرار سلسلة عادلة؛ لأن الأجور لم تزل كما هي منذ أعوام، لذلك نطالب بتصحيحها عبر إقرار سلسلة عادلة»، معتبرًا أنه «سواء أقرت سلسلة الرتب والرواتب مع الموازنة أم لا، فالأمر (سيان) والمهم أن تقرّ».
واللافت أن الأحزاب اللبنانية الشريكة في السلطة، أيدت مطالب الهيئات النقابية، حيث أعلن المكتب التربوي في التيار الوطني الحر، المكتب التربوي لحركة «أمل»، قطاع التربية والتعليم في تيار «المستقبل»، التعبئة التربوية في «حزب الله»، مصلحة المعلّمين في «القوّات اللبنانية»، ومفوضية التربية في الحزب التقدمي الاشتراكي، أعلنت تأييدها المطلق لتحرك هيئة التنسيق النقابية، ودعت للإضراب والاعتصام للمطالبة بسلسلة الرتب والرواتب، ورفض أي ضرائب جديدة على الناس.
وأعلن نعمة محفوظ رفض هيئة التنسيق «فرض الضرائب على الفئات الشعبية وعلى ذوي الدخل المحدود». وخاطب السياسيين قائلاً: «لسنا هواة إضراب، ولسنا في وجه الأهالي وإدارات المدارس، لكن لم نعد نستطيع تحمل المماطلة والتسويف». وختم: «نحن لسنا دعاة النزول إلى الشارع، لقد نزلنا إلى الشارع مضطرين، ولا تدفعونا إلى النزول مرة ثانية».
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي عدنان الحاج، أن «الحكومة أمام مأزق إقرار الموازنة بحد ذاتها، فكيف إذا ألحقت سلسلة الرتب والرواتب بها؟». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الدولة «لم تلحظ حتى الآن اعتمادات بصورة نهائية للموازنة، وإذا أقرت بالاستناد إلى الضرائب التي يحكى عنها، سنكون أمام تصعيد وتحركات شعبية كبيرة».
ولفت الحاج إلى أن الحكومة «متجهة إلى فرض رزمة من الضرائب التي ستنهك الاقتصاد، وتطال الطبقات الشعبية، مثل رفع ضريبة المبيعات من 10 إلى 11 في المائة، وزيادة الضرائب على الفوائد المصرفية 1 في المائة، وضريبة على السفر ومعاملات استيراد البضائع والمعاملات الصحية، ومواد البناء ورسم استهلاك مادة المازوت، ورسم مقطوع على المواد المستوردة وضريبة على المسافرين».
وحذّر الخبير الاقتصادي من أن «كل عملية ضريبية سترتب أعباء على الناس، ستكون لها آثار تضخمية وانعكاسات سلبية على الاقتصاد، ولن تكون لهذه الضرائب أي نتائج عملية». ورأى أن «العلاج الحقيقي يبدأ بوقف الهدر، ووضع حدّ للتهرّب الضريبي الذي يتراوح ما بين 21 و30 في المائة من قيمة الضرائب المجباة». وشدد عدنان الحاج، على أن «معالجة العجز في الكهرباء الذي يصل إلى ملياري دولار سنويًا، كفيل بإنعاش الميزانية، ودفع السلسلة من دون اللجوء إلى الضرائب، لكن هذا الأمر قد لا يناسب البعض في الطبقة السياسية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».